الهجرات واستراتيجيّات الاندماج في مدينة قسنطينة. مسارات عائليّة (الأوراس، القبائل)

الهجرات واستراتيجيّات الاندماج في مدينة قسنطينة. مسارات عائليّة (الأوراس، القبائل)

العناصر المدرجة في هذا المقال مأخوذة من بعض نتائج البحث الجارية حول المهاجرين المنحدرين من الجماعات الجبليّة للأوراس ومنطقة القبائل، والمستقرّين في مدينة قسنطينة، إذ يبدو لنا أنّه من المهمّ إعطاء نظرة وطرح تساؤلات حول مشكلة حركيّة الهجرة داخل البلاد، مع مقاربة تأخذ بعين الاعتبار المسألة الزّمنيّة (إذ ستتناول الدّراسة عدّة أجيال) وخطاب المعنيّين حول مسارات هجرتهم.

الجزء الأول : الحدود التاريخيّة للهجرات والتعريف بموضوع الدّراسة

المغادرة

تعتبر ظاهرة الهجرة انعكاسا تاريخيّا – اجتماعيّا لعلاقات الهيمنة السّائدة على مستوى العالم. لقد تشكّلت وضعية مزدوجة حول عالمين اثنين: عالم الاستقبال وعالم الانطلاق. هذه الوضعيّة هي الشّرط الأساسيّ لظاهرة الهجرة.

تعكس ظاهرة الهجرة بالجزائر الأزمة الحادّة التي مرّ بها العالم الريفي،والتي لم يسبق لها مثيل بعد صدور قانون الملكيّة العقّاريّةSenatus-consulte de 1863, Loi Warnier en 1873))، والذي جرّد الفلاّحين من أراضيهم. فمنذ سنة 1930 أصبح 50% من السّكّان الرّيفيّين بدون أرض (F. Adel, 1996). إذ تفكّك العالم الريفيّ وأصبحت المغادرة هي السّبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، وهذا ما توافق مع الطّلب القويّ لليد العاملة في المدينة التي كانت في أوجّ توسّعها الصّناعيّ. وليس من قبيل الصّدفة أنّ النّزيف الكبير لبعض المناطق الجبليّة قد أعقبه الاستيلاء على الأراضي سنة 1871.

ولذلك فإنّ معدّل النموّ الحضريّ، الذي قدّر بـ 05% قبيل الاستعمار، ارتفع إلى 67% بقطاع الجزائر العاصمة، 63% بقطاع قسنطينة و48% بقطاع وهران ما بين 1954- 1960 (P. Bourdieu, 1964)، ويعدل ذلك على مدى تأثّر المدن بحركية بهؤلاء السّكان الفارّين من العالم الرّيفيّ. لقد استمرّت هذه الحركيّة في استقطاب الفائض المنتج من طرف العالم الزّراعي– الرّعوي للقبائل في الأوراس ومنطقة القبائل، وذلك من أجل بيع منتوجاتهم والحصول في المقابل على المواد الأساسيّة للحياة اليوميّة: صابون، قماش، منتوجات مصنّعة .

بعد الاستقلال، شهد النّزوح الرّيفي باتّجاه المدن كثافة خاصّة، وهذا ما يمكن ملاحظته بمدينة قسنطينة فحتّى إن كانت حركيّة الهجرة قد انخفضت، إلاّ أنّها بقيت مستمرّة، فـ 40% من المهاجرين إلى القطاع القسنطينيّ وصلوا ما بين 1963- 1977، التّاريخ الذي قدّر فيه أن نحو الثلثين من السّكّان ذوي أصول ريفيّة (المولودون خارج المدينة) واستقرّوا بقسنطينة (Pagand,1988 ) .

تحديد أهداف الدّراسة

تسمح لنا الأعمار الثّلاثة للهجرة كما حدّدها وعرّفها عبد المالك صيّاد (A.Sayad) بالنّسبة لفرنسا، بصياغة تقييم زمنيّ لظاهرة الهجرة بما في ذلك أهدافها وأشكالها التي تتميّز بها بدون استثناء. لكن فقط العمر الثّاني والثّالث هما ما يتوافق مع مقاصد هذا العمل البحثيّ الذي يهتمّ حصريّا بميكانيزمات اندماج العائلات القبائليّة والشاويّة في مدينة قسنطينة.

فحركات الهجرة داخل البلد أسبق زمنيّا من التّنقلات إلى الخارج. إنّها تأخذ أشكالا أخرى وتلبّي ضرورات أخرى: فهي تمسّ الرّجال، كبار السّنّ المعيّنين من طرف الجماعة العائليّة للبحث عن موارد إضافيّة وذلك من أجل تقوية تضامن الجماعة وحمايتها من التّدهور وتضامن الجماعة الاقتصاديّة العائليّة المؤسّس على التّنمية المشتركة للأراضي، الأشجار، القطعان... هذه التّنقلات، التي تخلّلتها العودة المتكرّرة إلى القرية عرفتها أهمّ المدن في دراستنا: بسكرة، باتنة، سوق أهراس، عنابة، سكيكدة...، أمّا قسنطينة، كقطب اقتصاديّ وثقافيّ، فتعتبر المرحلة الأخيرة لهجرة الجماعات المدروسة.

تجمع قسنطينة اليوم حوالي عشرين عائلة قبائليّة من "آث وغليس" وحوالي مائة عائلة شاويّة من "آث فراح". جميعهم استقرّوا منذ عشرات السنين واندمجوا بشكل أو بآخر في هذا الفضاء المختلف عن الفضاء الجبليّ. وبما أنّ الفضاء الأصليّ يعاني من الأزمة، فإنّ المهاجرين قد بحثوا عن طرق لبقائهم على قيد الحياة في الخارج. وتبدو المدينة الفضاءَ المفضّلَ الذي استمرّ في إعادة توزيع وسائل الحياة على مواطنيها. فقط أنّ الوافدين الجدد قد وضعوا على الهامش الاجتماعيّ لصعوبة وصولهم أوّلا للغة المدينة، لنمط الحياة بل حتّى للطّابع الحضريّ رغم أنّ مجيئهم للمدينة قد تمّ بواسطة شبكات التّضامن التي نسجتها المجموعة الأصليّة.

أيضًا، وبمجرّد وصولهم، فإنّ الوافدين الجدد يستقرّون في أحياء تتواجد بها أسر من نفس مجموعتهم ويعملون في نفس المراكز التي أدمجهم فيها أهلهم بالمدينة إذ أنّ اتخاذ القرار حول الاستقرار في المدينة، والتّفاوض عليه، يتمّ من طرف الجماعة التي يخضع لها الفرد إلى غاية تمكّنه من الاستقلال عنها، تبدأ حينئذ مغامرة أخرى في الفضاء الحضريّ، وهذه المغامرة شخصيّة وتكشف عن الدّروس التي اكتسبها الفرد من تجارب أهله. ومن داخل هذا المنطق يمكننا فهم الزّواج المختلط (مع أهالي المدينة باعتبارهم أجانب عن الجماعة الأصليّة)، ما يساهم في اندماج هؤلاء الوافدين الجدد في المدينة.

بروز "الشّخص الثّالث"

تسمح لنا أعمال غريبودي موريزيو Gribaudi Maurizio، والتي كان ميدانها حيّ العمال "بورغو سان باولو" بـ "تورين" (Borgo San Paolo à Turin) ) بأن ندرك أنّ تاريخ المهاجرين متماثل تقريبًا باعتبار أنّه يستجيب فقط لمنطق السّعي من أجل البقاء على قيد الحياة، وإذا كانت المسارات تتضمّن سيرا ا فرديّة ومتمايزة، فإنّها تبني أيضا إطارا يتجاوز الجماعة الإثنيّة، الإطار الذي سمّاه الكاتب "بانوراما اجتماعية"، ولأنّ الهجرة أصبحت أكبر حجما وأطول فترة، وبعدما كانت وظيفتها الأولى تقديم الوسائل الضّروريّة لجماعة الفلاّحين من أجل الاستمرار، غيّرت من دلالتها وأصبحت غاية في حدّ ذاتها (A.Sayad, 2001).

هكذا، وبنحو متزايد منذ بداية الخمسينات، أخذت الهجرات نحو المدينة أشكالا أخرى: لقد كان هدف الذّهاب بالتّأكيد هو مساعدة الجماعة، ولكن أيضًا وبالخصوص من أجل التّحرّر من قيودها، من أجل إثبات الذّات كفرد يحاول عيش تجربة أصيلة. إذ تسارعت في العالم الرّيفيّ وتعزّزت سيرورة الانحلال الزّراعي dépayannisation التي بدأت منذ سنّ مختلفِ القوانين العقّارية الاستعماريّة، وأُسند العمل الفلاحيّ المنبوذ إلى الفئات الأكثر ضعفا: كبار السّنّ والنّساء P. Bourdieu, 1964)). " إنّ فكرة الاجتثاث déracinement مؤسّسة على واقع معيّن: واقع فقدان التعلّق العاطفيّ بالعمل في الأرض وبكل نظام القيم الذي يدعمه، ولكن هذه الفكرة تنقل معها جملة من التّمثّلات، خاصّة تلك التي تصوّر الفلاّحين كضحايا يتدافعون كالأغنام [هكذا] في قطار المنفى من أجل ضمان لقمة عيش أهاليهم. إنّ الهجرة مشروع يُصاغ عبر تجربة المدينة وعلى الرّابط الثّابت الذي يحافظ عليه المهاجر مع جماعته الأصليّة" F. Adel, 1996)).

ما الذي جرى داخل المدن في نفس الفترة؟ في القطاع القسنطينيّ، لعبت المدينة العتيقة دورا مهمّا، حيث شهدت الكثافة السّكانيّة الحضريّة العامّة زيادة بـ 63%، ما أثّر على التّنظيم السّياسيّ والإداريّ وعلى المبادلات التّجاريّة. إذ انطبعت هذه الفترة خصوصا بحرب التّحرير التي أدّت إلى إفراغ كبير للمناطق الجبليّة.

يخضع المهاجرون جميعا لجاذبيّة الوسط المستقبِل، الذي يجب على المهاجر التكّيف معه، في المقابل يحمل معه مرجعيّات وسطه الأصليّ. وسطان وُضعا في موقف المواجهة. التي ستشكّل الفرد القبائلي والشاّوي الذين لا يعتبران لا الشّخص الحضريّ، المأخوذ أحيانا كمرجعيّة، ولا الشّخص الرّيفي. حسب م.غريبودي، يبرز "شخص ثالث" من هذه المواجهة بين أشخاص "يعيشون فكريّا بين وسطين تربطهما علاقة ويختلف بالضّرورة محتواهما وأهمّيّتهما"، هذا "الشّخص الثّالث" سيكون مزيجا من المسارات الفرديّة، وسيحمل الفرد داخل نفسه بالتّالي "ولاءين اثنين ومرجعيّتين اثنتين".

ما هو الدّور الذي لعبته النّساء في مشروع الهجرة هذا الذي كان خاصّا بالرّجال لفترة طويلة؟ بإمكاننا القول أنهنّ أحدثن نقطة تحوّل في تاريخ حركات الهجرة، فهنّ قد تبعن الرّجال في هذه الهجرة الطّويلة والنّهائيّة غالبا، مع الحصول على عمل ثابت، اكتساب سكن وخاصّة تعليم الأطفال. بالنسبة لكثير من المهاجرين، ساهمت النّساء بقوّة في اتّخاذ قرار هجرة نهائيّة وقاطعة غالبا.

من المفيد أن نذكر أنّه في الفترة الأولى من حركيّة الهجرة، تبقى المرأة جغرافيّا واجتماعيّا في جماعتها التي يتكفّل أعضاؤها بمهمّة حمايتها ومراقبة سلوكها. وإذا تعذّر ممارسة هذه الرّقابة، فليس من المستبعد طردها من طرف زوجها الغائب فشرف الجماعة قد أصبح على المحكّ.

إنّ قرار الاستقرار النّهائيّ في قسنطينة يعبُر بالهجرة من مرحلة المحافظة، كما عرّفها ب.أ. روزنتال P. A .Rosental، أين يقوم المهاجر بعودات متكرّرة محافظا بذلك على الرّوابط، إلى مرحلة القطيعة أين يدير المهاجر ظهره لمكانه الأصليّ ويحاول المساهمة في إعمار المكان المستقبِل. هذه الحالة أكثر انتشارا في الجماعات الأوراسيّة منها في الجماعات القبائليّة.

العيّنة

لدينا عيّنة من المهاجرين تتألّف من عائلات ترجع أصولها إلى دشرتين صغيرتين من الأوراس والقبائل، في منطقتين جبليّتين: تقع الأولى على بعد حوالي 50 كلم شمال مدينة بسكرة في مرتفعات الأوراس، في حين نجد الثّانية على بعد حوالي 60 كلم على الجنوب الغربي من مدينة بجاية. لقد حاولنا معرفة طريقة اندماجهم في الفضاء الحضريّ وذلك بحديثنا مع رجال ونساء هذه الجماعات ومحاولة إعادة بناء مسارهم العائليّ وكذلك تاريخ هجرتهم. يبدو من المهمّ طرح مسألة المحلّي في سياق الهجرة، فما الذي يبقى من هذا المحلّي لمّا يقرّر هؤلاء المهاجرون استثمار فضاء آخر، مختلف، بل وحتّى عدائيّ (مسألة الّلغة). بالنّسبة للمرأة، فإنّ الدّور الذي لعبته في سيرورة الإندماج يفسّر النّسبة العالية للنّساء في العيّنة: فهنّ يمثّلن 50% من مجموع الأشخاص المبحوثين.

الجزء الثاني : استراتيجيات الاندماج في مدينة قسنطينة

تتمّ مقاربة الفضاء الحضريّ هنا كوعاء حاضن للجماعات الاجتماعيّة واستراتيجيّاتها الاندماجيّة، أمّا تلك المتعلّقة باستقرارها فهي معرّفة ومحدّدة من خلال الاندماج في عالم العمل أوّلا، ثمّ من خلال إقامة شبكات التّجذّر في المدينة. هناك أيضا مسارات اندماج أخرى تستحقّ الدّراسة مثل نسج شبكات المصاهرة، فيما تنتمي الأسر المستهدفة إلى جماعات اجتماعيّة تحمل نماذج ثقافيّة تقع في المنتصف بين "الحضارة الجبليّة" و"الحضارة المدينيّة".

سمحت لنا هذه الدراسة، جزئيّا، بإعادة تشكيل السّياق الذي كان عاملا إيجابيّا لاستقبال الجماعات الأجنبيّة في المدينة: فمدينة قسنطينة كانت مكان استقبال حقيقيّ، نوع من التّربة الخصبة ثقافيّا، اجتماعيّا وأيضا (بالأخصّ) اقتصاديّا خلال زمن معيّن من تاريخها. يفسّر هذا المعطى جزئيّا اختيارها مقرّا للبقاء من طرف هذه الجماعات (التي كانت مضطرّة للمغادرة) مع كونها تقع على بعد مئات من الكيلومترات عن المنطقة الأصليّة.

الأدوات المستخدمة

شملت مقابلاتنا عشر عائلات من عرش "آث وغليس" وعرش "آث فراح"، وسنقوم هنا بعرض بعض النّتائج التي تتجاوز إطار هذه العائلات المبحوثة. ففي الواقع، ترتبط العائلات التي تمّ تحديدها بعلاقات قرابة بشكل أو بآخر وتاريخها الخاصّ مندمج غالبا مع تاريخ عائلات أخرى غير مدروسة بعدُ. بهذه الطّريقة برزت صياغة أوّليّة لإعادة تشكيل استراتيجيّاتها من أجل تعمير فضاء مدينة قسنطينة.

أمّا بالنّسبة للمجال التّاريخي لاستقرارها فهو طويل جدّا إذ استقرّت أولى العائلات (رقم 1) سنة 1917-1918، فيما الأكثر حداثة (رقم 7) استقرّت سنة 1965.

أخيرا، تدعّمت هذه الدّراسة أيضا باستغلال الوثائق التي خطّت تاريخ مدينة قسنطينة من خلال العنصر الإثنيّ.

تاريخ العائلات

تشير الأبحاث إلى أهميّة حجم السّكان القبائل المستقرّين بقسنطينة قُبيْل الفترة الاستعماريّة، إذ "كانوا يحتلّون المرتبة الثّانية من حيث الأهمية... ويشكّلون جزءا من سكّان المدينة غير المستقرّين" Benidir, p. 79)). ومع ذلك فقد استقرّت لبعض العائلات في حيّ "الطابية البرّانية" بالقرب من "القصبة". فكان للقبائل بناء خاص بهم خارج الأسوار التي دمّرها أحمد باي خلال الهجوم الفرنسي على المدينة وكانوا يحتكرون تجارة الزّيت ويشاركون في الكثير من الأعمال الحِرفيّة.

كان هؤلاء القبائل، على غرار الشّاويّة يعيشون قبل مجيء الاستعمار في أطراف المدينة. تتحدّث أعمال كلّ من Mercier، PagandوBenidir عن شغل ذو طابع إثني للفضاء الحضريّ، حيث كانوا مُبعدين إلى أبواب المدينة قبل تمكّنهم من الوصول إلى الأحياء المركزيّة. هذه المعلومات تدعم تلك التي تمّ جمعها في التّحقيق الميدانيّ من مبحوث أشار إلى الدّور الذي لعبه أحد أفراد المجموعة في استقرار عائلات أخرى) 4)، فهذا الشّخص كانت له مكانة مميّزة ترجع إلى وظيفته كمعلّم: إنّه يمثّل بطريقة ما نموذجا لشخص نبيل يضع سمعته في خدمة أهله.

بإمكاننا الحديث عن شغل تدريجي للأماكن المركزيّة وشبه المركزيّة للمدينة من طرف المهاجرين، فالزّمن كان كفيلا بوضع شروط الاندماج تبعا للوضع الاجتماعي للفرد ولجماعته على حدّ سواء.

المسار المهنيّ

يبدأ المسار المهنيّ دائما من طرف أحد الأقارب الأقدم استقرارا في المدينة. فقد كان أرباب العائلات القبائليّة المبحوثين عمّالا في شركة الكهرباء (l'ex-EGA) إلا فردا واحد كان معلّمًا. فالانتماء إلى هذه المؤسّسة يرجع إلى المهاجر الأوّل (1876) الذي أدخل فيما بعد العائلة) 2). هذه الأخيرة استقرّت أوّلا بسكيكدة وبناء على طلب مدير شركة الكهرباء، استقرّ الأقارب
 (من الأبناء الشّباب، أبناء العمّ والأصهار) بقسنطينة بعد فتح ما يشبه فرعا آخر في هذه المدينة. وهكذا أصبحت هذه الشّركة مؤسّسة لا غنى عنها لأفراد العائلات ( 1- 2 - 3 - 4) رغم أنّ كلّ الأشخاص الذين ولدوا قبل 1930 قد عملوا بشركة الكهرباء هذه.

لاحظنا أيضا أنّ حراكًا مهنيًّا قويًّا يرافق أحيانا التنقّل السّكني. لقد مارس أرباب العائلات 1)- 6 - 7 - 8) سلسلة من الحِرف قبل الاستقرار المهنيّ ويبدو أنّ أغلبية العائلات المبحوثة (1- 2 - 3 - 4 - 5 - 7 - 8) قد غيّرت إقامتها داخل المدينة.

كان استقرار هؤلاء الأفراد في المدينة، أوّلا وبشكل جزئيّ، بدافع المهنة المضمونة من طرف أحد الأقارب الأقدم هجرة. أمّا الآخرون ( 5 - 6 - 7) فقد انتقلوا عن طريق التّحويل الوظيفيّ mutation، أي حسب منطق يفلت من منطق التّضامن الجماعيّ. ومع ذلك فإنّ الحاجة إلى الانتماء للمجموعة تظهر مثلا عندما تبرز الحاجة إلى تأسيس شبكة قرابيّة عن طريق الزواج.

المسكن

يقوم أحد الأقارب أحيانا بإيجاد سكن للعائلة المهاجرة ويلعب دور الضّامن في بعض الحالات اتّجاه مالك المسكن، إذ يقيم الاثنان في نفس الحيّ. وهكذا في قسنطينة، سكن كلّ أفراد العائلات (1 – 2 – 3 - 4) في نفس الحيّ ولا يزال البعض منهم هناك. وبالإجمال فهم يقيمون في نفس الأماكن: في المدينة القديمة ( 4- 5) وفي الأحياء المحيطة.

عموما يتمّ احترام قاعدة التّضامن الجماعاتيّ من أجل استقرار العائلات الجديدة، وقد لوحظ ذلك بالخصوص في حالة العائلة (9) لدى هجرتها إلى قسنطينة. أمّا عندما يكون التّنقل في إطار التّحويلات المهنيّة فإنّ السّكن يكون مؤمّنا من طرف المؤسّسة المشغِّلة (5 - 6 - 7 - 9)، لكن كما بيّن ذلك ف. عادل (F. Adel) في دراسته حول علماء قسنطينة، فإنّ "حركيّة التّنقل السّكنيّ لم تكن بالضّرورة نتيجة الحراك الاجتماعيّ...".

كانت الهجرة في بدايتها خاصّة فقط بالرّجال الذين كانوا يسكنون غرفة واحدة بأحد الحمّامات العامّة ( 2 - 4 - 7 - 9)، وهذا في الواقع حلّ مؤقّت إذ أنّ مشروع الاستقرار النهائيّ هو الدّافع الأول للبحث عن سكن.

استقرت العائلات على عدّة مراحل لاضطرار أغلبيّتها إلى التّنقل عدّة مرّات. بعض العائلات تحصّلت على سكن، ضمن القطاع الخاصّ، بالقرب من مكان العمل (l'ex-EGA)، ولا زالت نفس هذه العائلات ( 2 - 3) تسكن اليوم في نفس الحيّ. بالنسبة للعائلة (4) فهي تسكن في منزل فرديّ في منطقة سكنيّة بعد مشاركتها للأخ غير الشّقيق في سكن اجتماعي (HLM)، والحصول على هذا المنزل كان بمساعدة نفس القريب. أمّا العائلة (1) فقد سكنت منزلا فرديّا بحي في الضّواحي علمًا أنّ تدخل أحد الأقارب كان ضروريّا للحصول عليه.

حصلت العائلات ( 5 - 6 - 7) على مساكنها في إطار العمل واستقرت بقسنطينة مع نهاية الخمسينات. بالنّسبة للمدرّس (5) فقد ترقّى إلى مدير مدرسة واستفاد من سكن وظيفيّ قبل حصوله على سكن اجتماعي (HLM)، والذي لا زال يسكنه حاليّا. لكن من المثير للاهتمام أنّه رغم السّكن قد تمّ في إطار وظيفته، إلاّ أنّ تدخّل أحد المسؤولين (عضو من جماعة " آث وغليس") كان حاسما للتّعجيل في الإجراءات.

تمّ الاستقرار بالمدينة إذن من خلال شبكة تضامنيّة من نسيج الوافدين الأوائل، وهذا ما حلّ غالبا إشكاليّة العمل والسّكن على حدّ سواء.

المصاهرة

هناك نوعان من المصاهرة: النّوع الأوّل يرتبط مباشرة بالوالدين اللّذين يجعلان منها مسألة شخصيّة، والثّاني يرتبط بالزّواج الذي يعقده الأولاد دون تدخّل الوالدين. في هذه الوضعيّة يمكن تمييز حالتين: الأولى لمّا تتحقّق المصاهرة داخل شبكة المعرفة الفرديّة التي تفلت بشكل كليّ من الوالدين، والثانية، وبشكل يدعو أكثر للتّعجّب، تتحقّق داخل المجال القرابيّ للمجموعتين.

تحافظ هذه العائلات على العلاقات بينها، خاصّة وأنّ الكثير منها تنتمي إلى نفس المجموعة القرابيّة. فقد شكّلت ما يشبه جماعة communauté على أساس تشابك قرابيّ تقع نقطة بدايته في المجتمع الأصليّ، وهي تحضّر الظّروف المناسبة من أجل زيادة حظوظ المصاهرة وذلك بالمحافظة على العلاقات الاجتماعيّة التي تسهّل الاتّصال بين الشّباب. حالة العائلة (5) توضّح هذه الاستراتيجيّة بما أنّه أربعة من خمس بنات تزوّجن رجالا من "آث وغليس".

يتميّز الجيل الأوّل من المهاجرين بالزّواج الدّاخليّ إذ أنّ جميعهم قد تزوّجوا من نساء ينتمين إلى مجموعتهم القرابيّة، بينما ظهر الزّواج الخارجيّ في الجيل الثانيّ. يكشف زواج المبحوث (3) عن هذه التّغيرات: تزوّج هذا المبحوث، المولود في قسنطينة، من فتاة مدينيّة في سنوات السّتينات. لقد تخوّفت الأسرة في البداية من هذا الزّواج، لكن تمّ تجاوز الصّعوبات بسرعة من طرف الأب (تلميذ الشّيخ عبد الحميد بن باديس) الذي اعتبر كلّ عرقلة للزّواج بين المسلمين فعلا غير مشروع. أمّا الجيل الشّاب فهو لا يجد حاليّا صعوبات لعقد المصاهرة خارج الجماعة. ورغم ذلك فمن المثير للاهتمام الإشارة إلى أنّ أولياء العائلات ( 1- 2 - 3 - 4 - 6 -7) قد تمكّنوا من عقد زواج واحد على الأقلّ داخل الجماعة.

خلاصة : حقيقة وجود استراتيجيّات فعليّة !

يمكن استنتاج خلاصتين كبيرتين: الإندماج بواسطة العمل ( 5 - - 6 7) وبواسطة شبكات التّضامن (1 - 2 - 3 - 4 - 8 - 9 - 10) التي تسهّل الحصول على المهنة والإقامة على حدّ سواء، فحلّ هذين المشكلتين الكبيرتين يتمّ من طرف الجماعة الأقدم استقرارا في المدينة حتّى لو كان الإيواء في البداية متعلّقا حصريّا بالرّجل، في حين تواصل المرأة والأطفال العيش مؤقّتا في الجبل، لكن مسار الاندماج بواسطة المهنة لا يفقد أهميّته إذ أنّ المهنة تسمح بتأمين الظّروف الدّنيا للاندماج في المدينة أو القدرة على البقاء في المدينة. وهكذا يمكن للفرد أن يعيش فردانيّته التي بحث عنها في وقت ما، فالحاجة إلى البعد عن الجماعة، والحاجة للتّحقق كفرد والازدهار يمكن التّعبير عنها بسهولة وتندرج ضمن استراتيجيّة يتمّ صياغتها بشكل واع (6).

يبقى فقط أنّ اللّجوء إلى الشّبكة أمر حتميّ من أجل تكوين جماعة اجتماعيّة لا تزال قائمة في الأساس على الانتماء إلى نفس المجموعة الإقليميّة. فالبحث عن هذه الجماعة هامّ جدّا لإنشاء مجال قرابيّ في الفضاء الحضريّ، ونوع من الفئات الاجتماعيّة في طور التّشكّل والتي يبقى قاسمها المشترك هو الانتماء إلى نفس المجموعة ومعرفة نفس المسار العائليّ، أو أنّها نوع من الطّبقة الاجتماعيّة التي لم يعد أساسها اقتصاديّا فحسب، وإنّما بات أكثر من ذلك اجتماعيّ.

يظهر هذا المنطق على وجه الخصوص من خلال المقابلة (5). إذ لم يكن تنقّلُ هذا الشّخص إلى قسنطينة في الواقع بقرار من جماعة الانتماء، وإنّما تمّ وفق منطق مهنيّ. لقد تابع هذا الفرد مسارًا أفلت كليّةً من الجماعة، فالحاجة لإعادة تشكيل هذه الجماعة اندرجت ضمن استراتيجيّات من أجل ضمان مستقبل الأولاد. هذا ما حدث فعلا بالنّسبة لجماعة
"آث وغليس": حيث كان إنشاء مجال قرابيّ داخل الجماعة الضّامن الحقيقيّ ضدّ الزّواج مع الأجانب الذي تجعله المدينة ليس فقط محتملاً بل أحيانًا حتميًّا. وعند وجود مثل هذه الاستراتيجيّة فإنّها تعطينا مثل هذه النّتائج كما تبيّن ذلك بوضوح الحالة (5).

يمكن للعائلة السّماح بالتّواصل في إطار الزّواج الدّاخليّ ويمكن للاختيار أن يتمّ أحيانا من طرف الأولاد الذين يفضّلون أيضًا الزّواج داخل الجماعة لأنّه عامل استقرار، "... هو فعل خاصّ بالجماعات الأقليّة من أجل البقاء..." (5). إنّ هذه العائلات تعرف بعضها البعض منذ القِدم وأبناء الدشرة يعودون دائما إلى دشرتهم.

تتحدّد حاليّا، معايير اندماج الفرد وتقوم على توافقات ثقافيّة، فكريّة، على الصّداقة، وهكذا يتمّ إنشاء عالم جديد لا تمتلك فيه العائلة دائمًا وزنًا معتبرًا، ولكن يجد فيه "الشّخص الثّالث" توازنه المنشود.

العائلات المبحوثة

العائلة (1) : م. ب.

ولد م. ب. بمنطقة القبائل سنة 1917. ولد الأب سنة 1897 والأمّ سنة 1898. استقرّت العائلة (الأمّ، الأب والإبن) بقسنطينة بين 1917-1918.

عمل الأب بشركة الكهرباء l'ex-EGA وكان من أوائل أفراد العائلة الذين وُظّفوا بالشركة.

يقع المنزل الأول للمبحوث بـ"الرّْصيف" (في المدينة العتيقة)، ويقع المنزل الثّاني في الحيّ الكولونياليّ Faubourg Lamy. سنة 1958 جرى التنقّل الثّالث إلى سكن ترقويّ بحيّ "التّوت" les Mûriers ولا يزال مقيما به إلى اليوم.

عمل م. ب. بشركة الكهرباء l'ex-EGA بين 1942-1943. وهو أب لطفلين وثلاث بنات ولم يتابع أياّ من أبنائه دراسات جامعيّة. فقد تزوّجوا جميعا من عرش "آث وغليس" كما أنّ عقد الزّواج كان يتمّ دائما من طرف الأبوين. الإبن الأصغر، المولود سنة 1955 يعمل حاليّا بشركة الكهرباء والغاز Sonelgaz.

العائلة (2) : م. أ.

ولد م. أ. سنة 1924 بمنطقة القبائل وحلّ بقسنطينة عام 1931 في سنّ السّابعة من عمره. سكن مع والده (المقيم من قبل بالمدينة) واثنان من أبناء عمومته في حمّام يقع بـ"القصبة" (المدينة العتيقة)، عمل والده بشركة الكهرباءl'ex-EGA في سكيكدة لمدة 15 عاما قبل المجيء إلى قسنطينة. بدأ م. أ. العمل في شركة الكهرباء في سنّ 18 من عمره (1942) كما أنّه زاول تعليمه إلى غاية المستوى المتوسط بقسنطينة، حصل والده على سكن اجتماعيّ (HLM) سنة 1945 بتدخّل من أحد أبناء منطقة القبائل.

لدى م. أ. ثلاثة أولاد وبنتان. باستثناء الإبن البكر غير المتزوّج فإنّ جميع أولاده تزوّجوا من منطقة القبائل بتدخّل من الوالدين. فقد تزوّجت ابنته الكبرى من ابن عمّها الذي يعيش في قسنطينة. وحده الإبن البكر من واصل الدراسات العليا، أمّا الإبن الأصغر فقد اتّبع مسارا مهنيّا بشركة الكهرباء والغاز Sonelgaz.

العائلة (3) : م. م.

ولد م. م. سنة 1943 بقسنطينة. والده من مواليد 1900 بمنطقة القبائل، ذهب إلى فرنسا وأدّى الخدمة العسكريّة سنة 1918. أتى إلى قسنطينة في سنوات 1920- 1925.

استقرت عائلته (زوجته، أولاده الأربعة وبناته الثّلاث) في منزل لأحد السّكّان بالقرب من شركة الكهرباء l'ex-EGA.

كان الانتقال الأول إلى منزل خاصّ آخر بالاشتراك مع عائلة هـ. أ. التي تقيم في الطابق الأرضي (الزّوجة بنت أخ الوالد، وهي أيضا بنت عمّ الأم)، أمّا السّاحة الخارجيّة فقد تمّ التّنازل عنها لأخ الأم.

آخر تنقّل سكنيّ تمّ سنة 1951، تاريخ ميلاد البنت الصّغرى، حيث استقروا في سكن اجتماعيّ (HLM) لا زال يقيم به الأخ الثّالث حاليّا.

اتّبع م. م. مسارا مهنيّا في التّعليم وتزوّج فتاة من المدينة كان قد تعرّف عليها من قبل. زوجته حاليّا متقاعدة في سلك التّعليم ولديهما بنتان وولد. أنهى الأبناء الدراسات العليا والعائلة حاليا مستقرّة بفرنسا.

تزوّج الإبن البكر والإبن الثالث من نساء قبائليّات من عرش "آث وغليس"، حيث تزوّج هذا الأخير من ابنة عمّه. وتزوّجت البنت الكبرى، وهي أمّيّة، من ابن عمّها. أمّا بالنّسبة للشّقيقة الوسطى التي تشتغل قابلة، فقد تزوّجت من قبائلي من منطقتها ولكنّه مستقرّ بسكيكدة. أمّا الأخت الصّغرى فقد تزوّجت برجل سكيكديّ. وتزوّج الأخ الأوسط (أستاذ في الرياضة) من فتاة من قسنطينة. وقد تدخّل الوالدين في زواج أولادهم كلّما كان مرتبطا بمنطقة القبائل.

اتّبع الأخ الأكبر والثّالث مسارا مهنيّا في السّكك الحديديّة. كما يشتغل إبن الأخ الأكبر، الذي له ثلاث إخوة آخرين، والإبن الوحيد للأخ الثّالث أيضًا بالسّكك الحديديّة.

العائلة (4) : م. س.

ولد م. س. سنة 1914 في منطقة القبائل وانتقل إلى قسنطينة سنة 1932. وهو الأخ غير الشّقيق للمبحوث (2) وقد تبنّاه زوج أمّه الذي آواه وتدبّر له منصب شغل بشركة الكهرباء l'ex-EGA.

بدأ م. س. العمل في الـ 18 من عمره. إذ تقاسم الغرفة مع أخيه غير الشّقيق وزوج أمّه وسكن في المنزل العائليّ (HLM) في الطّابق الأرضيّ مع زوجته، أمّه، وزوج أمّه وأخيه غير الشّقيق المتزوّج أيضا. تزوّج مرّة ثانية في 1943 وتنقّلت كلّ العائلة إلى مبنى آخر بالقرب من الإقامة الأولى أين سكن في الطّابق الثالث.

سنة 1957، اشترى م. س. منزلا فرديّا في حيّ سكنيّ أين أقام مع زوجته وأولاده بينما بقيت أمّه مع أخيه غير الشّقيق. انعدم الأمن في الحيّ مع [انتشار العمليّات الاجراميّة للمنظّمة الخاصّة] l'OAS، فعاد م. س. إلى منزل أخيه غير الشّقيق وترك منزله مؤقّتا لابن عمّ هذا الأخير.

أقامت العائلة نهائيّا في منزله بعد الاستقلال وهي تتكوّن من ستّة أولاد وستّ بنات. زاول الأبناء دراسات عليا وأغلبهم يعملون كإطارات.

تزوّج أربعة من الأولاد بناتا من قسنطينة تعرفوا عليهنّ، وتزوّج الأخوان الكبيران من نساء قبائليّات تمّ اختيارهنّ من طرف الوالدين، أمّا البنتان الكبيرتان فقد تزوّجتا من عرش "آث وغليس" واستقرّتا خارج مدينة قسنطينة.

تزوّجت البنت الثّالثة ابن إحدى العائلات من "آث وغليس" مقيمةٍ بقسنطينة، لكن هذا الزّواج الذي تمّ ترتيبه من طرف العائلتين معًا سرعان ما انتهى بالطّلاق. ثمّ تزوّجت هذه البنت للمرّة الثّانية من رجل من قسنطينة تعرّفت عليه، مثلما حدث ذلك مع البنت الرّابعة [أي تزوّجت من رجل تعرّفت عليه]. أمّا البنت الخامسة فقد تزوّجت من رجل قبائليّ من منطقة أخرى وكان هذا الزّواج مرتّبا من طرف الوالدين.

العائلة (5) : ب. س.

ولد ب. س. سنة 1926 بـ "شميني" (آث وغليس) ودرس بها سنة 1932. تحصّل على الشّهادة الابتدائية في سنّ الـ 14، أي في سنة 1939 أو 1940، وما بين سنوات 1943- 1944 تحصّل على شهادة زراعيّة في شعبة التّشجير.

في سنوات 1943-1944 عمل ب. س. بالجزائر العاصمة كنادل في مطعم وذلك بمساعدة من بعض سكّان "آث وغليس". حيث سكن مع أفراد آخرين بغرفة في "باب الواد"، ثمّ تزوّج سنة 1944. عاد بعد ذلك إلى ""شميني" أين درّس عام 1944 وعام 1948 و سكن في قرية "تيسيرة" (آث وغليس). لكن غلق المدرسة كان سببا في تحويله إلى بجاية سنة 1955 لذا كان يتنقّل بين "تيسيرة" وبجاية كل سبت ثم يعود من جديد يوم الاثنين. مع نهاية عام 1955 استقرّت العائلة ببجاية في فيلا لأحد أبناء العمومة. وفي سنة 1957 تمّ تعيينه بـ "المشتة الكبيرة" (مقاطعة قسنطينة) كمدير مدرسة لتلتحق به عائلته في نفس السّنة. ثمّ نُقل من جديد إلى "فرجيوة " في مارس 1959 ثمّ إلى "سمندو" سنة 1962.

عيّن ب. س. بين 1963-1964 كمستشار بيداغوجيّ وحصل على سكن وظيفيّ إلى غاية 1970، لينتقل بعدها إلى سكن جماعيّ بتسهيل من مدير ديوان التّرقية والتّسيير العقّاري (l'OPGI) الذي ينتمي إلى منطقة القبائل.

ثمّ تمّ تحويله من جديد إلى ميلة في 1980 بعيدا بستّين كيلومترا عن قسنطينة، ولكن العائلة بقيت بقسنطينة. وفي نهاية مساره المهنيّ تم ّتعيينه كمفتّش سنة 1986 وأحيل على التّقاعد سنة 1987.

(بالنسبة لزواج الأبناء، يمكن عرضه كما يلي)

التقى ب. س. بنتا جميلة شقراء من منطقة القبائل في مركز للامتحان، فقدّمها لولده البكر الذي تزوّجها. كانت عائلة هذه البنت من "آث وغليس" لكنّها مقيمة بقسنطينة.

تزوّجت البنت الكبرى من أحد أبناء عائلة من "آث وغليس" مقيمة بقسنطينة أيضا. كان هذا الزّواج من ترتيب الوالدين إذ أنّ أب الولد صديق لأب البنت.

تزوّج الإبن الأوسط من بنت من قالمة تعرّف عليها في الجامعة، لكنّه كان قد خطب من قبل إحدى بنات العمومة.

تزوّجت البنت الثّانية من أخ زوجة الإبن البكر.

تزوّجت البنت الثّالثة من ابن عائلة من "تيسيرة" (نفس قرية الوالدين) مستقرّة بقسنطينة، وتزوّج أحد أبناء العمّ من البنت الخامسة.

تزوّجت البنت الرّابعة من رجل قبائليّ من منطقة أخرى، وهو صديق للابن الأوسط كان يزور العائلة، في حين أنّ عائلته كانت تسكن في منطقة القبائل.

في الأخير تزوّج الإبن الأصغر من فتاة من "آث وغليس" استقرّ والداها بقسنطينة، فأمّهات الزّوجين قريبتان والآباء من الأصدقاء القدامى.

العائلة (6) : عائشة

ولدت عائشة سنة 1924 وتزوّجت سنة 1940 من ابن خالها. زُوّجَتْ من طرف والدها وجدّها بشرط أن تتبع زوجها الموجود بـ "تاحمامت" [سطيف]. في اليوم التّالي لحفل الزّفاف التحقت عائشة بزوجها رفقة حماتها، ومنذ ذلك اليوم بدأت فترة طويلة من الهجرة لمبحوثتنا دامت 21 عاما عادت خلالها إلى "آث فراح" مرّتين: سنة 1943 لمدّة عامين لإيجار أشجار الزيتون بـ" الوطاية" [بسكرة]، وفي سنة 1946 لمدّة شهرين أو ثلاثة.

ثمّ كانت الإقامة النهائيّة بقسنطينة سنة 1960 مع استقرار الزّوج في عمله.

ولد الزّوج سنة 1912 وهو منحدر من عائلة تمتلك نوعا من المعرفة: معرفة قرآنيّة، معرفة دينيّة، إذ كان شقيق جدّه رجل دين مشهور في منطقة الأوراس. تزوّج ثلاث مرّات قبل أن يختار عائشة. تعلّم عند الشّيخ طالب محمد في المدرسة القرآنيّة وبالمدرسة [الفرنسيّة] أين تحصّل بين 1926- 1928 على شهادة التّعليم الابتدائي. بين سنتي 1928 و1930 ذهب إلى قسنطينة والتحق بإحدى مدارس جمعية العلماء المسلمين. وبعد مزاولته بعض الدّروس ذهب إلى تبسّة عند الشّيخ العربي التّبسيّ الشّهير بتعليمه آنذاك. لكن في سنة 1934 تخلّى عن الدّراسة نظرا لضعف الحال...

يبدو أنّ اختيار قسنطينة كان بسبب توفّر مجموعة من الحِرف تميّز بها أهل "آث فراح" : الحمّامات والمخابز. ومن هنا بدأت مغامرة [زوج عائشة] في العمل: سنة 1935 حاول الاشتغال في التّجارة لكن سرعان ما تخلّى عنها لنقص الإمكانيّات. شرع بعدها في العمل العموميّ: سكرتير بـ"المعذر" (باتنة) سنة 1942، [عامل بالسّكك الحديديّة] سنة 1944، قرّر الذّهاب إلى "الكويف" على الحدود التّونسيّة للعمل كحارس بالسّجن. ثمّ سنة 1945 تمّ نقله إلى سجن "لامباز" كموظف ليطرد منه بعد ذلك، حاول خوض تجربة العمل في الفلاحة لكنّه فشل فشلاً ذريعًا... فقد تخاصم مع والده. وفي سنة 1947 رجع إلى بسكرة أين أقام حتى نهاية 1957، وهناك اشتغل في مهن صغيرة قبل عمله كمترجم وكسكرتير في البلديّة.

بدأ [زوج عائشة] بتحقيق الاستقرار لمّا شرع في بناء منزل وكذلك من خلال انخراطه في مجال الأعمال. لكن مع اضراب 1957 انهار كلّ شيء وتمّ نفيه من بسكرة. في عام 1958 أخذ عائلته وذهب إلى باتنة للعمل في مصلحة الماليّة إلى غاية 1960 تاريخ آخر تنقّل بالنّسبة له حيث استقرّ نهائيّا بقسنطينة. وفي هذه المدينة كانت عائلة عائشة تشغل سكنات للكراء وسكنات وظيفيّة بـ "سيدي مبروك"، وأخرى في مركز المدينة بفضل عمل ابنها في البلديّة. في سنة 1963 قرّر [زوج عائشة] شراء شقّة في حيّ "كدية عاتي" والتي لا زالت تسكنها العائلة.

لمبحوثتنا خمسة أولاد وبنتان زاولوا دراسات ثانويّة وجامعيّة، فكلهم تقريبا إطارات، وقد تزوّج الأبناء من نساء خارج الجماعة.

العائلة (7) : فاطمة

ولدت فاطمة سنة 1933 من عائلة متواضعة بقرية "آث فراح" وتزوّجت سنة 1949 من أخ زوج المبحوثة عائشة (6). عمل أب فاطمة في حمّام عموميّ ببسكرة إلى جانب عمله بقطعة أرض صغيرة تمتلكها العائلة. أمّا زوجها فقد عمل في مصنع بفرنسا قبل التحاقه بجبهة القتال عند اندلاع حرب التّحرير الوطنيّ. بقيت فاطمة بقريتها مع أولادها إلى غاية الاستقلال ولم يخاطر زوجها المجاهد بالمجيء إلى القرية سوى مرّة واحدة، سنة 1954 أو1955. لكن كانت هناك أيضا مساعدات والدها الذي كان يزورها دائما.

تنقلت العائلة ما بين 1962 إلى غاية 1964 كثيرا بين سكيكدة، عنابة وسوق أهراس بسبب عمل الزّوج في الجيش الوطنيّ الشّعبيّ (ANP). ثمّ كان الاستقرار النّهائي بقسنطينة سنة 1964 بالإقامة في سكن وظيفي بحيّ "سيدي مبروك"، ثم بحي "المنظر الجميل" (Bellevue)، في إقامة عسكريّة، قبل الاستفادة من سكن في حي 20 أوت 1955.

تزوّج زوج فاطمة مرّة ثانية سنة 1965، أماّ هي فقد عادت مرتين أو ثلاث مرات إلى بسكرة لزيارة عائلتها. لديهم ثمانية أبناء ذوي مستوى ثانوي وجامعي وقد تزوّج اثنان منهم من الأقارب.

العائلة (8) : حليمة

ولدت حليمة سنة 1933 بـ "آث فراح". زُوّجت في المرّة الأولى لابن عمها، لكنّها تطلّقت وأعادت الزّواج في سنّ 24. التحقت رفقة أختها بزوجها الذي كان يقيم في قسنطينة. فسكنوا في حيّ شعبيّ مدّة تسعة أشهر ثمّ غادروه للاستقرار في سكن بوسط المدينة.

الزّوج من مواليد 1922 بـ "آث فراح". يحسن القراءة والكتابة بالفرنسيّة والعربيّة معا. أدّى الخدمة العسكريّة ثمّ التحق بالجيش الفرنسيّ سنة 1942 لمدة أربع سنوات. سُرّح من الجيش سنة 1946 ليعاود الالتحاق به عام 1947 لمدة أربع سنوات في المعتمديّة العسكريّة بقسنطينة أين عَيّن كعريف سنة 1949. تمّ تجديد انخراطه لمدّة سنتين في 1950 وعيّن عريفا أوّلا سنة 1951. أعاد الانخراط من جديد لمدة سنتين في ماي 1952 ثمّ حوّل إلى ورقلة سنة 1958. انسحب من الجيش سنة 1959 وزاول بعضًا من الأعمال قبل أن يشتغل بمذبح قسنطينة.

لدى حليمة وزوجها ثمانية أطفال لم يتابعوا مسارا دراسيّا طويلا، وتجدر الإشارة إلى أنّ والدهم لم يشجّعهم على ذلك. لذا كانت تعمل حليمة كلّ ما في وسعها حتّى لا تتخلّى البنات عن الدراسة.

العائلة (9) : زهرة

ولدت زهرة سنة 1919 بقرية "آث فراح" وتزوّجت سنة 1932. كان زوجها أمّيّا ويعمل في تسيير الحمّامات بباتنة ثم بقسنطينة. ومن أجل تمدرس ابنيْهما أقاما لفترة بباتنة مع الذّهاب إلى الدوّار والعودة منه. قُتل الولدان أثناء حرب التّحرير الوطنيّ، ولمّا مُنع الزّوج من الإقامة في المنطقة، اضطرّ إلى الذّهاب إلى قسنطينة أين حشد جميع معارفه في القرية لجلب زوجته التي كانت مفطورة القلب من الحزن، ثمّ قاموا بكراء غرفة في المدينة القديمة لدى أولى العائلات المستقرّة بقسنطينة (1900).

تركت زهرة القرية في 1957-1958 نهائيّا في سنّ 38 وقامت بتربية ابني أختها غير الشّقيقة اللّذين تزوّجا فيما بعد من داخل الجماعة. تحصّلت عائلة زهرة على سكن للمنكوبين في المدينة القديمة ثمّ باعته واشترت مسكنا في حيّ 20 أوت 55 أقامت فيه مع ابن أختها وزوجها.

العائلة (10) : مباركة

ولدت مباركة سنة 1918 في قرية "آث فراح". والدها أيضا مسيّر لحمام عموميّ بقسنطينة، وهران وفي تونس، لذا كانت في عهدة جدّها وجدّتها لغياب والدها، تزوّجت مباركة ثلاث مرّات، كان الزّواج الأوّل مع ابن عمها، لكنّها "هربت" ثمّ تطلّقت. أعادت الزّواج سريعا في 1957-1958 مع رجل من القرية، وبعد أربع سنوات التحقت بزوجها بقسنطينة حيث كان يتعلّم صناعة الحلويّات. سكن الزّوجان في غرفة بمنزل تقليديّ بالمدينة علمًا أنّ مباركة لا تتحدّث سوى الشّاوية. تطلّقت مباركة وأعادت الزّواج مرّة ثالثة في قسنطينة من أحد أفراد جماعتها يحسن القراءة والكتابة بالفرنسيّة. انضمّ هذا الأخير إلى الجيش الفرنسيّ وأصبح حارس سجن. سكنوا في منزل بالمدينة القديمة بالاشتراك مع عائلات أخرى قامت بإدخال مباركة شيئا فشيئا للحياة الحضريّة، وفيما بعد قاموا بكراء منزل لدى أحد الخواصّ. عادت مباركة مرّتين أو ثلاث مرات إلى القرية.

بعد وفاة زوجها وجدت مباركة نفسها معوزّة، ومن أجل تربية أطفالها عملت عند أشخاص من قريتها، ثمّ تحصّلت بفضل شبكة معارفها على وظيفة كعاملة نظافة بجامعة قسنطينة. لقد ترك أولادها المدرسة ومن بين سبعة أبناء، اثنان فقط تزوّجا من خارج الجماعة.

بيبليوغرافيا

Adel, F. (1996). Réseaux de solidarité et identification à la ville de Constantine. Compte rendu de recherche, CRASC, Avril.

Adel, Kh. (1996). Stratégies féminines d’adaptation à la ville de Constantine. Cas des femmes de la communauté des Ah Frah de l’Aurès. Compte rendu de recherche, CRASC, Avril.

Benidir, F. (1989). La revalorisation d’un tissu urbain ancien : la médina de Constantine. Thèse de magister, Université de Constantine.

Bourdieu, P. et Sayad, A. (1964). Le déracinement. La crise de l’agriculture traditionnelle en Algérie. Paris : Minuit.

Messaci, N. (1990). L’habitat des Ath Waghlis. Chaos spatial ou ordre caché. Thèse de magister, Université de Constantine.

Pagand, B. (1988). La médina de Constantine. De la cité traditionnelle au centre d’agglomération contemporaine. Thèse de doctorat de 3ème cycle, Université de Poitier.

Rosental, P.-A. (1990). Maintien/Rupture: un nouveau couple pour l’analyse des migrations. Annales ESC, n°6, Nov.-déc.

Sayad, A. (1977). Les trois âges de l’émigration algérienne. Actes de la Recherche en Sciences Sociales, n°15.

Gribaudi, M. : Introduzione alla sessionne « Movimenti migratorie mobilttà sociale », dans SIDES, Disuguaglianze, stratificazione mobilità sociale nelle popolazioni italiane (dal sec. XIV agli inizi del seolo XX), Bologne.



ترجمة :

Text

PDF

العنوان

ص.ب 1955 المنور ، القطب التكنولوجي إيسطو - بئر الجير 31000 وهران، الجزائر

هاتف

95 06 62 41 213 +
03 07 62 41 213 +
05 07 62 41 213 +
1 1 07 62 41 213 +

فاكس

98 06 62 41 213 +
04 07 62 41 213 +

دعم تقني

اتصال