الإثنوغرافيا "الاستعمارية" شارل فيرو نموذجاً

الإثنوغرافيا "الاستعمارية" شارل فيرو نموذجاً

مقدّمة

في الدراسات الإثنوغرافية و الأنثروبولوجية المتعلّقة بأفريقيا الشمالية تحتلّ منطقة القبائل بقسميها المحافظ و المستعرب[1] مكانة أساسية، منذ الدراسة القيّمة و العميقة التي نشرها كلّ من هانوطو و لوتورنو بعنوان: "بلاد القبائل و التقاليد القبائلية" (1893)، التي أعقبتها أطروحة كامبردون هــاكون (Hacon Campredon) التي حلّلت الأعراف القبائلية (1921)، و كذا أعمال بوسكي (Bousquet) التي تناولت المسائل التي يطرحها تعارُض الإدارة القضائية الاستعمارية التي تطبِّق التشريعات الفرنسية مع الأعراف القبائلية (1950) كما لا ننسى أعمال مارسي (G. Marçais) المتميّزة التي خصّصها لتصحيح منهجية القانون البربري و بالتحديد في موضوع القانون العرفي البربري (1939)، و هي دراسات كلّها تعمل على تقديم أنجع السبل لرسْم سياسة تضمن ديمومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر على وجه الخصوص، و لعلّ الدراسة الوصفية (الإثنوغرافية) التي قام بها فيرو[2] (Ch. Féraud) عن منطقة القبائل الشرقية كانت من أولى الدراسات التي لفتت نظر الاستعمار الفرنسي إلى منطقة القبائل الشرقية.

كان فيرو أحد المترجمين العسكريين، و هو من أنشط المهتمّين بدراسة و تدوين عادات و تقاليد و فلكلور الجزائري، فقد أدرك أهمّية الدراسات الإثنوغرافية[3] في ترسيخ الاحتلال، لأنّ تلك الدراسات تمكّن من معرفة ذهنية الشعب و تكشف عن تناقضاته الاجتماعية (في مسائل الشرف و الأرض و الانتقام و حماية الإنسان والممتلكات...) و ذلك من شأنه أن يغني إدارة الاحتلال عن كثير من "المتاعب" بل و حتّى الخسائر التي تنجرّ عن الاعتماد الكلّي على القوّة العسكرية، و لذلك كانت الدراسات الإثنوغرافية و لا تزال أهمّ العـناصر التي تُبنى عليها القرارات و الإجراءات الاستعمارية، و في هذا السياق اعتبر الباحثون الإثنوغرافيون أنّ مجتمع الشمال الأفريقي تحكمه منظومتان قانونيتان إحداهما تقليدية عرقية شفوية و هي امتداد لنظم ما قبل الإسلام و منها تستمدّ الجماعة تشريعاتها، و الأخرى إسلامية يعمل بها الفقهاء و الطُّلْبة[4]، و كان هانوطو و لوتورنو[5] و ماسكوراي و كذا فيرو من أبرز روّاد هذه الدراسات و قد أدركوا قبل غيرهم ما لهذه الدراسات من أهمّية و لفتوا نظر قادة الاحتلال الفرنسي إلى أهمّيتـها، و لذلـك وظّف لها هـؤلاء أبـرز الكفاءات، و واظبوا على إدخالها إلى "غرف العمليات" فكانت تنظَّم لها أيام دراسية يُدعى إليها ضبّاط الاحتلال و إداريوه لاستيعاب أيّ دراسة جديدة تصل إلى مصالحهم، و بذلك يمكنهم متى أرادوا توظيف ما تحمله من معلومات في إثارة الفتنة و التحريض و تكريس عوامل التفرقة... و ضرب أيّ قوّة طليعية وطنية من داخل الشعب ذاته بشتّى الوسائل و في هذا السياق قام فيرو الذي كان يرافق الحملة الفرنسية على قبيلة بني خطّاب الشرقية[6] (جوان 1860) بإنجاز هذه الدراسة التي نقدّمها في هذه المداخلة كنموذج للدراسات الإثنوغرافية التي تركّز على العناصر التي يمكن توظيفها من قبل إدارة الاحتلال بدءا من التعريف بالمنطقة جغرافيا إلى السكّان و أعرافهم و خصوصياتهم الاجتماعية و الأسرية[7].

1. بدايات التعرُّف على منطقة القبائل الشرقية

كتب فيرو في ما يتعلّق بهذا الجانب :"... إنّ سكّان القبايل الشرقية (Kabylie Orientale) [8] لا يختلفون عن سكّان جرجرة، لقد كانوا جميعا ولفترات طويلة متمرّدين على جميع السلطات الحاكمة، و قد احتفظوا بأعراف و تقاليد على درجة كبيرة من الأهمّية لنا(أي لإدارة الاحتلال الفرنسي) للتعرّف عليها و دراستها، و كان الضابط هانوطو (Lieutenant-Colonel Hanoteau) سبّاقا إلى الاهتمام بالموضوع فقد نشر دراسة قيّمة بعنوان ميثاق قبايلي (Charte Kabyle) عن سكّان جرجرة"[9].

كان اكتشاف و ثيقة كتابية في القبائل الشرقية شبيهة نوعا ما بالوثيقة التي نشرها السيّد هانوطو حافزا للبحث عن تفاصيل جديدة في الموضوع، "... و كان أن حصلنا (يقول فيرو) على الوثائق التي أشرنا إليها و على إيضاحات هامّة حولها جمعناها من هنا و هناك و نرى أنّها ذات قيمة تستدعي نشرها، و على الخصوص ما يتعلّق بالأعراف فهي تعبّر عن تقاليد أصيلة يبدو بعضها بدائيا، و لكن يمكن استخلاص أنماط تفكير و ذهنية هذا الشعب البدائي منها[10]" قبل الاحتلال الفرنسي كانت قبائل بلاد القبايل الشرقية[11] المتحصّنة في جبالها، تعيش في فوضى عارمة، و كلّ قبيلة مستقلّة عن الأخرى و لا تخضع إلاّ لجماعتها، و الجماعة هي "هيئة" مكوَّنة من الكبار و من الأعيان الأثرياء و من ذوي المقامات بل و حتّى من الذين يتمتّعون بقوّة جسدية، و كانت تبعيّة هذه القبائل لبايات قسنطينة اسمية في الواقع، فلم تكن لأولئك البايات القوّة التي يمكن أن يسيطروا بها على تلك البلاد الجبلية[12]، و في هذه العزلة و الاستقلالية التي عاشت في ظلّها هذا القبائل قرونا متتالية ظهر قانون عرفي مستمدّ أكثر من تقاليد هذا الشعب البربري القديمة، لأنّ بعض تفاصيله لا يقرّها القرآن"[13].

2. بعض الملاحظات الدينية

يواصل فيرو حديثه في هذا الجانب قائلا :"... قبايل هذا الجهة مسلمون و لكن إسلامهم شكـلي، فهم يقبلون من القرآن ما يوافق مصالحهم أو ما يثير نزعة التطيُّر عندهم، و لكن العادات و الأعراف التي تلقَّوها من أسلافهم يمكن أن تلغي النصّ القرآني، فمثلا يحدث أن يأمر قاضٍ أو طالب بتطبيق نصّ الشريعة الإسلامية و يرفع عقيرته بذلك و لكن لا أحد يعيره اهتماما فالجماعة تحكم بموجب العادة (العُرف) و من هنا جاء المثل السائر عند هؤلاء القبايل:"عَنْد لَقْبايَل القاضي يحكَم و لكن لَجْماعة تبطل حكمه"[14].

"... إذا كان عند قبايلي قضية يريد تسويتها مع جاره فإنّه يذهب إلى طالب[15] يكون قد وصل إلى القبيلة حديثا و يترجّاه أن يحرّر له قائمة شهود -يمليها هو عليه- يعلنون بأنّه هو المالك الشرعي و الوحيد للعقار محلّ الخلاف، و إذا رفض الطالب فإنّ ذلك الشخص يغيب عنه أياما ثمّ يعود إليه و لكن هذه المرّة يأتيه و معه سلاح و ينذر الطالب قائلا له: ها هي خمسة باسيطة (Bacetta) ثمنا لورقك (في يد) و ها هي خمس رصاصات أضعها في بندقيتي و في بنادق أبنائي و سنفرغها فيك إذا لم تنفّذ ما أطلبه منك (في اليد الأخرى) "[16].

" يواصل فيرو"... لا ريب أنّ الطالب يتمسّك بالرفض و لكن كما أكّد لي الأعيان أنّه من تلك اللحظة ينبغي له أن يتهيّأ للرحيل نحو قبيلة أخرى للإقامة فيها بأمان ، و الحال أنّ الرواية الشفوية تتحدّث عن مرابط مستنير في زمن بعيد، اسمه سيدي حسن من بني ورثيلان، و هي قبيلة مركزها غربي سطيف، كان صمّم على تجديد المجتمع القبايلي و أن يحطّم هذه العادات بالقوّة لتهذيب السلوك في هذه القبائل و حيث أنّ المهمّة كانت صعبة و طويلة فإنّ الموت لم يمهله ليكمل جهده الحضاري و منذئذ لم تقم محاولة مثيلة لمحاولة سيدي حسن الورثيلاني. "[17]

3. بعض الخصائص الحضارية واللغوية و الاقتصادية

يذكر فيرو في هذا الشأن أنّه "... لا توجد لدى سكّان القبائل الشرقية تلك القرى الكبيرة المكتظّة - مثل ما هو موجود لدى كنفدرالية زواوة أو لدى قبايل وادي الساحل و بوسلاّم و البابور– حيث البيوت اللصيقة ببعضها ذات الطلاء الأبيض و المغطّاة بالقرميد، و ذلك دليل على شيء من التحضُّر و الرفاهية التي هي ثمرة العمل و الاحتفاظ بشيء من الصناعة الحرفية، فمن السفح الشرقي للبابور إلى ما وراء سكيكدة شرقا لا نرى عموما سوى أكواخ (Cahutes) بائسة من أغصان الأشجار و الطين بسقوف من نبات الديس أو الفلين، و فيها يتساكن الإنسان و الحيوان[18] و لا يستثنى من ذلك سوى قلّة قليلة من بعض الموسرين.

و ضمن هذه الحدود ذاتها تتغيّر لهجة التخاطب أيضا، فهؤلاء و على الخصوص الأشخاص دون الأربعين لا يستعملون لغتهم القبايلية بل و لا يفهمونها بحيث و جدنا (يقول فيرو) أنّ لغة التخاطب عندهم هي خليط من عربية مهشَّمة (Corrompu Arabe) و مفردات بربرية و كلمات

و حروف مقلوبة و مصحَّفة، و لفهم لغتهم بالنسبة لمن يجيد عربية أفريقيا الشمالية لا بدّ من التحادث معهم و الاستماع إلى الأحاديث المتبادلة بينهم أياما معدودة و بعدها يكتشف التصحيف و القلب في الحروف الشبيه بالترميز (Code)، فمثلا: حرف الكاف ينطَق مثل الشين الانكليزية (Ch) فكلمة عندك، و هي في عربية أفريقيا الشمالية تعني احذر، تُنطَق عند هؤلاء :عندَتْشْ (ândetch).

تقلَب فتحة الحرف الأول من الفعل الماضي إلى كسرة ممدودة، مثال: دَرت تصبح ديرت، زدت تصبح زيدت الخ... .

للمذكّر و المؤنّث صيغة واحدة، مثال: روح انتَ (اذهب أنت)، تُقال للمؤنّث و المذكّر، غير أنّ الملفت للانتباه هو استمرار حرف الجرّ اللاتيني: دي، مثال: العين دي بوموش[19] معناه نبع بوموش، لَجْبل دي ولاد عستشر، معناه جبل أولاد عسكر.

إنّ قبايل هذه الجهة مثلهم مثل إخوانهم زواوة، تجبرهم قلّة الثروة في بلادهم الجبلية على الهجرة في كلّ موسم إلى السهول العليا[20] للعمل في الحصاد و القطف كعمّال يدويين موسميين، و عندما ينوي الواحد منهم مغادرة جباله الغابية متوجّها إلى المناطق الواسعة في الداخل، عليه أن يؤدّي زيارة نذرية إلى ضريح كبير مرابطي قبيلته، يطلب منه العناية و أنّه إن عاد سليما معافى سيقدّم له قربانا، فمثلا أفراد قبيلة زواغة و أولاد عسكر يتوجّهون إلى مرابطهم سيدي و شناق الذي يوجد مزاره في قمّة الجبل ما بين فجّ الاربعاء و فجّ فدولس، و ها هو نصّ الدعاء الذي يتوجّه به هؤلاء إلى هذا المرابط (كما كتبه أحد الطلْبة) :

آ سيدي وشناق[21].

أنا ماشي للقبلة في حْمَاك .

إدا رجعت على خير وعافية .

نعطيك الوعدة .

ح ا خبيزة دي بومعراف[22].

وحَ الشميعة وزوج صوردي دَ الجاوي.

4. الحملة الفرنسية على قبيلة بني خطّاب الشرقية

سجّل فيرو في هذا الموضوع ليس كمؤرّخ فحسب ولكنّه كشاهد عيان أنّه "... في 15 جوان 1860، توغّلت الحملة (الفرنسية) على القبائل الشرقية و وصلت إلى قلب إقليم قبيلة بني خطّاب التي كانت المحرّك الرئيسي لـ "التمرّد" الذي وقع في الجهة، و قد أقامت الحملة معسكرها في أعلى جبل تافرطاس (Tafortas) الذي يعلو 1251م. و في 19 جوان زحف رتل(Colonne) خفيف يتكوَّن من عدّة فرق للاستكشاف نحو سيدي معروف حيث كان "المتمرّدون" قد انسحبوا و معهم أسرهم و قطعانهم[23].

سيدي معروف منطقة جبلية صخرية جافّة ذات التواءات وعرة المسالك و قمم صخرية مسنّنة غريبة الشكل ممّا جعل الجيش (الفرنسي) يطلق عليها اسم قرون الشيطان (Cornes de diable)، و هي متصلة من جميع الجهات بمنحدرات و جروف عميقة تغوص في مجرى واد حايا (Oued Haïa) و هو أحد روافد الوادي الكبير (الرمال الأدنى)، و هذه القمم تبدو معزولة عن محيطها لولا ممرّ(Col) صخري ضيّق يربطها بجبل بوطويل الذي تمثّل قمّة تافرطاس أعلى قممه.

في الجهة الغربية أسفل سفح صخري تتجمّع باقة من الأشجار ترتوي من نبع مجاور لها، كأنّها واحة، يتوسّطها كوخ (قوربي[24] (Gourbi)) يضمّ ضريح المرابط سيدي معروف[25] الذي يحظى بالاحترام و لذلك سمّي الجبل باسمه.

عند وصول الحملة الفرنسية هناك وجدَتِ القوربي الذي يضمّ قبر المرابط سيدي معروف لا يزال محاطا بعدد من الآنية و الصحون و الكؤوس وكلّها من الفخار و هو دليل على"زردة"[26] حديثة العهد حيث اجتمعت القبائل و تمّ أخذ قرار الهجوم على مركز حراسة الغابة الواقع قرب بني مسلم و نهْبه، و كان يتولّى مهامّه كلّ من السيّدين بوك (Bocq) و دولاكروا (Delacroix).

يواصل فيرو: ...في الجهة المقابلة للقوربي باتجاه الممرّ الجبلي الصخري المذكور توجد مغارات طبيعية كان يقيم بها المتمرّدون و لكن غادروها قبل وصول الحملة بقليل، و قد دخلها دليلنا و وجد فيها عددا من الآنية الفخارية مليئة بالسمن و قراب مليئة بالكسكس و في أحد الأركان اكتشف أحد جنود الفرقة الزواوية[27] (Zouaves) عددا من قصب البوص حُفظت بداخله أوراق تَبيّن بعد فحْصها أنّها على العموم غير ذات أهمّية لأنّها عبارة عن تسجيل بسيط متعلّق بمعاملات السكّان(اقتراض بذور، قوائم شهود...)، غير أنّ المهمّ هو الوثيقة التي وجدتُها ضمن هذه الأوراق و التي تحتوي على النصّ الآتي أدناه[28]:

الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمّد و آله و صحبه و سلّم، أمّا بعد فقد حضر بين أيدينا جماعة اولاد بارش[29] جملة كبير و صغير و اتفقوا على :

  • من ضرب على مالهم فيعطون ديّته على المصباح[30].
  • كذلك من ضرب على النيف على زوجته و زوجة ابن عمّه .
  • كذلك من ضرب على الضيف إذا كان صاحب معلوم .
  • و من ضرب على البحيرة و الحما و الوسيق[31] و غير دلك من النيف و قتل أو جرح أحدا من ما دكر فيعطون ديّته على المصباح.
  • من ضرب على مصلحة الجماعة من بلاد ارتغمت أو دخمت[32] و قتل أو جرح كدلك يعطون ديّته على المصباح.
  • إذا مات أحد من الجماعة و أراد وليّه أن يقتل و قتل أحدا من الجماعة فيسدّ في المقتول.
  • إذا قتل أحد من الجماعة خاين النهار تعطى ديّته على المصباح، و المعطية[33] يعطيها القاتل وحده فقط، و أمّا في الليل على المصباح جميع ما يعطون فيه.
  • إذا انسرقت سريقة من الجماعة و دارت الجماعة و قرّعوا لمن يفزع و امتنع فخسارته ريال، و كذلك من مشى مع وليّ المقتول و أكل شيء من الفاني فلا رجوع له عليه و السلام
  • الشهود الحاضرون : علي بن سليمان، المرابط أحمد بن بوعزيز، أحمد بن سعد ... و جمع كثير .
  • الكاتب / أحمد بن بلقاسم بولبصير تاب الله عليه ءامين[34].

5. معلومات إثنوغرافية عن الزواج و تكوين الأسرة

و قد استقى فيرو هذه المعلومات من روايات شفوية قدّمها له الأعيان، يقول : قبل تأسيس الدائرة القضائية الفرنسية أي قبل تعيين قضاة لدى هذه القبائل كان القبايل يعقدون القران حسب عادات و تقاليد أسلافهم، و كان الزواج يتمّ بطريقتين هما زواج الجدي و زواج المعطية :

أ. زواج الجدي و هو القيام بذبح جدي رمزا لترسيخ الشروط التي أقرّتها العائلات[35] و يلتزم العريس بدفع مهر لوالد عروسه قدره ما بين 70 إلى 90 باسيطا (175 إلى 225 فرنك 1860) و حيث أنّه كثيرا ما يكون هذا المبلغ غير متوفّر فإنّه يعتمد على أصدقائه، و الحال أنّه في اليوم المحدّد للعرس يأتي كلّ الأصدقاء مع زوجاتهم و أبنائهم و كلّ واحد يحمل معه ما استطاع من هدايا للعريس الجديد، و تدقّ الطبول و تعزف موسيقى الزرنة و البعض من حملة البنادق يطلق عدّة طلقات و هم يرقصون و يقفزون و تتعالى الأصوات بعبارة : خلّي البارود يتكلّم!.

إذا لم يكن للعريس الجديد بيت يأتي الأصدقاء أيضا لمساعدته، بعضهم يقطع الأغصان و بعضهم الآخر يعدّ الطين و القشّ لصناعة الطوب، و يأتي البعض الآخر بنبات الديس(Stipa tenacissima) و ألواح من الفلين لتسقيف البيت الجديد .

نعود إلى تقاليد الزواج عند هؤلاء الجبليين و على الخصوص الشروط القاسية لزواج الجدي المفروض على المرأة أن تقبل به، و نضيف ما تلقّيناه من معلومات عن تقاليد هذا الزواج لدى كلّ من قبيلتي بني توفوت و بني فرقان و قبائل أخرى.

في حال رفْض طلب الزواج من فتاة لسبب ما، فإنّ على عائلتها منذ إعلانها عن رفضها تزويج ابنتها أن تكون دائمة اليقظة، مواظبة على حراسة محيط منزلها لمنع المحاولات التي يمكن أن يقوم بها "الخطيب العاشق" لأنّ هذا الأخير لا يكفّ عن مراقبة المنزل و معه أصدقاؤه المقرَّبون، و إذا تمكّن – في غفلة من أهل الفتاة- من ذبح الجدي الذي يرمز دمه كما ذكرنا أعلاه للروابط الزوجية، على عتبة منزل الفتاة، فإنّها ستكون بقوّة العرف من نصيبه[36].

من خلال تقاليد زواج الجدي تكون الزوجة ليس فقط ملكا لزوجها طيلة حياته بل تصبح بعد موته جزءا من الإرث فتصبح ملكا للورثة و في هذه الظروف تحدث وقائع من الجدير عرضها، فما إن يلفظ الزوج آخر أنفاسه و يموت حتّى يتبارى الورثة كلّ يريد أن تكون الأرملة من نصيبه و في الأخير يفوز بها أول من دثِّرها بحايك أو ببرنوس و بذلك تصبح من نصيبه و لا أحد يمكنه الاعتراض من شركائه في الإرث، و إذا كان للأرملة أبناء فإنّهم ينشأون في منزل السيّد الجديد للأرملة الذي يدير الثروة التي تركها والدهم إلى أن يدركوا سنّ البلوغ[37].

ب. زواج المعطية عندما ترتكب عملية قتل تحكم الجماعة على الجاني بدفع الدية التي تقدّر بأكثر من ألف فرنك وإذا لم يتمكّن الجاني من جمع المبلغ المطلوب و هو ما يحدث في الغالب، يتمّ اللجوء إلى حلّ آخر هو تقديم إحدى بنات عائلته و معها خمسون باسيطا تسمّى حقّ الكفن أي كفن الميّت.

سجّل فيرو بأنّ حالات الخيانة الزوجية نادرة في القبائل الشرقية لأنّه في أدنى الشكوك في خيانة الزوجة يقوم الزوج بقطع رأس زوجته دون خوف من أيّ متابعة، و ليس المقصود هنا المتابعة القضائية، لأنّ هذه الأخيرة غير متوفّرة بل المقصود هو الجماعة التي تعتبر القتل حكما كافيا في مقابل عدم مطالبة الزوج أيضا بالمهر الذي كان قد دفعه.

إذا وُعد شابّ بالزواج من فتاة معيّنة و لكن الطمع استبدّ بوالد تلك الفتاة و يوشك أن يجعله يخلف وعْده و ذلك بتزويج ابنته من آخر، فإنّ الشابّ يشعر بالهوان و كذا جميع عائلته تشعر بطعنة عميقة في كرامتها ولذلك يجرّد الجميع أسلحتهم و تقع مواجهة شرسة قد تمتدّ على سنوات، تتوقّف ثم تستمر حتّى يتمّ التراجع من هذا الطرف أو التخلّي من قبل الطرف الآخر، على المرأة محلّ النزاع. إذا كان الزوج مستاءً من زوجته أو أنّها أصيبت بعاهة أو عجز[38] فله الحقّ في التخلّي عنها بإرسالها إلى ذويها مطالبا باسترداد المال الذي دفعه مهرا لها، وللزوج الحقّ دائما في الاحتفاظ بحضانة أبنائه في حالة الطلاق .

" في الماضي، يقول عدد من الشيوخ القبايل ؛ كنّا مستقلّين وكلّ واحد سيّد نفسه، كان الشجاع لا يخشى من أحد، يقتل عدوه دون رحمة، و لم تكن حياة الإنسان أكثر قيمة من ذبابة !.

إنّ أكبر إهانة و أفظع عقوبة يمكن أن تلحق بقبايلي هي حرق منزله ليس لأنّ المنزل ذو قيمة هامّة و لكن لأنّه المكان الذي يحفظ كرامته و فيه تكوّنت مشاعره و عواطفه، و في هذا الشعب "المتأخّر" الذي ليس لاندفاعه حدّ، كثيرا ما تكون هذه الإهانة سببا في ارتكاب انتقام بشع، و إذا تعرّف صاحب المنزل المحروق على الجاني فإنّه يقوم بتقديم شكواه إلى الجماعة، و هذه الأخيرة تأمر فورا بإنزال أقصى العقوبة على الجاني، و إذا كان الجاني من قبيلة أخرى تتجنّد قبيلة الضحية و تحمل السلاح لشنّ الحرب على قبيلته (أي على قبيلة الجاني طبعا)، أمّا إذا كان من نفس قبيلة الضحية فإنّ الجماعة تتنقّل إلى منزله فتأمر بإحراقه و تحويله إلى رماد و الاستيلاء على مواشيه كلّها فتُذبَح لإعداد الوليمة للجماعة.

نادرا ما يقْدِم القبايلي على بيع بستانه أو أرضه بل يفضّل رهنها و ينتظر حتّى تمرّ الضائقة المالية التي حاقت به ثمّ يدفع المال لاسترداد أرضه[39].

و جدنا (يقول فيرو) عند بعض قبائل الجهة مثل القبائل المجاورة للبابور و فرجيوة عادات أخرى مثل التجوّل بالعروس و هي تمتطي بغلة رفقة رجال مسلَّحين من الأهل و الأصهار و الأصدقاء المدعوّين و بين حين و آخر ترتفع الأصوات بالزغاريد و طلقات البارود، و على كلّ صاحب منزل يمرّ به موكب العرس أن يقدّم غربالا مملوءا بالفول أو الجوز أو التين المجفّف هدية للعروس، فتأخذ العروس منه ملء يدها، تقبّله ثمّ تعيده إلى الغربال و في الأخير تعبَّأ هذه الكمّيات المُهداة في أكياس تحملها امرأة عجوز تتلقّى الهبات لتجهيز منزل العريس[40].

عندما يصل الموكب إلى نهاية جولته تنزل العروس ثمّ تحيط بها نساء يقمن بوضع يدها داخل إناء مملوء بالسمن السائل، و يعطينها عددا من البيض تقوم بكسرها على رأس البغلة التي نقلتها بين أذنيها، وقد تبيّن لي أنّ هذه التفاصيل على درجة من الأهمّية في الدراسة الإثنوغرافية لهذا الشعب البربري مع أنّ بعض هذه التقاليد اختفت الآن تماما (1860).

دون الحاجة إلى إقامة مقاربة عميقة ما بين هذا التقاليد و المعتقدات الوثنية نكتفي بالإشارة إلى ما ذكره بلين (Pline, Histoire Naturelle) عن الممارسات السحرية في عصره حيث أشار إلى أنّ الساحرات إذا أردن إلحاق أذى بشخص يقمن بكتابة اسمه على قشور البيض، و ذلك شبيه بما أشار إليه بعض الباحثين المحدثين من أنّ كسر البيض و إفراغه من محتواه يقصَد به إبعاد الأذى السحري.

عندما تضع العروس قدمها في الأرض للدخول إلى منزلها الزوجي يقدَّم لها الحليب و اللبن و الـماء، ثمّ ملء يد من القمح و من الشعير و من الملح و عليها أن تذروه يمينا و شمالا فوق منكبيها لإنزال البركة و الخير في العائلة التي انتقلت إليها، و يقترب العريس بدوره و يطلق طلقة بارود على رأس عروسه ليسكن الخوف قلب عروسه فلا تعصي له أمرا.

ينبغي الإقرار، رغم حالة القهر المسلَّطة على المرأة، بأنّ هؤلاء الجبليين ليسوا مجرَّدين من مشاعر الحبّ الحقيقي و يمكن تقديم أمثلة واقعية في الموضوع و لكن في دراسات أخرى.

بعد القيام بالطقوس المذكورة أعلاه و هي دليل على ذهنــية التطيُّر المتحكّمة في هؤلاء السكّان، تدخل العروس إلى الغرفة و تتخطّى بقدمها الأيمن العتبة فيقوم العريس بحملها بين ذراعيه إلى الداخل و يبقى الأهل و المدعوّون ينتظرون في الخارج، و على العريس بعد أن ينال وطره أن يعلن عن ذلك بطلقة بارود من بندقيته فيفهم الجميع مغزى هذه الإشارة و تتعالى الأصوات بالغناء و الزغاريد و تزداد طلقات البارود و ترقص النساء بقميص العروس المخضّب بدم البكارة ثمّ تظهر العروس بنفسها وسط النساء و تشاركهن في الرقص و القميص بين يديها، و يأتي دور الرجال فيرقصون أيضا و يستمر الحفل على ذلك المنوال[41].

و في الأخير يرى فيرو أنّه من الأهمّية تسجيل بعض الأغاني التي تؤدّى في مثل هذه المناسبات و هي أغاني تحكي قصّة غرامية قصيرة أو حادثا مهمّا تعبّر حسب قوله "بسذاجة" عن خصوصية هذا الشعب :

غناء العروسة

أما مشيت يا رجلي وخلّفت من غَبّـار...... جابوها احبابي دَالبيزان[42] دي[43] عقّار

سلامنا على مول الــــــــدار ..... احباب لالّة يلهطوا[44] بالنـــــار

سلامنا على الوثــــــــول[45] ..... احباب لالّه الكَلّ فحـــــــول

سلامنا على باب الحـــــــوش .... احباب لالّة رافدين الكبّـــــوس

شعّلوا المصباح و الزيت م البـطّة[46] ...... احباب لالّة لابسين الفطّــــة[47]

شعّلوا المصباح نشوف الحــــالة ...... احباب لالّة د الدهب شعّالـــــة

لالّه لعروسة بنت الــــــدوادي ... خلّينا بوها يبكي و ينـــــــادي

يا لالّه لعروسة يا حنيشة التـــريق ...... امّ لعيون اكحل و الحاجب رقيـــق

قول لامّ لعريس تجبد ما خــــبّات ...... تجبد لخلاخل للعروسة اللي جــات

قول لامّ لعريس تجبد ما خــــبّات ..... تجبد لبزايم للعروسة اللي جـــات

قول لامّ لعريس تجبد ما خــــبّات ..... تجبد لمحارم للعروسة اللي جــات

إنشاد حربي

بني توفوت و السوكية[48] اقواو بالمراسلية

اقواو بالمراسلية قالو قومو على لبلاد

اطربو[49] البولدون[50] يا اسيادي اليوم و صل لجهاد

مشّاط و السوكية من سينات غارت لـــيّ

من سينات[51] غارت ليّ وانايا قطعت القوت

آيّاو نزرّدو للنسورة بالخيل دي بني توفوت

نغنّي على الحنّاشي[52]

 كيف التركي فْ لَمْحلّة[53] ماشي

هُوَ دْ لفحل علّْ لعراش بيه نعمّر احبارة

هاداك اليوم على مرجاجة[54] والبارود د العجاجة

البارود د العجاجة والطياح كيف الريش

اللي خوّاف يا رجّالة من الدار ما يجيش

يا داك النهار ف لقصر والبارود يقيّل يطرب

يا خوتي لا باو إفرّو فيها شيانت الشبّان

عبد الله د الصيد ومحمّد دْ بلّهْوان[55]

خاتمة

منذ بداية الفترة الاستعمارية انتظمت البحوث الاستشراقية و الإثنوغرافية و التقارير الوصفية المتعلّقة بأفريقيا الشمالية في ثنائية متعارضة تقسم السكّان حسب معيار القوالب الجاهزة و تضعهم في تناقض مطلق، و هذا الحكم يحمل على وضع تقسيم صارم للعمل العلم؛ بحيث جُعلت الإثنوغرافيا مجالا للبحث في الأعراف الاجتماعية لأنّها مرادفة للرواية الشفوية، التي تحتفظ في نظرهم بمخزون بدْعي و حتّى سحري وبدائي، يعود إلى الفترة السابقة للإسلام في حين جُعلت الدراسات الاستشراقية مجالا لدراسة الشريعة (الإسلامية) و خاصّة قانون الأحوال الشخصية المستمدّ منها مع أنّ الأعراف لدى الجميع: محافظون ومستعربون- ظلّت بربرية، فهيئة الجماعة (تاجماعت أو آيذوذ) و سلطاتها و تشريعها تقوم على العرف الذي ظلّ قائما و لا يزال إلى الآن في كلّ جهات أفريقيا الشمالية.

على صعيد الوقائع، سيقيم المستعمر - الذي يستند على هذه المعرفة الإثنوغرافية و الاستشراقية- في الجزائر و المغرب، على الخصوص، منظومتين متميّزتين في الإدارة القضائية؛ الأولى في مجال الأحوال الشخصية يعيَّن لها قاضٍ حسب الشريعة الإسلامية، أمّا المنظومة الأخرى فيعيَّن لها قاضي الصلح (Juge de paix) للنظر والحكم في المسائل بموجب العادات والأعراف البربرية المقنّنة لهذا الغرض.

و على الصعيد المعرفي، فإنّ هذا الازدواج بين التراث البربري القديم من جهة و الشريعة الإسلامية من جهة أخرى يقترن بمقولات الأنثروبولوجيا القانونية بحيث أنّ التقاءهما يمكّن حسب هؤلاء من ترسيخ و استمرار التمييز بين القانون الإسلامي (الشريعة) و العرف البربري و بالتالي بين القانون الجزائي (الإسلامي) من جهة و القانون الجزائي الذي تقرّه هيئة الجماعة (تاجماعت البربرية) من جهة أخرى، و لذلك نلاحظ أنّ أوّل ما اتّجه إليه فيرو هو الوضع الأمني في المنطقة، و كيف كانت علاقات المنطقة بالبايات في قسنطينة، و كذا الأعراف التي تحكم هؤلاء الجبليين كما يسمّيهم، وفي هذا السياق يشيد بالدراسة الرائدة التي أنجزها هانوطو عن زواوة، و في إشارته إلى حالة التمرُّد كأنّه يحذّر من طرف خفيّ سلطات الاحتلال الفرنسي، و يلفت الانتباه إلى أهمّية "الجماعة" التي هي وحدها المتحكّمة في حياة هذا الشعب الذي لم يتردّد في وصفه بالبدائي.

يقرّر فيرو إذن، بأنّ العرف أقوى من الدين عند هؤلاء الجبليين وأنّ الجماعة وهي تحكم بموجب العرف - الذي هو امتداد للتراث البربري السابق للإسلام - أقوى من « الطُّلبة » الذين يمثّلون شريعة الإسلام، و حتّى الأشخاص لا يحتكمون – في نظره - إلى النصّ القرآني بقدر احتكامهم إلى العرف بل إلى القوّة لإرغام الطالب على تنفيذ الأوامر و إلاّ ناله الأذى و هو هنا يلفت الانتباه إلى أهمّية دراسة العرف المحلّي، و قدّم الوثيقة التي عثر عليها كمثال، و لقد كانت هذه الدراسة و مثيلاتها من بين العوامل التي جعلت قيادة الشؤون الأهلية في الحكومة الفرنسية تعتني بتكوين و ترسيم جماعات العرش بقرار مشائخي في كلّ دوّار و قبيلة في عموم الجزائر و الهدف كان دائما هو امتلاك آليات التحكّم في شعب محتلّ حديثا، بمعرفة نعراته و عناصر الإثارة المتحكّمة فيه و كذا عوامل التضامن والتنافر بين أفراده لضربه ببعضه البعض متى دعت الظروف إلى ذلك.

و لعلّ الطريف في هذه الدراسة هو هذه المعلومات المتعلّقة بتقاليد الزواج و الأسرة عموما إذا صحّ فعلا ما سجّله في هذا الجانب مع ما في ذلك من بعض المبالغة في تصوير وضع المرأة على الخصوص، لأنّ أيّ شعب عاش وضع هذه المنطقة - الذي هو وضع الجزائر كلّها - ستتردّى أوضاعه، فهو شعب بلا مدرسة و بلا تعليم أجيالا عديدة أي أنّه بلا نخبة مستنيرة قرونا طويلة وجاء الاستعمار ليضاعف معاناته و لذلك آل وضعه إلى ذلك المآلCRASC Insaniyat - دفاتر إنسانيات



الهوامش

* مقال سبق نشره في مجلة إنسانيات العدد 28، أفريل-جوان، 2005.

[1] تمتدّ المنطقة القبائلية من ضواحي الجزائر العاصمة غربا إلى ضواحي سكيكدة شرقا، و ينقسم سكّانها إلى مستعربين و محافظين أي الذين لايزالون يستعملون إحدى لهجات اللغة الأمازيغية، و تعتبَر جبال بابور حدّا فاصلا بين القبائل المستعربين و القبائل المحافظين. 

[2] فيرو، شارل، (1829-1888)، بدأ مساره المهني في الجزائر كمترجم و عمره لا يتجاوز 19 سنة، و كانت كفاءته محلّ اعتبار، ضابط سنة 1873، تولّى منصب رئيس الجمعية التاريخية الجزائرية العام 1876، ثمّ قنصلا عامّا لفرنسا في طرابلس العام 1877، و في العام 1882 عيِّن قائدا لجوقة الشرف فوزيرا مفوَّضا لفرنسا في المغرب العام 1884، هذا الضابط "المكتشف" كرّس حياته للتنقيب في تاريخ أفريقيا الشمالية و تدوينه بروح تملأها الإرادة و معرفة عميقة بالوسط الأهلي، أهمّ آثاره: تاريخ بجاية - تاريخ القالة و الحوليات الطرابلسية.

[3] الإثنوغرافيا هي علم وصف الشعوب و تركّز على التقاليد و العادات و الأعراف و الفلكلور و المعتقدات.

[4] Mahé, A. (1996), Entre le religieux, le juridique et le politique : l’éthique. Réflexions sur la nature du rigorisme moral promu et sanctionné par les assemblées villageoises de Grande Kabylie, Paris, Anthropologie et Sociétés, vol. 20, 2, p. 85.

[5] Voir, Hanoteau, A., et Letourneux, A. (1893), La Kabylie et les coutumes kabyles, Paris, Challamel, 3 vol.

[6] أنظر موقع القبيلة في الخريطة المرفقة.

[7] Voir, Mahé, A. (1994), Anthropologie historique de la Grande Kabylie XIXe - XXe siècles : histoire du lien social dans les communautés villageoises, Thèse de doctorat de l’EHESS, 3. Vol.

[8] المقصود بالقبايل الشرقية في هذا الدراسة هو المنطقة الممتدّة من سفوح البابور الشرقية إلى ضواحي سكيكدة، و يشار إليها في الدراسات الجغرافية بعبارة قبائل القلّ (Kabylie de Collo)و سكّانها من البربر المستعربين المتميّزين بلهجتهم بين سائر سكّان أفريقيا الشمالية، و يبدو من دراسة ألسُنية(linguistique) أنّ لهجة كتامة (قبائل الحدرة قبل استعرابهم) كانت وسطا بين أمازيغية جبل أوراس وأمازيغية زواوة.

[9] Féraud, Ch. (1862), « Mœurs et coutumes Kabyles », in Revue Africaine, VI, p. 272.

[10] Ibid,. p. 276-277.

[11] لقد كتبنا قبايل بالياء في مقابلKabyles، و كتبنا قبائـل بالهمزة في مقابل Tribus.و كان مصطلح قبائل الدالّ على الإقليم و سكّانه قد استعمل منذ تمركّز الإدارة الإقليمية الأموية و العبّاسية في القيروان حيث كان يُشار إلى المناطق الجبلية من سكيكدة إلى الجزائر (العاصمة) باسم بلاد القبائل البربرية و حيث أنّ الاسم طويل كما نرى فقد اختُصِر مع الأيام إلى بلاد القبايل، غير أنّنا نرى أنّ التسمية أقدم فمنذ الفترة الرومانية كان يُشار إلى سكّان هذه الجبال باسم تحالُف القبائل الخمس (Quinquegentiani) و هي القبائل التي قاومت الاحتلال الروماني في عهد الإمبراطور ديوكليتيانوس، كما يُلاحَظ كذلك أنّ رسم اسم قبايل في الفرنسية سيتطوّر منKabiles إلى Kabyles في وقت لاحق.

[12] حاول عصمان باي فرض السيطرة على هؤلاء الجبليين فسيَّر إليهم حملة، و لكنها انهزمت شرّ هزيمة في الوادي الكبير. و كان العقاب الوحيد الذي استطاع البايات تسليطه عليهم هو القبض على العناصر التي تأتي منهم إلى قسنطينة أو إلى جهات السهول العليا للعمل و إبقائهم كرهائن بل وإعدامهم أحيانا انتقاما ممّا ارتكبه إخوانهم، عن حملة عصمان باي الملقّب بالاعور، أنظر :

Féraud, Ch. (1862), « Zebouchi et Osman Bey », in Revue Africaine, VI, p. 120-127.

[13] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 272-273

[14] Ibid. p. 273.

[15] الطالب في الأساس هو معلّم القرآن و هو الذي يتولّى في الغالب تحرير مختلف العقود و الاتفاقيات التي تقرّها الجماعة.

[16] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 273.

[17] Ibid. p. 273.

[18] لعلّ المقصود بالتساكن هنا هو الظرف الخاصّ الذي مرّ به السكّان خلال عمليات المقاومة لأنّ المعروف عن المسكن التقليدي لدى فقراء الريف القبائلي أنّه مسكن أرضي يتكوّن من قسمين بينهما حاجز هما :

- أقنس Agnes للطهي و النوم، و لعل هذه الكلمة مشتقّة من الكلمة اللاتينية Igneus التي تعني: مشتعل، ملتهب أي الموقد.

- ادّاينين (Eddaïnin) خاصّ بالحيوانات و هي الماعز في الغالب و الكلمة أمازيغية معناها: أسفل.

[19] بوموشّ بتشديد الشين و تفخيمها، كلمة بربرية تعني: صاحب القطّ، و قد احتفظت الذاكرة الشعبية لدى هؤلاء القبايل المستعربين بالاسم البربري لهذا الحيوان (آموشّ) كما هو في أمازيغية جبل أوراس و خصّوا به القطّ البرّي أي السنّور، أمّا اسم القطّ في لهجة زواوة فهو آمشيش الذي هو في الواقع تصغير للاسم الأول: موش (Moche).

[20] يقصد بالسهول العليا البلاد من " الصرا إلى السباخ " .

[21] يوجد مزار هذا الولي في أعلى قمّة الجبل المطلّ على قرية تسالة الحالية، إلى الشمال من فجّ امزالة .

[22] " بومعراف" هي خبزة صغيرة من الشعير.

[23] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 275.

[24] بربري من آقوربي و يعني الكوخ.

[25] ليس في أسطورة المرابط سيدي معروف شيء من الخوارق- و لعلّ الطابع الشفوي محا من الذاكرة كراماته- سوى أنّه قدم من بغداد،كما يروي السكّان أنّ أصواتا كأصوات المدافع تخرج من ضريحه تنبئ بوقوع حوادث غير عادية مثلما حدث عندما غزا عصمان باي المنطقة (1804).

[26] المقصود بالزردة هو تجمُّع احتفالي - كما هو عند باقي سكّان أفريقيا الشمالية- حول ضريح مرابط مبجَّل و بعد المداولة يتّخذ قرار بشأن قضية هامّة جدّا في حياة القبيلة و يشترك الجميع في تناول الطعام لتدعيم الروابط، و بعد ذلك يقسم الجميع بذكرى المرابط

و بـ "الطعام و الملح" بالوفاء في تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه، بشأن الدفاع عن شرف القبيلة و حقوقها، كما يمكن أن تقام زردة للصلح بين قبيلتين متخاصمتين... إلخ.

[27] الفرق الزواوية هي فرق مساعدة بلباس أهل زواوة.

[28] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 277.

[29] احتمالا، بارش هو تحريف لاسم امبارك، حُذفت الميم في الأول و قُلب الكاف شينا، و هذه الوثيقة المختصرة تتعلّق بقانون أقرّته جماعة أولاد بارش و هي فرقة من قبيلة بني عيشة، أنظر موقع إقليمها في الخريطة المرْفقة .

[30] المصباح هنا يعني البيت أو العائلة و تقابلها في الفرنسية كلمة (Foyer) .

[31] الوسيق عند القبايل هو كلّ ما يمكن نقله من إنتاج الأرض مثل الحبوب و الفواكه .

[32] عندما عدنا إلى النصّ الفرنسي و جدنا أنّ فيرو استعمل في مقابل كلمة ارتغمت : اغتصبت (Empiéter) و في مقابل كلمة دخمت: حُرقت (Incendier)، و المرجّح أنّ الكلمتين من اللغة البربرية لأنّنا لم نجد لهما معنى في اللغة العربية.

[33] في لغة اولاد بارش المعطية هي مصاريف الوليمة (الضيفة) التي تقام على شرف الجماعة عند مداولاتها .

[34] كتبنا النصّ كما هو في أصله دون تعديل أو تصحيح في القواعد النحوية و الصرفية للحفاظ على قيمته التاريخية، أنظر:

Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 275-278.

[35] لم يحتفظ السكّان بأيّ شيء عن أصل زواج الجدي سوى أنّه يعود إلى تاريخ قديم جدّا، و لعلّه يعود إلى معتقدات و ثنية منذ الفترة النوميدية، مع أنّنا لا نتوفّر على وسائل أو عناصر البحث في هذا الموضوع، و نلفت عناية الباحثين إلى ضرورة السير بالأعمال البحثية في هذا السياق، و كان قد عُثر على نصّ أثري في فدولس يسجّل اسم القبيلة البربرية الكبرى كتامة التي تفرّعت منها قبائل القبايل الشرقية (les tribus de la Kabylie orientale) و توجد آثار مهمّة في هضبة العروسة في إقليم بني فتح، كما توجد آثار رومانية في إقليم كلّ من قبيلتي بني خطّاب و بني حبيبي، و كذا قبيلة بني مسلم ...، و في إقليم قبيلة أولاد علي توجد آثار في المكان المسمّى مْدينة دي بوتو، و في إقليم بني توفوت توجد آثار هامّة في الموقع المسمّى العارطة دي الصدمة، و غير بعيد عن طريق القلّ – سكيكدة ذُكر وجود نصُب ميغاليثية و هذه المواقع كلّها ينبغي أن تكون محلّ بحوث أثرية.

[36] Marçais, G. (1939), « Le problème du droit coutumier berbère », in La France méditerranéenne et africaine, fasc 1, p. 7-18.

[37] Ibid, p. 280- 281.

لا ندري ما مدى صحة هذه المعلومات التقريرية التي يسوقها فيرو، و لعلّه لم يفهم حرص المجتمع على حماية المرأة التي فقدت زوجها و التكفّل بالأطفال اليتامى، إذ لا شيء يمكن أن يحمي الأرملة مثل الزواج و تبعا لذلك يعيش أبناؤها في كنفها، و قد فلتت من فيرو عبارة :" و إذا كان للأرملة أبناء فإنّهم ينشأون في منزل (...) الذي يدير الثروة التي تركها والدهم إلى أن يدركوا سنّ البلوغ " و هذا دليل على أنّ الهدف الذي رسمه المجتمع ليس التنافس البهيمي على الظفر بالزواج من الأرملة بقدر ما هو ضمان الحماية لها و لأبنائها .

[38] في القبائل الشرقية تقوم المرأة بأعمال شاقّة كثيرة مثل جلب الماء و الحطب و الحصاد و الجني و تساعد في قلب الأرض و لذلك ما إن تصل الثلاثين من عمرها حتّى تكون قد اهتلكت و أدركتها الشيخوخة، حسب فيرو و لكن لا ندري ما مدى صحّة ملاحظته هذه

[39] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 283.

[40] نرى أنّ هذه العادة حسنة للغاية و هي تعبير عن تضامن قوي و على أنّ السكّان كانوا يعيشون في وئام و محبّة متبادلة لا كما صوّرهم الكاتب في البداية بأنّهم مجموعات قبلية متنافرة متناحرة.

[41]Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 429-430.

[42] دا البيزان تركيب عربي بربري : دا، أداة التعريف البربرية، البيزان جمع باز بصيغة بربرية و هو الطير المعروف، و النصّ الغنائي هنا يشبّه أهل العروس بالبزاة إشارة إلى الرفعة و علوّ الهمّة .

[43] دي حرف جرّ للتملّك (لاتيني) .

[44] يلهّطوا، بربري: يعني يبحثون بلهفة عن شيء.

[45] أوثول، بربري : و هو الأرنب .

[46] البطّة في لغة القبائل هي الجرّة التي تُخزّن فيها الزيت .

[47] الفطّة، الفضّة النطق البربري لحرف الظاء حسب لهجة كتامة البربرية .

[48] السوكية : إحدى العشائر .

[49] اطربو أي أضربوا، قلبت الضاد طاء كما هو في لهجة كتامة البربرية.

[50] البولدون من البربري أبولدون وهو الرصاص.

[51] سينات مكان ما بين قبيلتي بني مشاط وبني توفوت.

[52] الحنّاشي من أولاد حنّاش، فرقة من أولاد عيدون المتمركزين على ضفاف الوادي الكبير.

[53] المحلّة: حملة عسكرية تركية لجمع الضرائب.

[54] مرجاجة اسم جبل و قبيلة (أنظر موقعها في الخريطة).

[55] Féraud, Ch. « Mœurs et coutumes Kabyles », p. 432-434.

Text

PDF

العنوان

ص.ب 1955 المنور ، القطب التكنولوجي إيسطو - بئر الجير 31000 وهران، الجزائر

هاتف

95 06 62 41 213 +
03 07 62 41 213 +
05 07 62 41 213 +
1 1 07 62 41 213 +

فاكس

98 06 62 41 213 +
04 07 62 41 213 +

دعم تقني

اتصال