الحداثة، المواطنة و الحقل الفقهي : عناصر من أجل مقاربة إشكالية

الحداثة، المواطنة و الحقل الفقهي : عناصر من أجل مقاربة إشكالية

"الحقيقة الفلسفية لا تنفصل عن القيمة، و القيمة لا تَتَرسَخ في النفس إلاَ بالحرية، فإذا آمنا بالحقيقة و القيمة و الحرية فقد مَلَكْنا الطريق إلى تحقيق الإنسان"

محمد بديع الكسم

(تكريما له في خطاب المغادرة دون رجعة)

المقدمة

تشكلت الحداثة و المواطنة (كمفاهيم، و كأبعاد حضارية) في الفضاء الغربي في رحم حركة ذات طابع مزدوج :

1- حركة أفكار تنظيرية ذات مسار (من النهضة إلى عصر الأنوار) تنشد الاستقلالية (في أبعادها المختلفة).

2- حركة اجتماعية و سياسية حملت على عاتقها تحويل هذه الأفكار الجديدة إلى أفق التحقق في الواقع الاجتماعي و الحضاري الغربي.

في حين أن الحداثة و المواطنة في فضائنا الحضاري العربي الإسلامي يجدان نفسيهما حتى الآن و كأنما المركب الغريب عنه و الدخيلة عليه.

فما العوائق ؟

بدون شك يمكن رصد هذه العوائق في الصيرورة التاريخية لمختلف البنى -الكلية والجزئية - للمجتمعات العربية الإسلامية الحديثة إلا أننا سوف نهتم، في هذا المقال، بأحد أوجه هذه العوائق، المتمثل في البنى الذهنية الفكرية المنتجة للفكر العربي الإسلامي الحديث، وبالتحديد تلك البنى الذهنية و الفكرية المتعلقة بالحقل المعرفي الفقهي.[1]

1. المواطنة، الحداثة : التحديد و الانتماء

.1.1 التحديد

كلمة المواطنة، هي ترجمة لكلمة Citoyenneté باللغة الفرنسية، و تدل حسب Le Petit Larousse: "أن الفرد له صفة المواطن" و في نفس القاموس يحدد المواطن بأربعة معاني، نذكر منها:

1- في القديم: هو الشخص الذي يتمتع بحق الانتماء للحاضرة.

2- عضو دولة: و هو بهذه الصفة له حقوق و واجبات مَدَنِية و سياسية.

3- في إطار الثورة الفرنسية، صفة تعوض السيد و السيدة[2].

لقد أسست الحَاضِرة اليونانية القديمة دلالة المواطن وفق مشروطية ما اسميه المساهمة و الفعل، فالمساهمة متعلقة بدفع الضريبة من أجل تسيير الشؤون العمومية للحاضرة، أما الفعل فيتعلق بحق المساهم في النظر و النقد لتسيير الشؤون العمومية للحاضرة و واجب الالتزام بقوانين الحاضرة، و بالنتيجة من لا يحق له المساهمة المالية يمتنع أن يكون مواطنا، فالمواطنة اليونانية من حيث هي جامعة للمجتمع الفاعل (بالدلالة التي حددناها) فهي في ذات اللحظة مانعة للمجتمع المنفعل (وفق الثقافة السياسية المهيمنة في الحاضرة آنذاك).

تَـنْزَلِقُ الدلالة الحديثة للمواطنة في اتجاه التعميم، فهي تتجاوز حدود منطق الإنسان المنفعل. إن كل إنسان، من حيث هو حيوان عاقل، لن يكون إلا فاعِلاً، المسألة تتعلق بمأسسة الشروط التي ينبغي أن تتوفر ليكون كذلك، فالتنوير (بالمفهوم الكانطي للاصطلاح) هو مـؤسس للإنسان الفاعل لأنه يقطع الصلة مع كل انفعال، كل سلبية، كل خضوع مقابل وهم لا يأتي، فكل فعل لدى الفاعل هو "وجود بالقوة"، توفير الشروط على مستوى الفرد و كذا على مستوى الكلية المجتمعية يؤدي إلى تحوله إلى "وجود بالفعل".

فالمواطنة بهذا المعنى هي امتلاك صفة المواطن المساهم، المتمتع، من حيث هو كذلك، بمجموع الحقوق المدنية ضمن مجتمع سياسي، فهي هيكليا ذات طابع قانوني تؤسس للفرد الحر المستقل العضو في الدولة (الدولة بالدلالة الحديثة)، لكن و بحكم طابعها الديناميكي (التعليل في سياق لاحق)، لم تبق في حدود المنطق القانوني، بل تجاوزته لتتخذ أبعادا حيوية سياسية، ثقافية، اجتماعية، إيديولوجية و رمزية...

إنها و ارتباطا بهذه الحيوية تدل على انتماء، مكانة و تمتع في فضاء الحريات، باختصار أنها تعبر عن ولادة الفرد الحر، المستقل و بدون تمييز. إنها منتوج تاريخي غير مكتمل الإنجاز (وفق تصورات هبرماس) فهو في سيرورة التحقق يجد نفسه في ديمومة التحول.

أما كلمة الحداثة La modernité، فتثير جدلا سجاليا قاتلا لها، و خلطا مثيرا بينها و بين مفهومي الحديث و التحديث، في حين أنها تختلف جوهريا[3] فهي "ليست مفهوما سوسيولوجيا، و ليست مفهوما سياسيا، و ليست مفهوما تاريخيا خالصا...ليست مفهوما إجرائيا للتحليل، ليس هناك قوانين الحداثة، مميزات الحداثة...بل هناك منطق الحداثة، إيديولوجية الحداثة، إنها نمـط حضاري متميز، منطق يتعارض مع منطق الأنماط الثقافية التقليدية السابقة عليه[4] فمنطق الحداثة يحمل الأبعاد الموضوعية و الكونية، و إيديولوجية الحداثة تحمل الأبعاد الذاتية، أبعاد المعنى و التي تنزع إلى الهيمنة.[5]

1.2 الانتماء

يمكن رصد الحداثة و المواطنة، من حيث هما حصيلة متجددة لسيرورة تاريخية طويلة، وفق المحددات التاريخية التالية:

أولها: مرحلة ما قبل الفكر السياسي، إنها تمثل مرحلة المجتمعات اللاهوتية الباهرة كما يصنفها غوريفيتش،[6] إن مقولة ما قبل الفكر السياسي تعني لدينا أن محددات الفكر السياسي و أطره السوسيولوجية و بنياته الداخلية و عملياته الذهنية المنتجة له مرتبطة عضويا بالمنظومة الفكرية اللاهوتية–الماورائية فهي التي تؤطر كل ما هو سياسي (تنظيرا و ممارسة)، تغذيه و تباركه باحتفالية أو تمنعه و تحرمه بجزر و إكراه.

ثانيها: مرحلة الفكر السياسي، التي تبدأ بتأسيس الحقل الذي يُمكِّن، في الآفاق اللاحقة، بعلمنة الفكر السياسي من خلال تحقيق استقلاليته عن حقل اللاهوت في الفترة اليونانية و الرومانية (بالتحديد قبل تبني روما للدين المسيحي)، إنها المرحلة التي ازدهرت فيها الفلسفة السياسية... و ظهور البذور الأولى المبكرة لفلسفة الحق (جمهورية أفلاطون و قوانينه، أخلاق نيكوماخ و السياسة الآرسطيين....) الـمُعَلْمَنَة.

ثالثها: مرحلة علمنة السياسي المؤسساتي (أقصد الدولة)، لقد تحققت في العصر الحديث، بتلوينات و تمايزات مختلفة، في الفضاء الغربي. ارتكز الغرب الحديث -وفق هذا التحليل- على مكاسب المراحل السابقة كتراكم تاريخي ملائم لصياغة تدريجية لتنظيم سياسي اجتماعي نوعي و متميز عن أنماط التنظيمات المجتمعية السابقة عليه، بل لنقل لقد تمكن الغرب بعبقرية نادرة تاريخيا أن يدخل إلى عالم الحداثة السياسية. إن فهم هذا التراكم، آلياته و كذا الوقوف على منطقه الداخلي المتحكم فيه يمكننا من المسك بأحد أدوات إنارة المسلك، أو المسالك الممكنة التي تؤدي بنا إلى تملك الحداثة الرحم "الشرعي" للمواطنة.

ستصاغ الحداثة، من خلال تثمين المكاسب المتراكمة السابقة، فَتُبَنْيِنُ (بضم التاء و تسكين النون) الفضاء المجتمعي الغربي و تشكل بالنتيجة ثقافة سياسية جديدة يتحدد منطقها الداخلي (أقصد الحداثة) ارتكازا على أُسَّيْن اثنين أحدهما يغذي الآخر و يتغذى منه، الأس الفلسفي العام أولا: مؤطر من خلال الدور المتميز للعقل في علاقته بالكون، نظرة جديدة للزمان، وجود طبيعة لـها قـوانينها الخاصة و حرية الإنسان، و أس فلسفة الحق ثانيا: من حيث أن مصدر الحق لن يتأتى إلا من إرادة البشر و تجاوز الرؤى المعتقدة أن مصدره هو النظام الإلهي، أو هو انعكاس للنظام الطبيعي[7] .

في خضم الصراعات الاجتماعية السياسية في العصر الحديث، تم تدريجيا شرعنة الحقوق الإنـسانية الحديثة، و في قلبها النابض مجموع الحريات الإنسانية بدون استثناء. إن هذه الحريات هي الـمُشَكِّلة لعصب المواطنة النامي، و هي في ذات الوقت الرحم الحي للحداثة، نسغ يغديها و نسيج يشملها.

فمنطق الحداثة يسبح داخل فضاء متنوع، متعدد الأبعاد، ذو بنى مختلفة. متباينة، تتداخل فيما بينها ضمن تمفصل ملائم، متناغم و متجدد. إنه (أقصد الفضاء) يحرك المجتمع في ديناميكية لا مثيل لها في اتجاه العالمية والأبعاد الإنسانية، إن منطق الحداثة، يفرض نفسه على الأبعاد الكونية بصفة موضوعية، أدركنا ذلك أم لم ندْرك، رغبنا في ذلك أو لم نرغب، أزعجنا ذلك أو لم يزعج، إنه يتجاوز موضوعيا الحدود و بالتالي الفضاء الذي أنتجها، و هو بهذا يؤسس لرحم المواطنة المتفتقة دوما و المتفتحة على العالمية باستمرار.

ففي اللحظة التي تتشكل المواطنة في النسيج الاجتماعي و المؤسساتي تجد نفسها مندرجة في مسار تحولها إلى "مؤسسة" فعالة و منتجة تنسج خيوط المؤسسات الاجتماعية لتؤول هي كذلك إلى فضاء الحداثة، و لِتَتَبِنْيِن وفق منطقها الداخلي، فالحداثة هي بمثابة فعل قلب الأرض (أقصد الأرض الاجتماعية) من أجل انبثاق المواطنة.

فلا يمكن لفعل الزرع إلا أن يكون مشروطا مسبقا بفعل قلب الأرض. و في الفضاء الحـضاري العربي الإسلامي، فعل قلب الأرض لم يتم بعد -رغم المحاولات الجادة التي أقيمت هنا و هناك منذ عهد النهضة– بل كَمْ هو عسير تحقيق ذلك تاريخيا، ذلك لأن الحداثة هي منبت مجتمعاتها فهي منطق و معنى إنها كما يقول محمد أركون "تقدم نفسها في آن واحد كنظرية تأسيس فلسفي للعالم و كعلمية لتغيير المجتمعات، في الأنموذج الأول يَتِمٍ إيلاء الأولوية إلى الذات العارفة، إلى "الأنا"، و الذات الكامنة تلك، التي كقيمة أسمى تضطلع بالمعنى و تبني العالم و تؤسس الرابطة الاجتماعية. و هو بطبيعته (أي الأنموذج الأول) لا يمكنه أن يؤسس ذاته، فكان عليه أن ينهل من "كاتالوغ" من القيم: الحرية، الفرد، العقل، الكونية. و بالمقابل في الأنموذج الثاني يَجْري الاهتمام بالتحديث، تلك الحركة التي تضمن الانتقال المعقد و المتعدد الأشكال من الحالة (أ) المجتمع التقليدي إلى الحالة (ب) المجتمع الحديث مع التساؤل عن أسبابها و رصد ميادينها و وصف أطوارها و تفحص أشكالها...في الأنموذج الأول: تأخذ الحداثة بالتقسيم المعياري، أما الأنموذج الثاني: التحديث يأخذ دلالة الحيادية".[8]

إن الدلالة التقييمية، المعيارية مرتبطة موضوعيا بالآليات و الديناميكيات السوسيولوجبة و الأنثروبولوجية الحاملة للمعنى و التي تشكلت (هذه الدلالة) في أحضانها، فهي مُرَشَّمَة (الشدة على الشين و بفتحها) و تُرَشِّمُ بترشيماتها الخاصة؛ لكن –و هذا يتطلب التبصر- من العسير أن نرى بنـية الحداثة تنحصر في المعنى (الرمزي) المحلي الخصوصي (الفضاء الحضاري الضيق الذي أنـجبها)، بالرغم من أنها تتغذى منه نُسُغًا كثيفة. فهي تَنْزَع بطبيعتها إلى أن تكون عالمية، كونية، و هذه هي حيويتها المثيرة لأن عنقها يَشْرَئِبُّ دوما إلى العلى (التوسع و الانـتشار)، فتحمل في حركتها الأفقية حركية مماثلة عمودية، فالكونية هاهنا تتزاوج مع نزعة الهيمنة و يصبح أمر التمييز بينهما مستعصيا.

النتيجة معاداة الكونية تحت وطأة الهيمنة، أو الانسياق وراء الهيمنة و الاعتقاد الوهمي بالظفر بالكونية دون التَّسَلُّح بالأدوات النقدية لتأسيس الذات الفاعلة في العصر.

في جميع الحالات، يندحر الأنا، و تَنْدَحِرُ معانيه الرمزية، ففي أحسن الأحوال ينتج الهيمنة، العداء و من ثم المقاومة (مقاومة الآنا للأخر) و في أسوأ الأحوال يؤول الأنا إلى الاحتضار في اتجاه التلاشي، فلا يعاد تشكيل الذات وفق متطلبات زمانها و تحدياته و رهاناته بل إما انبهار و إما امتعاض، انبهار يولد الاغتراب، و كل اغتراب هو نفي للمواطنة، إنه نفي للفعل و تأسيس للانفعال، امتعاض يولد الصدمة و الصدمة المضادة، فلا تحقق إلا الانطواء على الذات وفق منطق المقاومة، و المقاومة و إن كانت تبدو فاعلة، فهي فاعلة إلا ضمن بنية الانطواء، فيتم استنزاف للقوى و الملكات حتى يتم الاستنفاذ.

إن فهم المواطنة في مجمل أبعادها و في بنية أَمْشِجَتِها، و العمل على تَشَكُّلِها في النسيج الاجتماعي و بالنتيجة إدراجها بتناغم في حداثة عقلية[9] في الفضاء الحضاري العربي الإسلامي، يُمَكِّن من هضم بعدها الكوني الموضوعي و استيعابه من حيث هو شرط ضروري لتملك موقع فاعل في حضارة الإنسان اليوم، و يُمَكِّن كذلك من تملك المسافة النقدية (الكافية) و الروح الجريئة الثاقبة للكشف عن نزعات الهيمنة، آلياتها الصريحة و المضمرة، الثابتة أحيانا، الزئبقية أحيانا أخرى، المتربصة بكل تعبير حر و مستقل لتجليات رأس المال[10] (الذكاء، القدرة، العبقرية، الجرأة في الإبداع و الاختراع) المتجهة للتوظيف الخلاق في فضاءاتها الأصلية (فضاءات الأنا المحلية).

2. المواطنة، الحقل الفقهي و العوائق الفكرية

1.2 مكانة المعرفة الفقهية في حقل إنتاج المعرفة

بانقضاء الوحي، و استكمال الرسالة، و وفاة الرسول (ص)، بدأ يدب في المجتمع الجديد، المتوسع في الأمصار احتياجات جديدة و متنوعة منها (في هذا المقام) الحاجة لإنتاج المعرفة المتعلقة بالله، بالكون، و كذلك بالإنسان، معرفة ملائمة و متناغمة مع النسق الأطولوجي و الأكسيولوجي للنص المقدس (القرآن والسنة). إن حاجة الفرد (المسلم) و المجتمع الـمُنْتَمِي إليه إلى ضبط (في أدق التفاصيل) تشريعيا العلاقة المزدوجة: العمودية أولا، المتعلقة بالمسلم وربه و التي تتشكل من العقائد (كشرط للدخول في دائرة الإيمان) و كذا العبادات، و الأفقية ثانيا و المتعلقة بالمسلم الفرد و غيره (بين المسلم و المسلم، بين المسلم و غير المسلم، بين الفرد و الجماعة، بين الجماعة و الجماعة)، إنها تتشكل من المعاملات، و حاجة المجتمع للرد على العقائد المغايرة للإسلام و المجادلة له.

إن العقل في سيروراته و من أجل هضم و تمثل هذه الاحتياجات المعرفية سَيَتَلَونَّ بلونها، و يتشكل و يتبنين موضوعيا وفق منطق هذه الاحتياجات، و بالنتيجة لن تكون هذه المعرفة المنتجة إلا مستجيبة لهذه المتطلبات الضرورية، معالجة للمشاكل المطروحة على الفرد و المجتمع وفق المعاني الرمزية للنسق الأنطولوجي و الأكسيولوجي للمقدس.

فظهر علم الفقه الذي يهتم بصياغة الأحكام الفقهية، و بعده علم أصول الفقه الذي يهتم بالمعايير التي تجعل تلك الأحكام مشرعنة، كما تشكل علم الكلام الذي سوف يحمل على عاتقه البحث في الأدلة العقلية للرد على العقائد المغايرة.

من حيث المبدأ، لا جدال في الحقل الفقهي و أصوله، إلا فيما يتعلق بالفروع بالنسبة للأول و آليات ضبط الأحكام من أجل أن تكون شرعية بالنسبة للثاني. إن الإيمان شرط مسبق للدخول داخل دائرة دار الإسلام، و التسليم بمسلماته أمر لا يمكن تجاوزه داخل هذه الدائرة. و بالتالي القبول و الإذعان بطيبة خاطر لمنطقه و نتائجه المتعلقة بالأحكام (أي التشريع)، أما في الحقل الكلامي فالجدل هو المؤسس له، بحكم أنه موجه (من الوجهة المبدئية) خارج دائرة الإسلام، إنه موجه للرد على العقائد المغايرة.

في منظورنا، العقل العربي الإسلامي، في إنتاجه للمعرفة، خضع موضوعيا لآلية يمكن وصفها بالمجال المتحور حول نفسه، مجال مغناطيسي ممثل في "مركز-نواة" و الأطراف تأتي لتُبنى حوله. إن آليات المركز النواة، بحكم طابعها المغناطيسي فهي تحدد حركة الأطراف من حيث التوجيه، الضبط و التحكم.[11]

إن المعرفة الفقهية وأصولها في المركز النواة، و الأطراف تمثل مجمل المعارف المنتجة في الفضاء الحضاري العربي الإسلامي، فالمعرفة الفقهية، معرفة دينية مُشَرِّعه للسلوك الفردي و الجماعي فهي مرتبطة عضويا بالنص المقدس، و علماء الأصول بالرغم من أنهم علماء اجتهاد، فاجتهادهم لن يكون إلا في حدود النص و وفق هذه الحدود فقط و ضمن أطر و بنيات العلوم اللغوية و اللسانية لعصرهم. و من هذا المنظور يعتبر الباحث عبد الجواد ياسين أن الفقه السني[12] قد احتل موقعا ليس له "إن النص الخالص لم ينفرد بتأسيس المنظومة السلفية، و إنما تأسست بوجه عام على مصادر تاريخية مفارقة للنص و إن كانت متاخمة له كالإجماع و القياس فلقد أتى مع الإسلام حين من الدهر لم يكن شيئا سوى النص، ثم أتى على الإسلام حين آخر من الدهر أصبح الإسلام فيه هو النص منضافا إليه الفقه و الفكر.

و لقد صارت للفقه مكانة مرجعية مساوية لمكانة النص من الناحية العملية، تجاوز بهذه المرجعية مكانة النص بقدر غير يسير، إن حجم الفقه في هذه المنظومة أكبر من حجم النص على وجه التحقيق".[13]

ولما كان المجتمع الإسلامي، تاريخيا، قد انقسم من حيث التراتب الفئوي الاجتماعي إلى العامة و الخاصة، و خاصة الخاصة، سنجد العامة تهتم بالمركز- النواة، تدور في فلكه، إنها تخضع للفضاء المغناطيسي للحقل الفقهي، و هو بهذا يزود العامة -و على الدوام- بمختلف الأحكام الشرعية في أدق جزئياتها و المرتبطة بحاجات الناس اليومية المادية و الروحية (الاعتقاد و شروطه، العبادات و المعاملات)، إنه الحقل المعرفي الوحيد الذي في فضائه يُضْبَطُ، يُشَرْعَنُ (بفتح الشين و تسكين الراء) السلوك الفردي و الجماعي للمسلمين و النتيجة، التقنين الفقهي (بفعله، و مفعوله) "يسطو" موضوعيا على البنية الذهنية الوجدانية السلوكية للعامة، إنه يشكلها بالصورة التي تلائمه و تتناغم معه بصورة كلية، و مطابقة له إلى حد التماهي إطلاقا. و هي بهذا (أي العامة) و التي تمثل الجمهرة الواسعة المشكلة للمجتمع الإسلامي، تنفر من كل جدل في العقائد و بالتالي من المتكلمين. فالمعرفة الفقهية إذن هي أقرب إلى العامة و إلى أذهانهم و نفوسهم فهي التي تشكل هيكليا الحس المشترك (Le sens commun) لديهم، إنه نسق ذهني مغلق مشكل لعناصر بنائية في السِّمْتِ[14] (Habitus) بدلالة "بيار بورديو"[15]. أما المعرفة الكلامية بعيدة عنهم إطلاقا، فهي مُشَوِّشَة، بل مُشَوِّهة لبنية أذهانهم مُخِلَّة بقواعد إيمانهم، مُزَعْزِعة لاطمئنانهم، مُعَطِّلة لعزائهم، فهي لا تتناغم مع سمت المؤمن، إنها معرفة غريبة عن عالمه البديهي، و تبدو له و كأنها معادية له، عززوها من أجل تخريب السمت المتناغم و الأنا، المنافي للآخر، بالنتيجة تكون المعرفة الكلامية في وضع معاكس لوضع السمكة في الماء، فيتم الشعور بثقل الماء، و لا يُدْرَك العالم وكأنه بديهي،[16] لذا سيدفع العقل العربي الإسلامي -من خلال بنيته الأساسية- عملية ذات طابع مزدوج و متكامل، صرف أنظار العامة

-أولا- عن المعرفة الكلامية "لوقايتهم" من كل مفسدة إيمانية (من خلال شرعية الأحكام التي تحرم السؤال الذي سكت عنه النص) العمل على إدخال و ترجيح كفة آليات النص و النقل على حساب العقل -ثانيا- من أجل قص أظافر الجدل الكلامي، تهذيبه ثم تدجينه بالصورة التي يتقاطع و يتمفصل مع الفكر الفقهي السني تحديدا في المرحلة الأولى و يتناغم مع نسقه الفكري في مرحلة ثانية ليصبح جزءا منه يتمايز عنه في الدرجة و ليس في الطبيعة، فيلائم السمت و يتناغم معه، إن فرقة الأشاعرة، قد تشكلت موضوعيا لتحقيق هذا الغرض، فقد غَذَّت الجدل و المساجلة من موقع "سني- متعقل". 

إن داخل حقل النواة المركز الذي هو حقل مغذي، مؤطر، مراقب و ضابط لمجمل عملية إنتاج المعرفة، يصطف إنتاج المعرفة الفقهية ذاتها من خلال رافعتين متكاملتين بالرغم من تعارضهما.

الرافعة الأولى: إجماع الأمة لغرض وحدة الدولة، الرافعة الثانية: الاختلاف الذي لا ينبغي أن يمس بالإجماع و بالتالي بالوحدة.

و بناء على هذا لن يكون الاختلاف الفقهي شرعيا إلا إذا كان مندرجا ضمن وحدة الأمة و بالنتيجة وحدة الدولة، إن آلية يجوز أو لا يجوز (الحلال و الحرام) التي هي الآلية الجوهرية في الحقل الفقهي و المحددة لمختلف عملياته الإبستيمولوجية (إن كل مستويات الأحكام الشرعية تصطف وفق تراتب ذكي، معقول و مثير من موقع أعلى و هو يجوز إلى موقع أدنى و هو لا يجوز)، هي سلاح في يد سلطة الفقهاء لتحقيق آلية الغلق حين يتجاوز الاختلاف في الحقل الفقهي الخط الأحمر و يمس بوحدة الأمة، هاهنا لتتقاطع سلطة الفقهاء مع سلطة الأمراء موضوعيا. أما في حقل الجدل الكلامي فيتخذ المسعى صيغة التقارب و النفور، فالتقارب من الأشاعرة و النفور من المعتزلة، ففي الحالة الأولى لغرض التلون بلون الإجماع و الوحدة أما في الحالة الثانية لغرض الإبعاد و الإقصاء خارج الإجماع و الوحدة.

إن تأسيس الرأي شرعا، حين غاب النص لا يمكن أن يندرج إلا ضمن النسق الفكري لعلم الأصول و هو الإجماع الفقهي للسنة بمختلف مذاهبها للحفاظ على وحدة الأمة، على حد تعبير سالم حميش، "فالرأي و الاستحسان، أخذا شكل القياس، و أن هذا الأخير ظهر مثيرا للاختلاف، و برز، أخيرا، التنظير للإجماع بقصد محو آثار الاختلاف أو تليينها"[17] فبالرغم من أن الفقهاء ورجال الفكر، عامة، يقررون الاجتهاد، فلن يكون هذا الاجتهاد مشروعا إلا ضمن هذا الإطار و لا يمكن أن يكون خارجه، "إن كل المفاهيم الفقهية الرئيسية تتسلسل باتجاه الحفاظ على وحدة المذاهب السنية، و يلزم التأكيد على التبعية الصارمة التي تطبع علاقة مناهج الفقه بأصول الفقه و حتى و أن لاحظنا أحيانا في تلك المناهج بعض التوق إلى الاستقلال بذاتها، فإنه من قبيل التهافت أن نرى في الاجتهاد ممارسة للفكر الحر تُخَوِّل للفقه استقلالا بإزاء الأصول و الحق أن الاجتهاد نفسه في هذا الحقل كما أكد الغزالي فيما بعد، ليس مطلوبا، إذ حيزه الخصوصي هو الظنيات وهو بالطبع هامشي وضيق كتحديد القبلة في حالة...".[18]

إنها آلية مضمرة تفعل فعلها من داخل بنية العقل الفقهي الأصولي السني (بدلالة أصول الفقه) فتحدد مساراته، اجتهاداته وتضاريس هذه الاجتهادات والمسارات من أجل كبح الصراع الإيديولوجي بين السنة والباطنية لصالح انتصار الأولى على الثانية لتحقيق "الغلبة" و بالنتيجة الهيمنة، الحصيلة هي أن "...هذا الخطاب، و منذ نشأته، كان يراوده حلم الاكتفاء بنفسه و كفاية ممتلكاته و بدءا من القرن الرابع و طيلة الخامس الهجري كان ذلك الحلم في طور التحقيق و بدأت بالتوازي تلوح في الأفق علامات انغلاقه و نهايته".[19]

2.2 الحقل الفقهي وعوائق انبثاق الحداثة و المواطنة

إن القراءة النقدية التي أنجزتها الباحثة لطيفة الأخضر التي موضوعها رد الشيخ : محمد الطاهر بن عاشور[20] على علي عبد الرازق في مؤلفه "الإسلام و أصول الحكم" و التي اعتمدت فيها على آلية تفكيك الخطاب الديني كما وظفها محمد أركون، تمكننا من الوقوف على بعض أوجه العوائق الذهنية المانعة لانبثاق و تشكل الحداثة و المواطنة:

إن العقل الديني الـمُكَوَّن،[21] الذي يهدف إلى تحقيق اتفاق بين أفراده -تحت وطأة هيمنة قسرية- حول مجموعة القيم العقائدية و القواعد الفقهية التشريعية، و يسعى إلى وضع البقية في صف الملل و النحل،[22] هذا العقل الديني الـمُكَوَّن، و على طول تاريخ الفكر الإسلامي، كان استجابة موضوعية لمتطلبات سياسية إيديولوجية متعلقة بالحفاظ على وحدة الأمة و الدولة، من خلال تحقيق وحدة الفكر و السيكولوجيا و تشكيلها الديني و العقائدي و التشريعي، الـمُؤَسِّسَة للشخصية الإسلامية القاعدية الـمُبَنْيِنَة للسمت كمنتوج لمنطق الهيمنة السنية.

إن هذا التشكيل لا يرى ضرورة للتفاضل "بين الروحي الإيماني و التشريعي القانوني بل لا يرى له أي هامش للوجود المستقل...و هو بهذا يكرس فلسفة الأصول"[23] التي كانت تجديدية في البداية من خلال إمعان الرأي و الاجتهاد، و غدت متحجرة في النهاية "لا يرى للروحاني و الإيماني مكان خارج القنوات التأطيرية التي أرْسَتْها إن كانت أصولا للدين أو أصولا للفقه".[24]

و بهذا الاعتبار الفكر الديني واحد، فهو نسق لا يقبل التجزئة على الإطلاق و بالتالي، هو نسق يشكل للرؤية التي ينبغي لكل مؤمن في كل زمان و مكان أن يتغذى منها و يغديها، فينظر من خلالها لنفسه، لله و للوجود، و للخلق و العدم.

إن الحقل الفقهي الـمُوَظِّف لهذه الرؤية –بحزم وحسم- يقدم صكا يضع به المفكر داخل الإجماع فَيُشَرْعِنُ اجتهاده و إبداعه، و ينزع صكا يضع به المفكر خارج الإجماع فَيُقْصَى و يُكَفَّر. تستخلص لطيفة الأخضر "أن رد الشيخ الطاهر بن عاشور مُؤَسَّس من منطلق نظام ديني مغلق، "إنه يلتجئ إلى حجة تقليدية تضع الطرف الآخر (علي عبد الرازق) خارج الإجماع السني و يعجز عن فهم هذا الاجتهاد الديني و هذه المقاربة النقدية خارج المنظور الأرثودوكسي السني".[25]

تتقاطع هذه القراءة التحليلية النقدية مع ما أطلق عليه الباحث حمادي رديسي[26] التناول الثلاثي لما هو سياسي (أو خطاب السياسات الثلاث): الخطاب النبوي، الخطاب الملكي، الخطاب الفلسفي، فالخطاب الأول ينتمي إلى اللاهوت و الثاني إلى الملك و الثالث إلى المدن (البشر).[27]

ليصل إلى القول " فمن سياسات الإسلام الثلاث: صمد وحده مِلْحَاحًا عنيدا في العصور الحديثة الخطاب الديني البحت (و يقصد نظرية الإمامة) التي تأخذ مشروعيتها من الخطاب النبوي و بذلك أصبحت بمثابة الهوية السياسية للإسلام".[28]

إن نظرية الإمامة التي تستلهم الأفكار و الاجتهادات من السياسة النبوية تستجيب و بالتحديد لمتطلبات السؤال الوحيد و الكافي:

من هو الأصلح لخلافة الرسول (ص) ؟ ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه ؟ و قد حددته الأدبيات الفقهية من خلال مصطلح الإمامة الكبرى و هو باب من أبوابها أنه ملحق بالمعرفة الفقهية و بالتالي خاضع لآلياتها و قوانينها الداخلية و هو آخر اهتمام الفقيه، و تلك هي المفارقة.

إنه بهذا قد جرى "انزلاق مضمر من السياسات في الإسلام، إلى سياسية الإسلام"[29] و تم الغلق النهائي و النتيجة التاريخية "تهاوى الخطاب الفلسفي ذو الأصل اليوناني (و كان بؤرة لابتكار الحداثة الغريبة) و اختفى من منظومة المعارف الإسلامية، و تمت أسلمة الخطاب الملكي "مرآة الأمير ذو أصل هندي –أوروبي في حين الغرب حَوَّلَه إلى وصفةٍ حكم"،[30] كما تم فتح لإعادة إنتاج الخلافة[31] كمعنى تنزع إلى الهيمنة القسرية، نستلهم منها و ليس من غيرها، نَتَمثَّلها لوحدها و لا وجود لغيرها الرمزي، ففي حدودها و في حدودها فقط تتشكل هويتنا السياسية و يتنمط الفرد المؤمن وفقها، "فعوض الانتقال من اللاهوتي السياسي إلى التعددية الحديثة، واجه المسلمون الحداثة بنموذج واحد هو الأنموذج النبوي...و انطلاقا من هذه اللحظة و ليس قبلها تَمَّ انزلاق الإسلام في خلط بين الروحي و الزماني".[32]

و بهذا الغلق على الرؤية التعددية للسياسة و للإنسان، و للإيمان و فرض رؤية قسرية –على أساس منتوج فقهي أصولي مقدس له محدداته الزمنية المعرفية و الإبستيمولوجية- تنزع إلى الهيمنة و تلوح بعصا التكفير و التفجير، حجبت عنا إمكانية تاريخية و اجتهادية هو تأسيس للحداثة و هي تنبثق من تضاريس العقل العربي الإسلامي و مساراته المعقدة.

و بتشكل هذا المانع أُوصدت الأبواب أمام المواطنة في تشكيلها التاريخي و الطبيعي، إن بقاء النموذج النبوي في السياسة منفردا يصوغ المسلم و ينمذجه، و يشكل نظامه الرمزي و يتمثله، هو نتيجة لخضوع مجمل حقول المعرفة (خاصة حقل السياسة) إلى حقل النواة –المركز إلى آلية الإبعاد المضمرة لكن الفاعلة، لكل ما يمكن أن يؤدي إلى تحول نوعي داخل آليات العقل العربي الإسلامي وفق ديناميكية باطنية داخل طبقات العقل نفسه.

الأمر الذي انتهت إليه لطيفة لخضر حين ذهبت إلى طرح فكرة ضرورة تكوين نخبة من الـفقهاء الجدد: "الواقع الراهن للمجتمعات الإسلامية يشكو من شغور خطير يتمثل في انعدام وجود فئة من علماء الإسلام، يمكن أن تلعب دور الوسيط المتشبع بفلسفة الحداثة و ذلك بين الجماهير المؤمنة و المعرفة الدينية" [33] و الذين يتكفلون بنقلنا من الأحادية الفكرية إلى رحابة التعددية، من الغلق إلى الانفتاح، من الأرثودوكسية السنية إلى الإيمان الأنطولوجي –من التشريع وفق منطق الإمامة الكبرى إلى التشريع وفق المدن البشرية، و في هذه الرؤية الجديدة تنصهر و تتشكل الحداثة و في حضنها المواطنة.

الخلاصة

إن الحقل الفقهي - من خلال عناصر هذا التحليل- يخضع لهيمنة داخلية (الأرثودوكسية السنية) و ينزع هو كذلك، و في ذات الوقت إلى إخضاع مختلف الحقول المعرفية الأخرى لهيمنتها، إن هذه الآلية المزدوجة هي المحور المحرك والمجمع للعوائق الذهنية و الفكرية المانعة لكل تحـول نوعي في العلاقة بين المسلم و الطبيعة أولا و بينه و بين الحرية ثانيا و بينه و بين مصدر الحق (التشريع) ثالثا إلى الحداثة التي تمثل الفضاء الذي ضمنه تزدهر المواطنة لترتقي بالفرد إلى الأبعاد الإنسانية ضمن جذور تُوِميءُ إلى التفتح؛ ضمن أصول إيمانية متناغمة و حضارة اليوم تُمَكِّن الفرد من الاستلهام و العطاء، الأخذ و النقد بذكاء و كفاءة.

إنها تطلب زحزحة تحديدات المعنى و خلخلتها لتتحرر من هيمنة العقل الديني المكون و تسير إلى فضاء الوعي الديني الإيماني الرحب فَتؤسَّس الظاهرة الدينية وفق الأبعاد الروحانية الإيمانية الأنطولوجية التي يكون مركزها الإنسان في مجمل أبعاده، فيُؤَسَّس هنا لحداثتنا، و ليس استنساخا لحداثة غيرنا، تلتقي حداثتنا بحداثتهم في إحداثيات الإنسان، في إحداثيات المواطنة، في إحداثيات القيم، و تتباين عنها في المعنى بالمفهوم الأنثروبولوجي و الرمزي.



الهوامش

* مقال سبق نشره في مجلة إنسانيات عدد 11، ماي-أوت 2000.

و أصل هذه المقالة، كما يقول الفقيد هو: « مداخلة قدمت في إطار ندوة "الحداثة في واقع الفكر العربي المعاصر" و التي نظمها قسم الفلسفة، كلية الآداب و العلوم الاجتماعية، جامعة الجزائر بتاريخ 7 إلى 9 نوفمبر 1999؛ لقد أعدنا هيكلتها بما يلائم قراءاتنا الجديدة».

[1] الحقل بالمفهوم الذي حدده بيار بورديو، هو بنية من العلاقات الموضوعية بين أوضاع للقوة، يُسْنِد و يوجِّه الخطط التي بها يبحث المحتلون لتلك الأوضاع بشكل فردي أو جماعي ليَحْموا أو يُحْسِّنوا وضعهم و ليفرضوا مبدأ التراتب الأنسب لحياتهم الخاصة". أنظر بيار، بورديو، و لويك، فاكونت (1977)، أسئلة علم الاجتماع، في علم الاجتماع الانعكاسي، ترجمة عبد الجليل الكور، إشراف و مراجعة بودورو محمد ، دار توبقال، ص. 69.

[2] Voir citoyen, le Petit Larousse, Grand format.

[3] الحديث و التحديث من مكونات منطق الحداثة؛ لكن الحداثة تتجاوزهما من حيث الجوهر و الشكل.

[4] Baudrillard, J. (1996), Modernité, Paris, Encyclopidia Universalis, Tome 15, p. 552.

[5] كل معنى (بالدلالة الأنتروبولوجية و الرمزية) إن توفرت له التربة الخصبة، ينزع بالضرورة إلى الهيمنة.

[6] غوروفيتش، جورج. )1981(، الأطر الاجتماعية للمعرفة، ترجمة د. خليل، أحمد خليل، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، ص. 182-189.

[7] بن عاشور، عياض. (1998)، الضمير و التشريع. العقلية المدنية و الحقوق الحديثة، الدار البيضاء، مركز الثقافي العربي، ص. 14-16.

[8] أركون، محمد (1999)، حوار أجراه العرفاني حسان، العقل الاستطلاعي المنبثق و أنواع الحداثة في السياقات العربية الإسلامية، العالم العربي في البحث العلمي (Mars)، باريس، معهد العالم العربي، العدد 10 /11.

[9] تشكيل الحداثة العقلية يتطلب توفير شروط النهضة و تحقيقها من جهة و انبثاق التنوير بالمفهوم الكانطي و سيادته من جهة أخرى.

[10] رأس المال بالمفهوم الذي وظفه بورديو بيار، أنظر المرجع السابق.

[11] عمليات التحديد، الضبط، التوجيه و التحكم لم تكن دائما نافذة بصورة آلية و خطية، إذ في حالات عدة كان يقع "تمرد" داخل هذا الحقل أو ذاك و في الغالب يأخذ أشكال مضمرة، لكن سرعان ما آليات التحكم و الإذعان تستعيد المبادرة لاسترجاع سلطتها الكاملة وفق مفاعيل متنوعة و ملائمة.

[12] صنف الفقه إلى فقه سني، شيعي، صوفي، و هذا وفق الاتجاهات الفكرية و المذهبية للفكر الإسلامي، و قد هيمن الفقه السني على الاتجاهات الفقهية الأخرى، أنظر د. أبو الفتح بدوي عبد المجيد، التاريخ السياسي و الفكري للمذهب السني في المشرق الإسلامي من القرن الخامس الهجري حتى سقوط بغداد، عالم المعرفة، جدة، 1983 (مؤلف يؤرخ لمسار هيمنة الفقه السني على المذاهب الفقهية المخالفة له).

[13] عبد الجواد، ياسين. (1998)، السلطة في الإسلام، العقل الفقهي السلفي بين النص و التاريخ، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ص. 60.

[14] السِّمْتُ (Habitus) هو نظام من الاستعدادات و التصورات التي يصدر الفعل وفقه و بالتناغم معه.

[15] بورديو بيار، و فاكونت لويك.، نفس المرجع السابق، ص. 87.

[16] استعرنا المثال من بوروديو بيار و فاكونت لويك، نفس المرجع السابق، ص. 87.

[17] حميش، بن سالم. (1993)، التشكيلات الإيديولوجية في الإسلام، الاجتهادات و التاريخ، ترجمة رودنسون، ماكسيم، و الحبابي، محمد عريب، دار المنتخب العربي، ص.40.

[18] حميش، بن سالم، المرجع السابق، ص. 40.

[19] حميش، بن سالم، المرجع نفسه، ص. 43.

[20] أصدر الشيخ بن عاشور الطاهر كتيبا في ستة و ثلاثون صفحة عنوانه، نقد علمي لكتاب الإسلام و أصول الحكم، يرد فيه على الشيخ علي عبد الرازق.

[21] ما يميز العقل الديني المكون "بضم الكاف و فتح الواو" عن الوعي الديني هو أن الأول "منظومة القواعد المقررة و المقبولة في فترة تاريخية ما تعطى لها قيمة مطلقة في تلك الفترة التاريخية (التعريف لمحمد عابد الجابري) و التي يسميها محمد أركون "بالأرثودوكسية السنية" أما الثاني فيؤسس للظاهرة الدينية وفق الأبعاد الروحانية الإيمانية الأنطولوجية (التمييز لمحمد أركون).

[22] الأخضر، لطيفة. (1998)، قراءة في منهجية الفكر السني و مسلماته: حول رد الشيخ الطاهر بن عاشور على علي عبد الرازق، نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم في IBAL N° 182, t 61 ص 63.

[23] الأخضر، لطيفة، المرجع السابق، ص. 65.

[24] الأخضر، لطيفة، المرجع نفسه السابق، ص. 65 .

[25] الأخضر، لطيفة، المرجع نفسه، ص. 64.

[26] يعتبر الباحث رديسي حمادي أن التقاءه بالفكر الإسلامي الهندي مكنه من اكتشاف التناول الثلاثي للسياسي في الإسلام.

[27] رديسي، حمادي. (1999)، من التقليد التعددي إلى الحداثة الاستبدادية، العالم العربي في البحث العلمي (Mars)، باريس، معهد العالم العربي، العدد 10/11، ص. 156.

[28] رديسي، حمادي، المرجع السابق، ص. 158.

[29] رديسي، حمادي، المرجع نفسه، ص. 58.

[30] رديسي، حمادي، المرجع نفسه، ص. 158.

[31] تعني الخلافة لدى إبن خلدون (في المقدمة): "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدُّنْيَوِية، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها لمصالح الآخرة".

[32] رديسي، حمادي، المرجع السابق نفسه، ص. 158 .

[33] الأخضر، لطيفة، المرجع السابق، ص. 74.

Text

PDF

العنوان

ص.ب 1955 المنور ، القطب التكنولوجي إيسطو - بئر الجير 31000 وهران، الجزائر

هاتف

95 06 62 41 213 +
03 07 62 41 213 +
05 07 62 41 213 +
1 1 07 62 41 213 +

فاكس

98 06 62 41 213 +
04 07 62 41 213 +

دعم تقني

اتصال