الشّباب والمعيش الاجتماعي في وضعية أزمة : عودة إلى الدّراسات المنجزة في سنوات التسعينات بالجزائر

الشّباب والمعيش الاجتماعي في وضعية أزمة : عودة إلى الدّراسات المنجزة في سنوات التسعينات بالجزائر

مقدمة

ترتبط التمثلات الاجتماعية للشباب، والتي يعرفها أوليفي غالون O. Galland على أنّها تعبير عن علاقة انتساب متجانس مع العلاقات التربوية والجيلية، بسيرورة متجدّدة للتنشئة الاجتماعية، وعند التساؤل حول بعض معايير العلاقات الاجتماعية لدى هذه الفئة، خصوصا ما تعّلق منها بمسألتي "الاحترام"(اتجاه الكبار) و"الولاء" (اتجاه السلطة)، يجد الشّباب في الجزائر صعوبةً في طرح أهّم مطلب لهم والمتمثل في: الاعتراف الاجتماعي بهم في جميع المستويات. ويرتبط الاستخدام اليومي لكلمة "ما قَيَمْنِيش"[1]، والأكثر من ذلك "حْقَرني"[2]، بالبحث عن الاعتراف، كما تندرجان في الواقع ضمن نموذج مرجعي أساسه مبدأ العدالة والمعاملة المنصفة باعتبارهما عنصرين جوهريين لإنتاج المعنى عند هذه الفئة في حياتها اليومية أو ضمن شبكاتها العلائقية.

يشغل الشّباب الذين تقلّ أعمارهم عن ثلاثين سنة - والذين يُعتبرون بصفة أساسية أحد أهّم ضحايا البطالة - مكانة "حيطيست"[3]، يحلُمون بالهدّة (الهجرة) ويمارسون التجارة غير الرسمية (ترابندوا). عرفت هذه الصورة النمطيّة السائدة عن الشّباب الجزائري تراجعا ملحوظا بسبب نظرة المجتمع إلى هذه الفئة فترة سنوات الإرهاب من تسعينيات القرن الماضي، بحيث ألحقت بها صفة جديدة تتمثل في "الإرهابي"، كما ساهم بروز ظاهرة الانتحاري أو "كاميكاز" في التأكيد على عدم الدراية بهذه الفئة وحدّة القطيعة معها. لقد تعوّد الشّباب، على الرغم من اختِلاف أعمارهم وجنسهم وأصولهم الاجتماعية وانتماءاتهم الجغرافية، على الانخراط في ممارسات "الشغب" تعبيرا عن رد فعل سريع ودال على عدم التوافق مع أداء السُلطات العمومية وعدم رضاه عنها ومعارضته لها.

الإطار العام للتحليل

تكشف الخطابات الارتجالية حول الشباب، والتي تقدمه في صورة نمطيّة موحّدة، عن تشوّه عميق لواقعه المتعددّ. ففي الوقت الذي يُنظر فيه لهذه الفئة على أنّها واقع اجتماعي غير فعّال، ترى نفسها عكس ذلك وتعتبر أنّها جيل (أو أجيال) مؤهّل ويملك القدرة على الاستِخلاف، وهذه القدرة مرتبطة بإدراكها للآمال التي تحملها، على الرغم من اختِلالات المجتمع والصِراعات التي تظهر في أشكال من العنف خلال فترات زمنية متقاربة. لا يستبعد هذا الأمل الشعور بالقلق بما أنّ هذه الفئة ينظر إليها أيضا على أنّها حاملة لطموحات يحتمل أن تكون مزعزعة للاستقرار افتراضيا. ومن هنا، يشكّل الشّباب وفق التمثلات الاجتماعية الواسعة والمهيمنة "فئة-موضوع"، فأدواره الاجتماعية مؤجلة "لمستقبل بعيد"، وهذا ما يؤخّر بناء مقاربة جوهرية مختلفة تضفي وضوحا عن دورها كفاعل اجتماعي في ظل التحوّلات الجارية داخل المجتمع الجزائري.

لا يشار في هذه الورقة البحثية إلى الشباب على أنّه "فئة-موضوع" إلا لكونه لم ينل حظّه من التحليل مقارنة مع باقي فئات المتعدّدة للمجتمع، كما أنّ استعمالنا له في صيغة الجمع هو نتاج واقعها المتعدّد الذي قد يخفيه هذا اللفظ. يدعو تشابك المجالات الاجتماعية غير المألوفة وتداخلها إلى تبني مقاربات بحثية متكاملة، فالاضطرابات والتحوّلات التي يعرفها المجتمع الجزائري، والتي أشار إليها العديد من الملاحظين والمحلّلين، نادرا ما تمّت دراستها على أنّها نتاج لإعادة بناء اجتماعي شامل أسهم في ظهور بعض الفئات الاجتماعية مثل الشّباب، النساء، ...إلخ. وعليه: "ألا يجب تجاوز فكرة التي ترى أنّ التغيّرات العميقة الحاصلة في المجتمع الجزائري ليست فقط مجرد ظواهر سطحية بل هي مرتبطة ببنيات اجتماعية في طور النّشأة؟

تبدو حصيلة المعارف المتوفّرة حول الشّباب بوضوح عند تتبع مختلف السياسات العمومية التي تمّ اقتراحها لفائدة هذه الفئة والتي اتخذت شكل التكفّل الاجتماعي (assistanat)باعتباره مقاربة بنيوية مهيمنة. والسؤال الذي لا مناص من طرحه في هذا المستوى هو: هل هذا التكفّل، وهذه المساعدات المقترحة، تمثل نموذجا لمعالجة أوضاع الشّباب بحثا عن نوع من الفعالية الاجتماعية، أم هو بالأحرى منتوج لتصوّرات ذهنية تاريخية حول هذه الفئة؟ يمكننا كذلك أن نتساءل: لماذا تقتصر مبادرات الشّباب - عند الدفاع عن مصالحهم - على مجالات التبادل السلعي والتجاري ولا تنخرط مبادراتهم ضمن المجال الجمعوي؟ ألا يجب التساؤل عمّا إذا كان الاستثمار في مجالات التبادل السلعي والتجارة يعبّر عن عدم قدرة السلطات العمومية على ضمان تكوين ذو علاقة إيجابية مع قيمة العمل؟

يركّز الشّباب عند صياغتهم لتطلعاتهم المستعجلة ومطالبهم اتّجاه السلطات العمومية والمجتمع على بعدين أساسين وهما :الاندماج المدرسي والاندماج المهني، وهذان العنصر ان يعكسان قيمتين هامتين هما: قيمة التكوين وقيمة العمل، ولكن في حدود هذين البعدين الجوهريين يكمن فضاء "التهميش" و"الإقصاء". وفي المقابل، تعتمد السلطات العمومية على هذين البعدين قدر المستطاع ولكن وفق منطق آخر: فهل التّدابير والقرارات المقدّمة من طرف هذه السلطات العمومية - حسب منطقها ومنطق الأعوان الذين ينفّذونها - تحمل إجابات معترف بها من طرف الشّباب وتستجيب لتطلعّاتهم؟ علينا القول أنّ الشّباب، باعتباره فئة اجتماعية ديناميكية، له قدرة كبيرة على "التحايل" على المجتمع وعلى تمثلاته، ففي بحثهم عن التموقع الاجتماعي، يحوزون بشكل جليّ على مكانة اجتماعية ويكتسبون أشكالا معيّنة من الاستقلالية التي تساهم في قلب النّسيج الاجتماعي، لذا يمثّل الاستثمار في أنشطة التبادل السلعي والتجاري والمشاركة فيه عن سيرورة بناء لاستقلالية ذاتية تهدف إلى إعادة بناء علاقات السلطة.

يمكننا أيضا أن نتساءل فيما إذا كان ما يهيمن، في هذا المستوى، هو اتجاه نحو جعل علاقات الشّباب بفئات اجتماعية أو أجي الأخرى علاقات ذات فوارق محدودة وأقل تمييزا، غايتها في ذلك بلوغ مستوى من الشراكة والتي ستصبح، إذا ما تحقّقت، منتجة هي الأخرى لمطلب الاستقلالية. يجب الإشارة إلى أنّ الشباب ينتج، أثناء بحثهم عن تحقيق تطلعاتهم، ممارسات تستوجب التحديد ومعان تتطلّب الفهم، وما يلفت الانتباه هو فيض المعنى الذي يجد المجتمع صعوبات في استيعابه وإعادة إدراجه وتوجيهه.

يكشف الشّباب أيضا، انطلاقا من مقاربة تعتبرهم "فئة من فاعلين"، عن مقدرتهم على إظهار قوتهم في "نصب الكمائن" لمختلف مؤسسات المجتمع بدءً بالسلطات العمومية، مركزية كانت أم محلية، وذلك عن طريق تطوير استراتيجياتهم الخاصة ومبادراتهم، وهذه الأخيرة تكشف عن جانب من الإكراهات الاجتماعية التي يواجهونها، كما تكشف عن قدرتهم على تسيير ذواتهم وتسيير التمثلات الاجتماعية حولهم، وإذا كان الشّباب أحد هذه الفئات الفاعلة فذلك لأنّهم تعبير عن هذا بناء اجتماعي.

عندما يتمّ تعريف الشباب من طرف ريمون بودون[4]R. Boudon على أنّه فئة تجمع "حسب الملاحظين، كل الذين خرجوا من مرحلة الطفولة دون أن يكونوا جزء من فئة الراشدين"،فإنّ هذا التوصيف غير كاف، فالتفكير في مرحلة الشباب على أنّها مرحلة انتقالية، أي "ممرّ يسمح بالاستكمال شبه نهائي لعملية البناء الاجتماعي في حين لا تزال الملامح الاجتماعية للفرد في شكل نقاط أو محطات غير مكتملة" - مثلما يقترحه أولفييه غالون[5] - يعلن عن برنامج بحثي كامل، فالتعريف المقترح يعني أنّ المرور من وضعية الارتباط بالعائلة من جميع النواحي، أي من فترة الطفولة إلى مرحلة الرشد، يكون عندما نتمكن من تحديد ذواتنا اجتماعيا ومهنيا وأسريا، وإذا كان الدخول إلى مرحلة الرشد لا يمكنه أن يكون نتيجة للجمع بين العديد من المؤشرات المرتبطة بالدخول إلى الحياة العملية ، تكوين أسرة، ...، فإنّ مجتمعاتنا تؤسس معنى الشباب وفق أنماط متعدّدة.

التساؤلات المقترحة في مشروعي البحث

سعى مشروع البحث الموسوم "الشّباب وأنماط التنشئة الاجتماعية"، والذي أنجز في الفترة الممتدة ما بين (1994-1995)، إلى دراسة طموحات الشباب وتمثلاتهم وممارساتهم أثناء عملية إنشاء تعاونيات مهنية، أمّا مشروع البحث الثاني، الذي أُجري ما بين (1996-1997) فقد تناول "وضعية الشّباب ومكانته بين حالتي "تهميش" و"اندماج".

فتحت مبادرة السلطات العمومية، المتمثلة في دعم الشّباب لإنشاء التعاونيات في إطار برنامج "تشغيل الشباب"، مجال التساؤل عن مصير هذه التجربة، خصوصا في المرحلة التي عرف فيه هذا البرنامج تطوّرا ملحوظا وجنّدت له موارد مادية معتبرة لا يستهان بها. ولقد تمحورت أسئلة فريق البحث حول ذلك كما يلي: هل نحن أمام تشوه للعلاقة (أين تبقى دلالتها الاجتماعية والرمزية محلّ بحث) بين مبادرات السلطات العمومية (الساعية إلى وضع الإطار القانوني، توفير الإمكانيات المالية والوسائل...إلخ) من جهة وطموحات وتطلّعات وتوقعات مختلف فئات الشّباب من جهة أخرى؟ وهل يعتبر الشباب مبادرة إنشاء التعاونيات، التي تهدف إلى إدماجهم ضمن القنوات الاقتصادية والخدماتية، ضمن سيرورة بناء لاستقلاليتهم الذاتية؟

تكتسي هذه التساؤلات بعضا من الشرعية بما أنّ الأمر يتعلّق بمبادرات إيجابية، يتكتّل فيها الشّباب بشكل فردي أو جماعي، أو في إطار جمعيات، من أجل الخروج من وضعية إقصاء أو تهميش دفعتهم إليها القطيعة مع المنظومة التربوية نحو البطالة. في سياق التساؤلات نفسها، هل تعتبر مبادرة إنشاء التعاونيات تجسيدا للمشروع الشخصي أو الجماعي في ميدان معين؟ وهل هذه المبادرة قادرة أيضا على تحفيز وإثراء تجربة تستجيب لتطلعّات الشّباب المتمثلة في: التحفيز على المبادرات والنشاط، تلبية الحاجات المالية والمادية...إلخ؟ ما هو المنطق الذي تقوم عليه هذه التعاونيات بالنسبة للفئة المعنية بهذا البحث؟ وهل تمثل علاقة تعاقدية مؤسّسة على منطق المصالح المتبادلة للجماعة وترتكز على حريّة الشراكة ضمن علاقة تعاقد إرادية، أم هي تعبير عن منطق للتكفل (assistanat)الذي يحيل إلى بناء علاقة الطاعة القائمة على منطق انتماء وإنتاج وضعية الزبونية تلغي كل إمكانيات العلاقة التعاقدية؟ وفي هذه الحالة الأخيرة، ماهي استراتيجيات الشّباب اتجاهها وما هي ردود أفعالهم نحوها؟ هل هو الإعلان عن فشل التجربة، أم هو التوجّه نحو نشاطات عمل أخرى، أم هو اللّجوء إلى مبادرات تجريبية جديدة؟

مثّلت المقاربة السوسيولوجية إطارا مرجعيا ومجالا للمقاربة الميدانية لهذه الدراسة، وتمّ تحليل جميع مراحل الدخول في النشاط التعاوني لدى الشّباب بوصفهم فئة من الفاعلين[6]، كما تمّ التركيز بشكل خاص على معيشهم الفردي بعد قطيعة مع المسار الدّراسي والمرور الحتمي بعملية التكوين المهني، وتمّ التطرّق إلى الانشغالات الأخرى قبل الدخول في مرحلة المقاولاتية[7]، كما سمح تتبّع الأعمال التحضيريّة للولوج إلى وضعية التعاونية بتحليل التحوّلات والتواصل ما بين الأجيال.

البطالة في تسعينات القرن الماضي والسياسات العمومية

ترتبط إشكاليات الشّباب في المجتمعات الحديثة بالتصنيع والتمدّن، أمّا في الجزائر فقد عرفت نظرة السلطات العمومية إلى الشّباب - باعتباره فئة متجانسة - تزعزعا خلال سنوات 1980-1990، حيث برزت في هذه الفترة خطابات متعدّدة التوجّهات داخل هذه الفئة خاصّة على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي، وقد شَكّل برنامج تشغيل الشّباب المُستحدث سنة 1987 أوّل أشكال الاعتراف بالبطالة بوصفها واقعا ملموسا لدى هذه الفئة في الجزائر. لكـــن كيف تمّ إدراك البطالة وتحليل مضمونها؟

سمحت القراءة الأولية لفعاليات الورشة الدولية حول "تشغيل الشباب والتحّولات الاجتماعية والاقتصادية" المنظمة من طرف المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي (CNES) بالاقتراب من نظرة السلطات العمومية لإشكالية البطالة والتي وصفتها بـ: "التحدّي الجديد، ظاهرة عالمية، ظاهرة خطيرة، آفة اجتماعية، تهدّد السلم الاجتماعي واستقراره وتحطّم الشعور بالانتماء والمواطنة، تقوّي الشعور بالإقصاء وتُسهّل ظهور العنف، ترهن التماسك الداخلي للمجتمع وتسبّب الوهن النفسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى الانحراف واللصوصية والرعب"[8]. ففي سنوات 1987-1990 ظهر الشّباب بأشكال مختلفة أثار الاهتمام والمخاوف واعتُبر قوة افتراضية أو واقعية تهدّد الاستقرار[9].

قدّرت نسبة البطالة سنة 1994 بـ 24.4%، وقد بيّن التقرير أنّ الغالبية الساحقة من هذه الفئة - أي ما يعادل 80% من الفئة التي تقل سنّها عن 30 سنة - الموجودة في حالة بطالة ولديهم مستوى دراسي منخفض نسبيا، كما قدّرت نسبة البطالة لدى الفئة العمرية الممتدة ما بين 16-19 سنة بـ ـ66%، وقاربت نسبة 44.3% لدى الفئة العمريّة الممتدة ما بين 20-24 سنة[10]، وشكّل البطالون الباحثون عن العمل منذ أكثر من سنتين ما نسبته 34.4% سنة 1992، وبلغت نسبة الشّباب غير المؤهّل (بدون أي تكوين) في السنة نفسها 74%[11].

خضعت عمليات تحديد المراحل العمريّة للشباب مقارنة بالتجارب التي بدأت في هذا السياق لتغيّرات متعدّدة، وهذا ما يؤكّد أنّ "الشباب بناء اجتماعي" وموضوع لرهانات كثيرة. الأمثلة التالية تبيّن ذلك بوضوح: ففي 1975 تمّ الإعلان عن "ميثاق الشّباب" (الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية المنضوية تحت حزب جبهة التحرير الوطني) وحدّد سنّ هذه الفئة في المرحلة العمرية الممتدة ما بين 16-27 سنة، وفي سنة 1982 حدّدت اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الشباب بالمرحلة العمرية 17-27 سنة؛ وفي سنة 1984 حدّدت وزارة الشباب هذه الفئة بالمرحلة العمرية التي تقلّ عن 30 سنة؛ وفي 1988 حدّدت مصلحة التخطيط وتهيئة الأقاليم "الشباب" بالمرحلة العمرية الممتدّة ما بين 12-25 سنة، أمّا الديوان الوطني للإحصاء ONS فقد اعتمد على تصنيف هيئة الأمم المتحدة التي تربط الشباب بالمرحلة العمرية 15-24 سنة، وهو التصنيف الذي اعتمد من طرف معدّي برنامج تشغيل للشّباب.

وأمام الانتشار الواسع لظاهرة البطالة، وضعت عدّة استراتيجيات لترقية التشغيل، وقد احتل فيها جهاز الإدماج المهني للشباب مكانة هامّة منذ سنة 1990[12]، بحيث مثّل استجابة من السلطات العمومية لمواجهة "الخلل في توقّعات إدماج الشّباب مستقبلا"، وكان الهدف الأول من تنظيم هذا الجهاز "استجابة للشّباب وانشغالاتهم"[13] وإعطائهم إمكانيات تكوين أولى خبراتهم المهنية، وقد ترافق ذلك مع بداية سياسة الدولة في تشجيع الحركة الجمعوية (جمعية الشباب، جمعية البطالين، إلخ..). لقد أدّى تقييم هذه التجربة بعد أربع سنوات إلى إنشاء أشكال جديدة لترقية التشغيل، ومكّن هذا التقييم من إحداث قطيعة مع مقاربة مشكل البطالة من خلال الانتقال به من "المنطق الاجتماعي" نحو "المنطق الاقتصادي" (المؤسسة المصغّرة).

بدا الطابع الانتقائي لمعايير الاستفادة من آليات دعم الدولة (المساهمة المالية الأولى، المهارات المهنية...إلخ) معروفا مسبقا، كما كانت صيغة المؤسسة المصغّرة خاضعة للتجريب ضمن سياق إكراهات الوضعيات المختلفة التي واجهتها والمتمثلة في البحث على فرص استثمار جوارية، أو من خلال البحث على نشاطات المناولة، أو من خلال عقود الشراكة...وفي الظرف السياسي نفسه، أوجدت الدولة نظاما للتضامن وطني يهدف خاصّة إلى إدماج الفئات الاجتماعية المعوزة بطريقة خاصة.

قدّمت وزارة العمل[14] حصيلة تجربة إنشاء التعاونيات في سنة 1994، وقد أعدّت ذلك وفق مؤشرات نوعيّة "نشاط عمل الشّباب" و"نوعهم الاجتماعي"، ومسّ التقييم الذي أجري سنة 1995 حول جهاز الإدماج المهني للشّباب 90% من مجموع الكلي للتعاونيات التي تمّ تكوينها عبر التراب الوطني والمُستحدثة سنة 1990. فمن بين 10335 تعاونية موزعة على 43 ولاية، نجد 9658 تعاونية بدأت فعليا نشاطها، و300 تعاونية استفادت من القروض ولكنها لم تكن في وضعية نشاط، و377 تعاونية لم يتم التواصل معها بسبب عدم العثور عليها، إمّا لأنّها لم تحدّد العنوان أو لأنّها كانت مغلقة فترة مرور المحققين.

ساهمت التعاونيات التي بدأت فعليا نشاطها، والمقدرة بـ (9658)، في استحداث 26766 منصب عمل مباشر، من بينها 1794 منصب عمل للإناث، وهذا الرقم يعادل ما نسبته 7% من مجموع المناصب المستحدثة. تركّز نشاط النساء، وبنسبة تقدر بـ 57%، ضمن تعاونيات خياطة الملابس الجاهزة، كما كشفت المعطيات الإحصائية عن توجّه النساء نحو الانسحاب من العمل المأجور العمومي، وهذه الملاحظات القائمة على تحليل نتائج إحصائية دُعّمت في جزء منها بنتائج تحليل المقابلات.

نوع العمل

المجموع

ذكور

إناث

خلق أنشطة

5922

5126

796

العمل المأجور

115582

101515

14067

التكوين

2462

859

1603

المجموع

123966

107500

16466

المصدر: معطيات وزارة العمل (1994).

مثلت الفئة العمرية الممتدة ما بين 20-24 سنة في الفترة نفسها ما نسبته 46.6%، وقد غلب على هذه الفئة العمريّة طابع العزوبية عند النساء البطّالات، وبلغت نسبتهن 92% في سنة 1991، في حين لم تتجاوز المتزوجات ما نسبته 3.8% والمطلقات ما نسبته2.2%، والنساء المتواجدات في حالة انفصال ما نسبتهُ 0.8%[15].

تجربة التعاونيّة : فرصة للشباب لتحسين الوضعية الاجتماعية وترقيتها

تمركزت ملاحظة فريق البحث على أحد المناطق الحضرية بغرب البلاد والمتمثل بالتحديد في دائرة السانية (ولاية وهران)، وأيضا بضاحية صغيرة متواجدة بالهضاب العليا والمتمثلة في بلدية المشرية (بولاية النعامة).عرفت هاتان المنطقتان ظروفا مختلفة من حيث تواجد المؤسسات ومن حيث نشاط شبكات التضامن، وأُجري التحقيق الميداني ما بين شهري جويلية وأكتوبر سنة 1994، وقد شمل عينة من الشّباب الذين ينتمون إلى التعاونيات المعتمدة والمستفيدة من القرض البنكي، وأخرى مموّلة ذاتيا. تمحورت التساؤلات الرئيسة حول معرفة كيفية استثمار هؤلاء الشّباب في هذا الشكل من التنظيم ومن العمل، وكانت الغاية تحديد مواقفه من هذه المبادرات المقترحة من طرف الدولة.

بداية، قدّرت نسبة البطالة الوطنية عند الشّباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين16و19 سنة بحوالي 40.9% في حين بلغ المعدل الوطني كان في حدود 21.1%[16]. أمّا الدّراسة حول "البطالة" التي أجراها الديوان الوطني للإحصاء (ONS)، في شهر ماي سنة 1993 بطلب من ولاية وهران، فقد كشفت أنّ 80% من البطّالين يتراوح سنّهم ما بين 19 و35 سنة، بحيث تمثل الفئة الأقلّ من 25 سنة ما نسبته 62.1% (7.82% بالنسبة لأقلّ من 30 سنة)، في حين كانت نسبة البطالة 25%، أي شخص بطّال مقابل كل 4 أفراد متواجدين في حالة نشاط مهني[17]. إذا كانت المدّة المتوسطة لانتظار الحصول على منصب بعد نهاية مرحلة التعليم تفوق 6 سنوات على المستوى الوطني (O.N.S, 1985)، فهذه المدّة لم تتجاوز 3.5 سنة بالنسبة لعيّنة الدّراسة الخاصّة بالشباب المستثمر في التعاونيات في منطقة السانية، بحيث بلغت مدّة البطالة المصرّح بها من طرف العينة المستجوبة كالآتي:

عدد السنوات

1

2

3

4

5

6

8

عدد شباب التعاونيات

4

7

1

4

1

4

2

يجب الإشارة إلى أنّ ما يقارب من ثلثي هذه الفئة المبحوثة (15 مبحوثا من 23 أي 65.21%) لديهم شهادات تكوين مهنية تتناسب في أغلب الأحيان مع نوع النشاط المهني الذي استثمروا فيه، وستّة من بينهم ليست لديهم شهادات علمية ولا شهادة تكوين مهنية في الفترة التي تم استجوابهم فيها، على الرغم من اعتماد أغلبهم على ماضيهم المهني المرجعي للحديث عن نشاطاتهم المهنية السابقة قبل التواجد في التعاونية.

تشير خطابات الشباب المستجوب إلى رغبة في السكوت عمّا تثيره التمثلات الاجتماعية حول "معنى اللاعمل" الذي يشمل بالنسبة لهم "كل نشاط مؤقت، غير مستقر، وخاصّة في القطاع الخاص، وغير مصرّح به، بأجر زهيد وبدون شهادة كشف الأجر في أغلب الأحيان وغير مستفيد من نظام الحماية الاجتماعية". تدفعنا هذه المقاربة إلى توخّي الحذر عند التفكير في تحليل هذه النسبة الهامّة المتمثلة في 65%[18]من شباب التعاونيات الذين لم يمارسوا أي نشاط مهني من قبل، فتجربة العمل ذات الطابع المؤقت وغير المستقرة والمقترنة بأجر غير كاف سبق أن مرّ عليها ثلاثة أرباع العيّنة المستجوبة في القطاع الخاص، لذا يتشابه النشاط المبذول داخل هذه التعاونيات في الأساس مع التجربة المهنية المكتسبة سابقا حتى عندما يُقلّل من شأنها، أو تتناسب في العموم مع مرحلة التكوين الذي استفاد منها هؤلاء الشباب.

تسلّط نتائج هذه الدّراسة الضوء على بعض العناصر التي تحدّد مكانة العمل في مشروع الحياة. ومن هذه زاوية التحليلية يحاول الشباب، المتواجد تحت الضغوطات الاجتماعية للمحيط ونظرة الآخرين له - والتي تستقبل من طرفهم بشكل سيء - الهروب من نظرة الشّفقة المتلازمة عموما مع المناطق الحضرية الصغرى أو النائية التي لا توفّر مجالا للتخفّي عن نظرة المجتمع. لذا يصبح النزوح نحو المناطق الحضرية الكبيرة والهجرة إليها منفذا بسبب الفشل في الظفر بمكانة اجتماعية "بلاصة" في السياق المحلي. يكشف الفشل الاجتماعي للشباب في هذا المستوى عن ضعف النسيج العلائقي أو غيابه، فالعمل بالدرجة الأولى هو فعل الحجب عن الناس، أي "درڤ[19] راسك من الهدرة"، أو "أحمي نفسك من التعليقات السيئة". وفي هذا السياق، يجب التذكير بأنّ السُلطات العمومية لا تزال تستفيد من هذه الوضعية الظرفية المواتية خصوصا عند الفتيات بسبب أسبقية مشروع الزواج عندهم على المشروع المهني، فبقاء المرأة بالبيت مقبول اجتماعيا حتى ولو أنّ التطوّر الاجتماعي والاقتصادي في السنوات المقبلة يمكنه أن يفرض العمل على جميع أفراد الأسرة الذين هم في سنّ العمل، كما أنّ الصعوبات ستظهر شيئا فشيئا مع ارتفاع سنّ الزواج.

يكتسي البحث عن عمل أو نشاط مستقل أسسا اقتصادية وأخلاقية، فالمحافظة على الاحترام والكرامة هما قيمتان غائبتان عن الشباب في الحالات المجرّبة سابقا قبل الولوج لعالم التعاونيات، فما هو موجود موضع التحدي عندهم في هذا المستوى هو البحث عن نموذج للنجاح الاجتماعي أولا، والحاجة لإظهار أنّهم متحكّمين في زمام أفعالهم ثانيا، فامتلاك الشاب" لحانوته" (متجر صغير) هو أقرب لنموذج المجتمع التقليدي الذي تطغى عليه الذهنيات الحرفية منه إلى النموذج القائم على الثقافة المقاولاتية، وهذا الوضع يمثل تعبيرا عن نظرة مزدوجة حول الوضع القائم: يتعلّق الجانب الأول منها برفض قواعد اللعبة الاجتماعية المعدّة مسبقا والتي تسمح بوجود فرص للنجاح فقط بالنسبة للمتحكمين التقليديين في رؤوس الأموال، ويتعلق الجانب الثاني منها برفض حالة الركود وعدم الحراك الاجتماعي الذي يمثّله نموذج العامل صاحب المكانة الاقتصادية والاجتماعية غير المتغيرة والتي لا تنتج حراكا اجتماعيا تصاعديا.

يغتنم الشّباب كل الإمكانيات من أجل المحافظة على الرابط الاجتماعي رغم كونهم ضحية اختيارات اقتصادية واجتماعية إقصائية يترتّب عنها أشكال تهميش مختلفة. قدرتهم على مواجهتها مرتبطة أساسا بطبيعة ظروفهم الاجتماعية، ومن هنا يبدو الوضع بعيدا عمّا تقترحه السلطات العمومية لمواجهة إشكالية الاندماج المهني-الاجتماعي، فالتعاونيّات تشكّل في الواقع فرصة بالنسبة للذين يملكون تجربة مهنية سابقة تستغل لتحسين وتغيير أو تأمين المكانة الاجتماعية، لذا فهي فرصة لتحقيق الترقية الاجتماعية وليست إدماجا مهنيا. في الوقت نفسه، يمكن اعتبار التعاونيّات الموجودة في حالة نشاط أو التي حوّل نشاطها وكذا ممارسات الطرابندو (التجارة غير الشرعية) من بين الطرق المتّبعة من طرف الشّباب للتنافس من أجل تحقيق الاندماج الاجتماعي.

لقد بيّنّ فريق البحث، الذي أجرى التحقيق مع شباب التعاونيات في الفترة الممتدة ما بين جويلية وأكتوبر 1994 بناء على35 مقابلة معمقّة في بلديتي السانيا (ولاية وهران) والمشرية (ولاية النعامة)، أنّ هذه الفئة تتحرك بطريقتها الخاصة، ولا تكتفي بالخضوع لما تقترحه هذه السياسات العمومية حول مصيرها، لذا فنحن أمام حالة من الفعل الاجتماعي ذات دلالة واضحة، فالشباب يمتحن قدرة سياسة السلطات العمومية المتأخرة في اقتراح الحلول لمشاكله، وإذا كانت الصورة السائدة عن هذه الفئة هي في الأساس صورة مهزومة تواجه مصيرها لوحدها وتواجه خطر التهميش، فالواقع يبيّن عكس ذلك تماما، ويكشف عن نشاط يصنّفها في خانة الفاعل الاجتماعي. فمثلا، تؤدي قدرة الخيّال التي تميّز "الطرابنديست" وَ"الحطيسيت" إلى فرض التفاوض مع بقية فاعلي المجتمع (أسرة، مؤسسات، الذات) وإلى إعادة تشكيل للعلاقات معها.

مسّ البحث أيضا فئة الشّباب الذين ينتمون إلى تعاونيات التي نالت الاعتماد واستفادت من القروض البنكية وبعض التعاونيات المموّلة ذاتيا. وفي هذا السياق أجريت المقابلات مع عشرين شابا و4 من الأئمة، وقد سعى السؤال الرئيس لهذا التحقيق إلى الإجابة عن التساؤلين التاليين: إذا كانت مبادرة السلطات العمومية تندرج ضمن سياق تشجيع الشّباب على استحداث تعاونيات في إطار عملية الاندماج المهني للشّباب، فماهي فئات الشّباب المعنية بهذا البرنامج؟ وإذا كان تجسيد المشاريع الانتاجية والخدماتية التي استفادت من قروض بنكية لم يكن ممكنا في حقيقة الأمر إلاّ بفضل الدعم المادي للأسرة، فما هي القراءة الممكنة حول شروط الحصول على القرض[20] المنصوص عليها في المقرّر الوزاري رقم 371 المؤرخ في ديسمبر 1991؟[21].

قُدِرت القيمة المتوسطة للقروض الممنوحة في إطار تكوين التعاونية الواحدة ببلدية السانية بمبلغ 642.000 دج، وقد استهلكت تعاونيات هذه البلدية كل حصة التمويل باستثناء تعاونية الميكانيكيا العامة (93.3%)، وتعاونية مواد البناء (23.7%)، أمّا النشاطات التي استفادت من هذه القروض فهي كالآتي: النجارة (تعاونية المشعل)، صناعة الحلويات (السعادة)، مواد البناء (السلام)، التلحيم (الشّباب)، تصليح العجلات المطاطية (نجمة)، الخياطة (صابرينة)، صناعة النحاس(الانتصار)، الميكانيكا العامة، الخراطة (السلام)، المخبزة (النجاح).

لا يبدو أنّ أسماء التعاونيات لها علاقة بنوع النشاطات المستثمر فيها، ولكنها مع ذلك تستوجب مقارنتها بتمثلات الشباب وطموحاتهم ومصيرهم ومستقبلهم الجماعي والفردي، فرمزية الأسماء المقترحة من طرف حاملي مشاريع التعاونيات تعبّرُ على التفاؤل والأمل والتوتّر اتجاه بعض المواضيع، وتدفع في الوقت نفسه نحو التهدئة في ظل سياق اجتماعي متّسم بالعنف والإرهاب، لذا يمكن القول أنّ طموح تكوين المشروع الجماعي يتوافق مع المستقبل الفردي، وهنا يظهر رفض الفشل والإقصاء اللذان يعبّران عن قيّم الاعتراف بوجودهم، ويبدو أنّ هؤلاء الشّباب يرفضون الهزيمة من خلال مواجهة كل أشكال الصعوبات التي تعترض طريقهم.

نموذج الشّاب موضوع هذا التحقيق الميداني الذي يشتغل في التعاونيات يختلف حسب النوع (أغلبه من جنس الذكر، أنثى واحدة كانت موضوع التحقيق الميداني)، فمعدل سنه 26.3%[22]، موزعُون بين حالتي العزوبة (سبعة عشر شابا) وحالة متزوّجين (6 حالات)، ومن المستويات الدراسية المختلفة[23]، هو حالهم كذلك إزاء أداء واجب الخدمة الوطنية[24]. من بين الخصائص الأخرى التي تستوجب الذكر، تواجد أفراد من عائلة واحدة في التعاونية نفسها، كما نلمس دعم العائلة ومساهمتها في التكفّل بالمشروع، ونسجّل هذا الإطار تواجدا للشباب الذين لهم قرابة عائلية على مستوى 7 تعاونيات، كما نسجل تكوّن تعاونية بطرق غير متوقعة ونتاج لقاءات غير متوقّعة بين حاملي المشروع مع استفادتهم من محل وضع تحت تصرّفهم من طرف العائلة لمزاولة النشاط المهني، كما نلاحظ وجود 6 تعاونيات تكوّنت بفعل الإسهام المالي للعائلة، دون أن ننسى الإشارة إلى مساهمتها في تذليل الإجراءات الإدارية من دون تجاهل لدعمها المعنوي.

العائلة : الحضور الدائم لمؤسسة اجتماعية قاعديّة

توفّر العائلة للشّباب المأوى والحماية، وتمنحه فسحة اجتماعية مؤقتة في انتظار الاستفادة من نتائج استثمارها الطويل في تربيته. يعتمد الشكل المقترح من طرف السلطات العمومية للتعاونية على الجمع بين نموذجين: نموذج اقتصادي حديث قائم على القرض البنكي، ونموذج اجتماعي أساسه العلاقة التقليدية المتمثل في مساهمة العائلة في هذا المشروع.

يختلط ترتيب الأولويات عند الشباب بين البحث عن الاستقلالية الذاتية والبحث عن المدخول المادي، وحينما يتحقّق هذا العنصر الأخير تبدأ مفاوضات، رهانها الأساسي تحديد المكانة المخصّصة للشاب بين أفراد عائلته، وهنا نلمس التغيير في المكانة الاجتماعية. ومن هذا المنطلق، لا يشكل موضوع الحيازة على منزل فردي مطلبا أوّليا في تمثلاتهم. فإذا اعتبرنا أنّ سيرورة تنشئة الفرد لا تتمّ ضمن فراغ ثقافي، فإنّ إعادة النظر في نموذج التنشئة الاجتماعية المحدّد مسبقا تدفع الباحث لتسليط الضوء على مسؤولية الشّاب بوصفه فاعلا اجتماعيا، فنشاط التعاونية يستوجب توقيع العقود بين ممثلي الدولة وبين حاملي مشاريع التعاونيات، وبمجرّد أن تقيّد أسماء هؤلاء أثناء ممارسة التوقيع على الوثائق الرسمية يتحوّل هؤلاء الشركاء الأساسيون إلى سنّ الرشد. وفي الوقت نفسه تبدأ صعوبات غير منتظرة - مرتبطة أساسا بغياب "المحلّ" الذي يعرقل ميدانيا تنفيذ المشروع - في الظهور بعد مرور ستّة أشهر من انطلاق مشاريع التعاونيات.

وغالبا ما تدفع هذه الوضعية إلى أحد المخرجين: إمّا توقيف المشروع وعرقلة تنفيذه في الميدان، أو تحويل العتاد المتحصّل عليه عن غايته الأساسية باستعماله في المضاربة في ظل اقتصاد النذرة. ومن أجل الحصول على محلّ، والذي يشكّل قاعدة أساسية لمشروع التعاونية، يجب لزاما التواجد في إحدى الوضعيتين: إمّا أن يكون لحاملي المشاريع محلات خاصة بهم، وفي أغلب الأحيان يكون أولياؤهم هم المالكين لها، أو أن يلجؤوا للكراء، وهذا الإجراء في حدّ ذاته أمر عسير ليس بسبب تردّد المالكين فقط وإنّما بسبب ارتفاع أسعار الإيجار المقترحة.

يؤدي إحداث تغيير في التدابير القانونية والتشريعية الخاصة بحماية حقوق المالكين الذين يقومون بكراء محلاتهم إلى تغييرات حقيقية، ففرض شرط "المحلّ" لاعتماد مشروع التعاونيّة الشبانية يعكس جانبا من عدم واقعية السياسيات العمومية، لأنّه يسمح بتكريس هذه التعاونيّات داخل النسيج العائلي فقط، ويحدث انتقاء موضوعيا للمستفيدين من القروض البنكية ويمنح الأولوية لمن تملك عائلاتهم محلا بإمكانها أن تضعه تحت تصرّف مشروع التعاونية، وهذا الشرط المحدّد من طرف المؤسسات البنكية يدفع إلى تطوّر العشوائي للمحلاّت وبروز ظاهرة تحويل المرائب إلى أماكن للنشاط التعاوني في الأحياء الجديدة وضواحي المدن، وبهذا الإجراء تعتمد الدّولة من جديد على العائلة، ويظهر ذلك في صورة نداء تطالبها فيه بالعودة لاحترام "النظام" من طرف كل من له ميل نحو الاستقلالية.

وفي الواقع، أدّى نمط تعامل الدولة مع توزيع الريع البترولي إلى تسيير المجتمع وفق منطقين مختلفين. يرتبط الأول بفكرة النمو الاقتصادي الذي يُنظر فيه للفرد على أنّه فاعل اقتصادي منتج، أمّا المنطق الثاني فهو خاص بالفضاء الاجتماعي، ويُبقي الفرد ضمن نطاق العائلة في ظل تجاهل رغبته واستراتيجيته لامتلاك منزل فردي. وبعيدا عن توصيف ذلك بقصور في النّظر، يعكس هذا النموذج اختيارا غير مفهوم لأنّه لا يؤدي إلاّ إلى سدّ المجال أمام بروز الفرد الاقتصادي المواطن بأتمّ معنى اللفظ. وإذا كان جميع شباب التعاونيات الذين قمنا باستجوابهم يعيشون عند أوليائهم، فالسؤال الذي يُطرح في هذا المقام هو: أين ستجري لعبة تشكيل الاستقلالية؟ وما هي أفعال الشباب الدالة على ذلك؟ وهل يحيل عدم البحث الدائم عن موافقة العائلة إلى ركوب مخاطر "الهدّة" (الهجرة) إلى خارج الوطن، خصوصا أنّ مشروع التعاونيّة "يُبْقي" الشباب ضمنها[25]،على الرغم من محاولة بعضهم الهرب منها؟ وهل تحيل إلى تبني نمط أخر للعيش مع التناقضات والإكراهات التي ستمثل نقاط ارتكاز من أجل رسم مسار مشروع شخصي اعتمادا على التعاونية بوصفها كيانا قانونيا يستند على عوامل ملموسة مثل المحلّ، توفّر المال والوسائل المادية أو من خلال بدايات العوائد المالية للنشاط التعاوني؟ وأمام هذا الواقع الذي لا ينفي وجود العراقيل، فإنّ الشباب لا يتعايش معها بسلبية، بل يواجهها بالقبول لأنّ وضعه مؤمّن بفعل العناصر الموضوعية سالفة الذكر، لذا يمكن اعتبار استخدام الشباب للتعاونيات، الموجودة في حالة نشاط أو التي تمّ تغيير وجهة نشاطها أو ممارسات التجارة غير الشرعية المسماة "تراباندو"، طرقا للنضال من أجل الاندماج الاجتماعي[26].

الحيطيست : من صورة رمزية إلى واقع متحرّك

ماذا يمكن القول عن الصورة الاجتماعية للشاب الموجود في حالة هشاشة اجتماعية والمكنى "حيطيست"؟ تبدو الصورة الاجتماعية "الحيطيست" (مصدر اللفظ من "حائط" أو الجدار) ثابتة غير متحركة (يَستنِد على الحائط) أو في حالة انتظار، فهو ينتمي إلى فئة غير ناشطة، لا يملك القدرة على المبادرة ومستبعد من مجالين اجتماعيين لهما دور في صناعة قيمته اجتماعية وهما المدرسة وعالم الشّغل.

بدت هذه الصورة أيضا في تعاليق أحد قيادات الأحزاب السياسية المترشحة للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 1995. فنورالدين بوكروح، رئيس حزب التجديد الجزائري (سابقا)، يقدم توصيفا يمكنه أن يدرج ضمن بعض السيّر الأنطولوجية. فهو يعتبر أنّ الحيطيست: "صورة حيّة للفرد المتروك لشأنه، غير المرتبط بجماعة، وغير المعني بما يدور حوله، وغير المبالى به وغير المشارك فيما يدور حوله"، فهو "كائن مقصى، مكبّل اليدين ومكبل الأفكار ومقتنع بأنّ كل شيء أمامه مسدود"، وهذه الحالة تمثل شكلا من أشكال "الفراغ التام للروح"[27].

لا يقتصر الوصم الذي يلحق بصورة هذه الفئة على الساسة فقط، فبعض المحلّلين يقترحون لهذه الصورة أحيانا صورة سطحية وآنية نوعا ما، وفي هذا المجال يقارن الهواري عدي بين "صورة الحيطيست" و"الصورة مستشرق" الأكثر تنقيبا، إذ يقول عن هذا الأخير: "أنّه لا يمكنه أن يفهم شيئا عن شعبية الإسلام السياسي بالجزائر إذا لم يذهب إلى الميدان ليستوعب تطلعات "الحيطيست"، (شباب عاطل عن العمل) بوصفه عنصرا ميدانيا فاعلا للجبهة الاسلامية للإنقاذ"[28].

ويتكلّم في السياق ذاته عمر كارلي أيضا عن هؤلاء الشّباب الذين "يستندون إلى الحائط"، ويقدّم عنهم الصورة التالية قائلا: "نقصد بهم هؤلاء المراهقين العاطلين، المفلسين، سواء المستندين منهم على الجدار أو غير المستندين عليه، الذين يستهلكون وقتهم في الشارع للتحدّث عن الكرة وأغنية الراي، يترقّبون المارة، يمازحون الفتيات من تلاميذ الثانويات في أوقات الدخول أو الخروج من المدرسة، وعندما يكونون بوسط مدينة مثل الجزائر العاصمة، يتهكّمون عن من يسمونهم بـ"لاتشي تشي"، وهو لفظ يشير إلى الفتاة التي تنتمي إلى الأحياء الراقية والتي توقض رغباتهم ولكن تثير حقدهم"[29]، ومن هنا لا يرتبط وصم[30] الشاب الحيطيست بحالة البطالة فقط، ومن المفارقة أنّ الشاب نفسه ينتهي إلى تقبّل هذه الصورة عن نفسه وإذاعتها كشكل من أشكال التحدّي.

ينصبّ اهتمامنا على معرفة من هي هذه الفئة من الشّباب التي تبدو أنّها لا تملك دورا تقوم به؟ وما هي اهتماماتها؟ تسعى المقاربة المقترحة لإيجاد قطيعة مع حالة الجمود التي يميّز مختلف أنواع الوسم والوصم اللصيقتين بالصورة الاجتماعية للحيطيست. حاولنا من خلال هذا التحقيق، استنباط بعض المؤشرات المؤقتة انطلاقا من ثلاثين مقابلة أجريت مع شباب يصفون أنفسهم بالحيطست ويوجدون في قطيعة مع المدرسة ومع النشاط المهني الدائم والمستقر. من بين النقاط التي تطرّقنا إليها في المقابلات المبرمجة مع هذه الفئة نذكر المحاور التالية: محور حول المعلومات الشخصية، محور خاص بالمسار الدراسي والتكوين والنشاطات المهنية، محور حول العلاقة مع العائلة والحياة اليومية، محور العلاقة بالوقت وبـ"الهدّة" والمشاريع الأخرى.

يبدو الملمح الاجتماعي الأولي الذي يتجلى عن الحيطيست كما يلي: هو شاب، ذكر، أعزب، موجود في وضعية ترقّب للعمل المستقر، يمارس أحيانا بعض "النشاطات" ويرفض اعتبارها أو تسميتها بـ"العمل". يعكس التحقيق الميداني الذي تمّ إنجازه مع هؤلاء الشّباب الحيطيست حالة القطيعة الفعلية مع المسار الدّراسي (التّخلّي عن مقاعد الدراسة أو الإقصاء المدرسي)، فهم يجدون صعوبة في الالتحاق بالتكوين المهني أو الحصول على عمل دائم ومستقر، وهذا الوضع لا يختلف عن سياق يجب التذكير به، والمتمثل في ظاهرة التسرّب المدرسي على المستوى الوطني والتي تمسّ سنويا عددا معتبرا من التلاميذ، في حين أنّ التكوين المهني لا يستقبل سوى عددًا قليلاً منهم في إطار التربّصات المهنية.

الصورة التي تتشكّل عن الحيطيست من خلال هذا التحقيق هي صورة ذلك الشابّ الموجود في حالة عدم رضى عن ظروفه بالرغم من استعداده ليكون نافعا في محيطه، لا يقبل في كل الحالات عروض العمل المقترحة عليه خاصة إذا كان ذا مستوى دراسي ثانوي أو جامعي. الشاب الحيطيست، وعلى الرغم من استناده على الجدار، إلا أنّه ليس موجودا أمام أفق مسدودة، فهو يملك هامشا من الحريّة لتجسيد بعض الاختيارات. نقول هذا ونحن نعلم أنّ الفاعلين الاجتماعيين، وإن كانوا يواجهون ظروفا شديدة التعقيد، فإنّ ذلك لا يعني أنّهم محطّمون تماما لأنّهم يتفاعلون مع مشاكل محيطهم[31].

يمكن لعالم الحيطيست أن يحدث فيه كل شيء بما في ذلك ظهور الفرصة الاستثنائية للترقية الاجتماعية، خاصة إذا كانت القواعد المسيّرة لهذا العالم عالم تسير بـ "المْعارف" و"لكتاف أو المحسوبية". من الصعب، في مثل هذه الظروف، تصوّر تحقّق المشاريع على المدى القصير، وهذا الشاب "الحيطيست"، الذي يشعر بحقوقه المهضومة في المجتمع، وبالخصوص حقّه في العمل بالدرجة الأولى، مندمج بشكل أو بآخر ضمن محيطه العائلي، فوالداه، اللذان تمنيا رؤيته يواصل مسارا تكوينيا أو يمارس نشاطا مهنيا يحميه من "الشارع" (الزنقة) يكتفيان بوجوده بجانبهما، و"تحت أعينهما"، بعيدا عن كل مظاهر الخطر التي قد تواجهه. فهو مستفيد من دعمهما، ولا سيما الدعم المالي، بحيث تبدو والدته الفاعل الاجتماعي الأقرب منه. ويمكن أن تنتج وضعية الحيطيست، في بعض الأحيان، صراعات مع الأولياء، خاصة مع الأب أو الأخ الأكبر، ولكن قلّما يؤدي ذلك إلى مغادرة المنزل أو هجرانه، وفي مثل هذه المواقف التي يصادفها مع الأولياء، يعيش الشاب ظروفه بشكل أقلّ مأسوية.

لا يمكن لهذه العناصر أن تكتم الأزمة العميقة التي تعيشها العائلة في ظل إعادة النّظر في دور الأب ضمنها، وهذه ظاهرة سبق أن أشار إليها عمر لرجان[32] على وجه الخصوص، بحيث تظهر وضعية الأب - وباستثناء بعض المواقف النادرة والأكثر حرجا - وكأنّها شخصية توفيقية أو مغيبة إراديا، ولكن هذا الموقف لا يعني قبول الشاب السهل بوضعية "الابن"[33]. نفهم أيضا أنّ مشروع تكوين عائلة عند الشّاب الحيطيست بعيد المنال. وبشكل عام، إذا كان الشاب الحيطيست يعطي لنفسه صورة تعبّر عن معيش التهميش والإقصاء، فذلك يعني أنّنا أمام حاجة جلية وقويّة لمطلب الإدماج، وهذا المطلب يظهر متناسبا مع ما يعبّر عنه جاك بيرك J. Berque بـ"المهزوم الوجودي"[34]، ضحية نظرة المجتمع له وضحية وصم. نقول هذا ونحن نعلم الأهميّة التي تكتسيها نظرة المجتمع اتجاه أفراده: "ففي الواقع، تشير نظرة المجتمع إلى الوضع الاجتماعي الموجود بين حالتي التشكل والتحلّل، كما تشير إلى الحراك الذي يسايره، وتعكس الانطباعات التي يتلقاها الأفراد والجماعات: فكل شخص يقرأ مكانته في عيون الآخرين، ومن هنا يتشكّل مصيرهم المشترك"[35]. يقدّم جاك بيرك هذه الحقائق بعدما أخذ على عاتقه عناية تقديم الشرح التالي حول نظرة المجتمع إذ يقول :"هناك ما هو أسوء من نظرة الإهانة: غياب النظرة أو تدليسها وتزويرها"[36]، ومن هنا تعكس نظرة المجتمع حسب قوفمان E. Goffman أمرا ضروريا بالنسبة للفرد أثناء تكوين صورته عن نفسه والتي يقع عليه دور تحويل الأنظار إذا أراد التمتّع بمظهر عاد وضروري لتجنب أو تجاوز حالات انعدام الاحترام وفقدان السمعة"[37]. ألا نطلب من الشّاب، وحتى من كل شخص يحتمل أن يكون عرضة للوسم والوصم أن يحمي ذاته من نظرة الناس (درڤ راسك من العين)؟

كتب بناني غريبي في خلاصة لتحقيقه الميداني حول الشّباب بالمغرب ما يلي: "الزمن الحالي ليس زمنا للقطيعة ولكنه زمن للتسويّة"، فالعسر متواجد وحاضر، لأنّ التحوّل يعاش في جو منعدم من الأمن، وتأكيد الذات مترافق مع القلق أمام هدم العلاقات الاجتماعية، ومن هنا ينبع الحلم في أن يصبح الفرد مواطنا، أي متصالحا مع الجماعة، لأنّ التفاوض والتأرجح بين ما هو مثالي وما هو معمول به يلاحظ حتى عندما يحاول الفرد الاندماج في المجتمع"[38]، وإذا كان الباحث يتحدث في هذا السياق على سبيل التحديد عن فكرتي "الترقيع" و"التسوية"، فإنّنا نميل في بحثنا هذا إلى الحديث عن ذلك "الغموض" بنوع من الثناء بالمعنى المتناقض للمصطلح.

يظهر الحيطيست دوما على أنّ لديه علاقة وجودية بالوقت، ويمكن أن نرى فيه الشخص الذي يبحث باستمرار عن "قتل" الوقت، وفي بعض الحالات يتمثل نفسه شخصا استهلكه الزمن مع أنّه عندما سألنا بعضهم حول النشاطات الثقافية والرياضية الممارسة وجدنا، من بينهم، من يؤكد عدم مزاولة أي من هذه الأنشطة بحجة عدم وجود وقت لذلك، فاستهلاك الوقت يجب أن يكون في البحث عن العمل، والجري وراء لقمة العيش ("الجري وراء الخبزة")،وفي غالب الأحيان يعكف الشّباب الحيطيست إمّا على ممارسة النشاطات الرياضية، وبالتحديد كرة القدم في شكل مباريات بين الأحياء، أو تشجيع فريق الحي أو "الحومة"التي يسكنون فيها. يصرح عمّار (22 سنة، مستوى السنة الثالثة ثانوي (1991-1992) أحد الشباب المستجوب قائلا: "كرة اليد تسري في دمي"، أمّا بوزيان (26 سنة، مستوى السادسة ابتدائي) فيعتبر "كرة القدم" هي الحياة/هي العمر".

ميل الحيطيست وتوجهه إلى هذه الأنشطة مرتبط بالبحث عن التماثل مع الرجولة (الرُجْلة)، فهؤلاء يعطون قيمة للملاكمة وممارسة فنون الدفاع الذاتي، بينما تأخذ رياضة تقوية العضلات الأسبقية عندهم، فجاذبية قاعات تقوية العضلات بالنسبة للشّباب (المكناة صالت الحديد في التعبير الشبابي) من بين الظواهر التي تلفت الانتباه في السنوات الأخيرة، وهو ما يفسر تضاعفها في كل الأحياء لارتفاع مردوديتها المالية، وهنا من المفيد إعطاء الأهمية البحثية لها لما تمثله هذه الفضاءات الاجتماعية وبوصفها أماكن للتنشئة.

لقد رأينا أيضا أنّ أغنية الراي تعتبر أساسا "موسيقى تخترق الممنوع لأنّها موسيقى الحبّ الجسدي وموسيقى الفرد ورغباته"[39]. نريد في هذا المجال أن نقترح مقاربة لهذا العنصر ترتبط بموضوع بحثنا. يستمع الحيطيست لمختلف أنواع الموسيقى بما في ذلك الأغنية الشرقية، ولكنه يرقص على أنغام أغنية الراي التي "يجد نفسه" متناغما معها، ويتشابه الأمر عنده مع حالة الغوص الذي يشبه الإبحار في نظرة الحبيبة (عينيك كعينيا عينيك شابين).

سبق أن أشار كل من بوزيان داودي والحاج الملياني في خلاصة كتابهما الموسوم "مغامرة الراي: الموسيقى و المجتمع" إلى أنّ هذا النوع الغنائي "أقل من أن يكون تعبيرا عن طفرة أو تحوّل مفاجئ لثقافة حضرية مستهلكة، بل هو حالة انتقالية يجد الأفراد فيها أنفسهم بين مفترق أنماط من سلوكات المعيش الاجتماعي، في الحدود بين المدينة والريف من جهة وبين الفردانية والانتماء إلى الجماعة من جهة أخرى"[40]. تبدو هذه الملاحظة صحيحة، لكننا نميل إلى الاعتبار القائل أنّ الحيطيست لا يجد في أغنية الراي فقط إمكانية الوجود أو التواجد في مفترق فضاءاته ولكن، يمكنه التحرّك وتجاوز مختلف العتبات المحددّة للواقع الاجتماعي المعاش.

لا يمكن تسليط الضوء على بعض أشكال بروز الفرد والاهتمام به فقط من زاوية القطيعة واختراق المحظور، فالواقع يبدو أكثر تعقيدا وأكثر تناقضا، وهذه الظواهر تعكس تجذرا حقيقيا للتراث الشعبي (شعر، موسيقى) وشعورا باستمرارية التواصل معها. ولا ينفصل شعور الحيطيست كليا عن الجماعة ولكن يتجه، مع أغنية الراي، إلى الانخراط في مستويات أخرى من المؤانسة الاجتماعية، وهذا ما يفسر الاهتمام الذي توليه هذه الفئة لمختلف الاحتفالات والتي تمثل فرصا للاجتماع الإنساني بالآخرين، فهو دائم الترقّب للدعوات من أجل المشاركة فيها، وعندما لا يستدعى لمثل هذه المناسبات لتقديم المساعدة أو الحضور يتضاعف شعوره بمرارة الإقصاء.

يعيش الحيطيست حالته الاجتماعية بوصفها شكلاً من أشكال العبور للصحراء، فالنجاح الاجتماعي، بالنسبة إليه، يعني تجاوز العراقيل ورفض كل حالة من حالات الإنطواء والانفصال. علينا القول أنّ مخياله الاجتماعي في حالة انسداد، بحيث لا تكتفي أغنية الراي بجعل المرأة موضوعا لأغانيها فقط، بل تدفعها لكي تحتلّ صدارة المواضيع ذات الاهتمام الاجتماعي، وهذا الوضع تعبّر عنه ألفاظ المغنيات اللواتي يحملن كنية "الشيخة" (الرميتي، الجنية...إلخ.) أو "كنية" الشابة (فضيلة، الزهوانية، إلخ.)، كما يمكن للزوج في الحياة اليومية (الشابة فضيلة والشاب صحراوي) أن يتحوّل إلى ثنائي غنائي ويصبحان في فترة معينة رمزا للأغنية الثنائية في نوع الراي، وهذا التوصيف سيتواصل بشكل تكراري وتداولي على شاكلة الثنائي الغنائي "الشاب حميد والزهوانية"، "الشاب حسني والزهوانية"،"الجنية والشاب عبد الحق...إلخ". ولا يتردّد هؤلاء المغنون في تجاوز الحدود اللسانية المرتبطة بمسألة نقاوة اللغة والتي غالبا ما تكون شعارا لمقاولي الأخلاق والقيم.

من جهة أخرى، ترتبط رهانات "الهدّة" بالدرجة الأول بالمكانة التي يحتلها الشابّ في الوسط الأسري: "ففي تمثلات الشباب تسمح الهدّة، وبشكل متناقض، بإعادة رسم تموقع اجتماعي جديد مقارنة بالمجتمع الأصلي بمجرد الالتحاق بوسط اجتماعي آخر وبمجرد تحقيق التراكم المادي الضروري لذلك"، فالهدّة (الرحيل أو مشروع الهجرة) تعبّر عن حالة من الانسداد والجمود، أين يحسّ الشّباب أنّهم أول ضحايا بحثهم عن عمل وزواج والسكن الخاص، فموضوع الهدّة يجدّد بطريقة راديكالية مسألة التطلّع إلى الهجرة متجاوزا بذلك مفاهيم مثل الغربة.

يشكل التطلّع إلى "الهدّة" قبل كل شيء ضغطا بالنسبة للمحيط العائلي للحيطيست، ويؤكد، وفق ظروف مختلفة، فرضية إعادة التفاوض بشأن مكانته بوصفه شابًا ضمنها، ولكن ما تثيره أغنية الراي "الهربة وين" (بمعنى إلى أين الهروب؟) يكشف عن المفارقة الموجودة بين تقريب المسافات بين الأماكن - مثل ما هو الشأن حاليا بفعل تقلص زمن الرحلات بسبب التحليق الجوي وأيضا بفعل التمكن من تملك الهوائيات المقعرات) - وبين تصاعد عراقيل السفر والتنقل والحركة[41]، وهذا الوضع يستدعي من الشباب التغلّب عليها واستعمال الحيلة في طريقة التعامل مع عتبات ما هو مسموح به اجتماعيا ومع حدود التي يرسمها المخيال.

نساء عاطلات عن العمل

نحاول في الجزء الثاني من هذا المقال الاهتمام بوضعية النساء في مرحلة الشباب من خلال إعادة بناء الإطار المرجعي المتعلّق بمعاشهن وتمثلاتهن للعمل استنادا على تحليل مقابلات أجريت مع شابتين عاطلتين عن العمل (حالتان)، ومع 15 شابة أخرى موجودة في مرحلة تكوين المهني، ومع 4 شابات يزاولن نشاطات مهنية مؤقتة.

الحالة الأولى تمثلها السيِّدة ز، امرأة متزوجة

تتحدّد علاقات البطّالات بالعمل وفق حالاتهن العائلية، فالمرأة المتزوجة، وإن كانت تتمثل نفسها عاطلة عن العمل، فهي تعبّر عن رغبة في مزاولة عمل في منزلها أو على الأقل في مكان لا يتواجد فيه إلا النساء، كما تعتبر أنّ التعليم هو المهنة المثالية بالنسبة لهّا. تصرّح السيدة "ز"، المقيمة في مدينة وهران والبالغة من العمر 26 سنة[42] أنّها بصدد البحث عن الشغل منذ 6 سنوات، "ولكن للأسف عند حصولي على أول استدعاء بعد 5 سنوات من الانتظار كنت قد تزوجت وزوجي لم يرض بخروجي للعمل لأنّه ضد عمل المرأة خارج البيت" رغم مزاولتها الدّراسة في مدرسة للتكوين المهني المتخصّص في الإعلام الآلي، وفي الوقت الذي كانت فتيات أخريات تختار تعلّم الخياطة والطرز. تقول المستجوبة :

"إذا كانت لي حرية الاختيار أفضل العمل في مجال تخصّصي (الإعلام الآلي) وبما أنّني تلقيت تكوينا، فهذه حرفتي...".

حاولت السيدة "ز" أن تضع حدا لوضعية البطالة عندها وذلك بإرسال طلبات عمل إلى العديد من المؤسسات، كما لجأت لتسجيل نفسها في قوائم الديوان الوطني لليد العاملة. تعتبر المستجوبة، وأمام الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها (حامل في شهرها السادس، تسكن في عمارة مهدّدة بالسقوط)،أنّه لا حلّ لوضعها المادي المزري سوى تسامح زوجها مع فكرة خروجها للعمل، وبالنسبة لهذه الشابّة، فإنّ إنجاز المشروع العائلي لا يمثل غاية في حدّ ذاته، كما أنّ الزواج لا يمكنه أن يعوّض حالة النشاط المهني. يؤسّس هذا التصوّر لنظرتها الاجتماعية للعمل - والتي تكاد تكون مرتبطة مباشرة بعامل السنّ عندها - ونظرتها لدورها في المجتمع. تصرّح المستجوبة قائلة:

"على الأقل أقول أنّني أنجزت عملا مهما في حياتي... لم أقم فقط بالزواج وإنجاب الأولاد، وإنّما ساهمت مثلا في تكوين الشّباب.... في حين أن التقاعد بالنسبة لي لا يعني لي أي شـيء".(وهنا ترد الأم: "الزوج لا يمنح لك معاشا ولكن العمل يضمنه لك").

لقد غادرت السيدة "ز" المدرسة في سنة 1986، وبعد أربع سنوات من ذلك وجدت نفسها حائزة على شهادة في الإعلام الآلي لا تدري ما العمل بها. التحقت المبحوثة بالحياة المهنية من بوابة البطالة وبقيت على ذلك الحال ما يقارب الثلاث سنوات. أوّل تجربة لها مع العمل المأجور مرتبطة بتقديمها لدروس تدعيمية لأحد أبناء جيرانيها كان يواجه صعوبات التحصيل في المرحلة الابتدائية في بيته. استغرقت هذه التجربة المهنية مدّة سنتين. لا تصنّف السيدة "ز" هذه التجربة المهنية على أنّها فترة عمل ظرفي أو على أنّها عمل بالبيت، فهذه المبحوثة تقدم نفسها دوما في صورة العاطلة عن العمل عندما لا تستعمل صفة الماكثة في البيت لتحديد هويتها لمحقّقي الإحصاء الرسميين، شأنها في ذلك شأن بقية المستجوبات في هذا التحقيق.

تبدي السيدة "ز" نوعا من الواقعية في التعامل مع وضعها الاجتماعي، وتحاول البحث عن توافق بين تحقيق تطلّعاتها الشخصية من خلال العمل وبين مواقف زوجها السلبية منه، وهو ما يتعارض تماما مع موقف والدتها التي تتصوّر أنّه ليس لها أي شيء تخسره في وضعيتها الاجتماعية الحالية:

"أنا لا أبالي لما يقوله الجيران، ليسوا هم من يؤمنون لهم الطعام".

تتصوّر السيدة "ز" نفسها قادرة على الشغل ببيتها ككاتبة بالإعلام الآلي إذا ما توفر لها جهاز كومبيوتر، أو حتى قادرة على تسيير دار صغيرة لحضانة الأطفال وتصرّح قائلة:

"يمكن أن أقوم بحضانة أطفال هنا عندي بالمنزل... فزوجي لا يمانع ذلك بما أنّ كل ما يريده هو أن لا أخرج من البيت".

تعبّر السيدة "ز" عن عجز واضح في التطلّع إلى المستقبل برغم صغر سنها (26 سنة) ووضعها العائلي وشهادتها في تخصّص الإعلام الآلي وتواجدها بمدينة مثل مدينة وهران، فهذه الشابة تجد صعوبة بالغة في اقتراح نشاط مهني أو اثنين يُمكِنها الاستثمار في أحدهما. يترجم هذا العجز بشكل واضح في موقفها المنفعل ضد المسؤولين وأعوانهم، ومن خلال شعورها العميق بالإقصاء عندما تصرّح قائلة :

"المحسوبية أفلست هذه البلاد... من أجل العمل، ومن أجل الدّراسة، ومن أجل كل شيء... المحسوبية هي التي أفلست البلاد، وحده المستفيد من المحسوبية يمكنه العيش .... يأكل مليح، ويشرب مليح، ويمشّي مليح أموره (والله شاهد). أمّا من ليست لديه "المعارف" فيعيش تحت الأرض، فالاعتماد على العمل وحده أو الكفاءات لا تكفي أمام ابن مدير أو مسؤول أو ابن شخص غني...، لأنّه لا يملك مصالحا معاك ياقليلة لشخص متواضع اجتماعيا)، فمصلحتهم مع الآخرين".

الحالة الثانية تمثلها الآنسة "س"

يتوافق رؤية النساء العازبات للتكوين مع فكرة الحصول على عمل خارج البيت ومع تصوّرهن لمشروع حياتهن. تمثل الشابة العازبة "س" التي تبلغ من العمر 21 سنة والمقيمة بمدينة وهران نموذجا لهذه حالة. فهذه المبحوثة أخفقت أربع مرات في الحصول على شهادة الباكالوريا، وتابعت تعليمها في الإعلام الآلي بجامعة التكوين المتواصل، وكانت تعتقد أنّ "التكوين في الإعلام الآلي سيسمح لها بالعثور على منصب في ظل "توسّع الرقمنة". تنظر "س"، المنحدرة من وسط اجتماعي متوسط (الأب يمارس مهنة التجارة بعدما كان مديرا بمؤسسة عمومية، والأم تعمل على جهاز الإعلام الآلي في إدارة) إلى العمل على أنّه مصدر للتحفيز والثراء المعرفي، وتصرح قائلة في هذا السياق:

"البعد المادي حاضر عند البحث عن شغل لكنه ليس هو الأهم. ما أبحث عنه في العمل هو أن أكون متحفّزة ومجدّة على كل المستويات وقادرة على حسن الحديث... فكل يوم نتعلم أشياء جديدة، ومن أجل هذا أرغب في العمل لمعرفة ما يفكّر فيه الآخرون ولأكون في اتصال معهم".

وبالنسبة لهذه المستجوبة، لا يمكن الفصل بين العمل والحريّة، بل أكثر من ذلك، تعتبر الفتيات حريتهن الشخصية مرتبطة حتما بالعمل. يقترب خطاب هذه المبحوثة حول العمل، حسب رأينا، من منطق التسوية الذي تبحث عنه )س( مع محيطها الأسري، فهي لا تمانع في العمل المأجور، "ولكن من أجل ممارسة نشاط قابلة أو طبيبة وليس من أجل الخيّاطة"، وفي انتظار تحقّق حلمها المتمثل في أن تكون مضيفة بالطائرة، لا تتردّد الآنسة "س" في توجيه طلبات العمل بطريقة تفضيلية إلى الخطوط الجوية الجزائرية أو مصالح الجمارك.

تلازم حالة غموض الوضعية المهنية للآنسة "س" وتتساءل فيما إذا كانت طالبة أو عاطلة. التصريح التالي يعكس هذا التصوّر: "لا يمكنني تحديد وضعي: أحيانا أقول عن نفسي أنني طالبة وأحيانا أخرى أقنع نفسي بأنّني عاطلة وعلي أن أبحث عن عمل"، وفي لحظات الملل واليأس لا أرى مجالا لتحقيق مستقبلها إلا من وراء البحر: "مستقبلي لا أعرفه؟ إذا تمكنت من الرحيل فأرحل...، أغادر البلد إذا ما لم أتمكّن من الحصول على منصب عمل أو متابعة الدّراسة". علينا القول أنّ المقترحات المهنية الممكن الاستثمار فيها مثلما، تعبر عن ذلك المبحوثة والمرتبطة أساسا بإنشاء مؤسسة صغيرة، تتوافق مع سنّها ومع محيطها الاجتماعي، وكذلك مع انتظاراتها من العمل خصوصا عندما يتعلّق الأمر بنشاطات تقديم خدمات خاصة بأعياد الميلاد، أعراس، الختان وغيرها من الاحتفالات العائلية التقليدية أو التنشيط (disc-jockey)، أو نشاط تصوير الحفلات.... فهي ترى نفسها قادرة على خوض الغمار في مثل هذه النشاطات، لا تستبعد المبحوثة فكرة البحث عن شخص بإمكانه مشاركتها في إنشاء مؤسسة صغيرة تكون رائدة في هذا المجال.

العاملات في ظروف هشّة

نجحت بعض الشابات منذ سنتين في الحصول على فرصة عمل مؤقتة قابلة للتجديد كل ستة أشهر في إطار برامج تشغيل الشباب بمصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح. وأثناء الإعداد هذا التحقيق الميداني، قبلت ثلاثة فتيات عازبات وامرأة مطلقة، ينحدرن كلهن من مدينة وهران، الإجابة على أسئلتنا.

تتراوح أعمار هذه الفئة ما بين 21 و25 سنة، ينتمين إلى أوساط اجتماعية متوسّطة، ولهن مستوى تعليمي ثانوي بعدما إخفاقهن في الحصول على شهادة الباكالوريا. تقوم الفتيات الثلاثة بتحقيقات اجتماعية غرضها متابعة الشّباب الجانح، يعملن لمدّة 4 ساعات في اليوم براتب شهري يقدر بـ 2300 دج، لكنهن يعتبرن أنفسهن "عاطلات عن العمل" لأنّ نشاطهن المهني غير مستقر، فعدم امتلاكهن لمهنة باعتبارها أساس كل عمل حقيقي، والراتب الزهيد الذي يتقاضينه بطريقة غير منتظمة والتوقيع العشوائي لعقود العمل ولوثائق تجديدها تنتج مثل هذا التمثّل حول واقعهن المهني. يعكس التصريح التالي جزء من هذه التمثلات:

"منذ سنتين ونحن نسمع بأنّ الدّولة ستلغي هذه العقود وهذا ما يجعلنا في حيرة من أمرنا".

تمثل السيدة "ف" حالة الأخرى من الهشاشة الاجتماعية. فهي مطلّقة، من وسط اجتماعي فقير، تعمل منظّفة في إطار عقود تشغيل الشباب، توقفت عن الدّارسة في السابعة من عمرها مباشرة بعد وفاة والدها واشتغلت لمدّة 13 سنة في مصنع خياطة خاص، ثم توقفت عن ذلك لمدّة سنتين خلال فترة زواجها من رجل يعمل بالميناء. كانت تمنى نفسها في أن تجد في الزواج الأمن الضروري (مسكن والإطعام)، لكن ظنّها خاب وانتهى بها الأمر للطلاق. وعندما عادت إلى بيت عائلتها، بعثت السيدة "ف" بالعديد من طلبات التوظيف إلى المؤسسات العمومية بحثا عن العمل في مهنة النظافة. قُدمت لها نصيحة "فهمي روحك"، بمعنى عليك تقديم الهدايا للحصول على عمل" ولكن بدون جدوى. لم يسمح لها وضعها الاجتماعي الناتج عن ضيق المسكن والمشاكل المتراكمة مع أشقاءها بالبقاء البيت (5 بطالين، وأخت تعمل بمصنع والأخرى ماكثة بالبيت).

إذا كان الخجل من التصريح بأنّها تشتغل منظفة في إطار عقود تشغيل الشباب قد لازمها في بداية مسارها المهني، فإنّ هذا الوضع، المعلّل حسبها بضعف مستواها الدراسي الذي لا يتيح لها سوى التواجد ضمن هذه المهن، ما يلبث أن يزول. فلا تقبل هذه السيدة المستجوبة القيام بالنشاط المهني نفسه في البيوت حتى ولو حقّق لها مدخولا جيدا، فمكانتها الاجتماعية داخل الحي بصفتها "ابنة عائلة" تدفعها لرفض ذلك لارتباطه بتمثّل الدونية (تغيضني عمري). تجدر الإشارة إلى أنّ عائلتها أيضا تمانع فكرة اشتغالها بالبيوت بالرغم من أنّ والدتها متقاعدة من المهنة نفسها بعد مسار مهني بمدرسة ابتدائية. تأمل السيدة "ف" في الحصول على منصب شغل دائم بعد نهاية عقد عمل مؤقت الذي دام سنتين في إطار "تشغيل الشّباب"، كما أنّ رضاها عن أدائها المهني يدفعها للبحث عن عمل آخر لتحسين مدخولها المادي في أوقات الفراغ، لكن وفي غياب كل إمكانية مادية للاستقلالية تفتقر للخيال ولا تعتبر العمل إلا مصدرا للرزق سواء كان ذلك في مؤسسة خاصة أو عمومية.

إذا كان من البديهي تفهّم تمسك السيدة "ف" بعقد العمل المؤقت في إطار تشغيل الشباب بوصفه مصدرا يوفر لها دخلا ماديا، فتجربة الفتيات الأخريات، أتاحت لهن استنتاجات أخرى وبيّنت أن الأولوية في وضعهنّ الاجتماعي ليست مرتبطا بالدخل المادي وإنّما بطبيعة العمل الذي يمارسنه والحرّية التي يتيحها لهن، فالتنقلات إلى بيوت المراهقين الموجودين تحت متابعة مصلحة المراقبة في الوسط المفتوح تتوافق مع إنتظاراتهن في الحركة والتجديد، فإجراء التحقيقات الاجتماعية في الأحياء "الساخنة" "يعطي معنى لحياتهن": "لدينا إحساس بأنّنا نقوم بشيء مفيد"، كما أنّ خصوصية العمل في مجال مصالح التربية في الوسط المفتوح مع شباب جانح الذي تتكفل به شبابات قد أعطاهن الشعور بالاعتراف والأمل على الرغم من أنّ مستقبلهن المهني غير واضح، والشيء نفسه بالنسبة للزواج، ووحده المسار المهني يمكنه أن يحقق قدرا من الأمان.

خلاصة القول، يمكن أن نعتبر أنّ علاقات النساء المستجوبات بالعمل ترتكز على اجتماع عوامل تؤثّر في صياغة معانيه مثل السنّ، الحالة العائلية والمحيط الاجتماعي. وعلى العموم، فإنّ النساء العازبات - مهما كان مستواهن الاجتماعي - يبحثن عن منصب عمل خارج البيت ويرجون التحرّر من الصعوبات العائلية، وهذه الوضعية هي قاعدة العلاقة الموجودة بين هاته الفتيات والتشغيل، أمّا النساء الأكثر نضجا سواء كنّ متزوجات، أرامل أو مطلقات، فيبحثن عن التوفيق بين العمل وتسيير البيت، كما أنّ الفئة العمرية التي يتراوح سنّها ما بين 18 و28 سنة توجد غالبا في حالة ترقب للعمل، في حين يرافق التكوين، أو يسبق، أو يتبع ممارسة أي نشاط مهني. تختلف علاقة هذه الفئة المستجوبة مع المؤسسات التي تمثل الدّولة بحسب التجارب الفردية لهن وتتراوح ما بين وضعية عدم الانتظار بالنسبة للفئة المستفيدة من التكوين وانتظار التكفل التام، فـالوعي القوي بالأزمة الاقتصادية لدى المبحوثات يترجمه وعيهم بضرورة مبادرتهن من أجل استحداث فرص للشغل تفرضه الحاجة إلى دخل إضافي لضمان مستقبلهن الذي لم يعد يحقّقه فقط الوضع الاحتمالي للزواج.

لا تبدو النساء المستجوبات مستعدات للقبول بأيّ نشاط مهني قد يعرض عليهن بالرغم من تواجدهن ضمن ظروف حياة صعبة، كما أنّ العائلة - وإن كانت في وضع غير مستقر - لا تزال تواصل لعب دور الحماية، فالمنزلة الرئيسة التي تشغلها المرأة تعطي كل معناها للعلاقة التي يجب تنظيمها بين العمل وشغل البيت، وهذا الحضور لا يعكسه سوى التفاوض الدائم معها، بحيث تتصرف على أساسها (نصائح الأب أو الأم) وتحاول إقناعها دون المواجهة المباشرة مع المعارضين لها.

نظريا، تملك النساء الحظوظ نفسها مثل الرجال للولوج إلى سوق العمل، لكن الواقع يكشف عن ضعف في التزامهن بهذه المسألة. لا يستوفي تأويل هذه الظاهرة صحته دون اللجوء إلى التاريخ والتحقيقات السوسيو أنثروبولوجية التي بإمكانها المساعدة على استخلاص آفاق عملية وواقعية تعيد النظر في خطابات السلطات العمومية المحكومة بالنظرة الخطيّة والعقلانية الأحادية، فتوسّع تمدرس الفتيات بالخصوص لم تكن له النتائج المتوقعة فيما يتعلق بالرفع من قابلية تشغيلهن خارج منازلهن، ومردّ ذلك لتقاسم المجتمع مع نسائه[43] النظرة نفسها حول مسألة العمل خارج البيت، نظرة تعطي للزوجة وللأم المكانة المحورية في مشروع الحياة.

لقد بيّنت هذه الدّراسة أنّ العمل المنزلي هو النشاط الاقتصادي المهيمن لدى النساء، لأنّهُ يسمح لهن بتنظيم وقتهن وفقا لشغل البيت وتبعا لانشغالاتهن بالأطفال، فالتسيير المرن للوقت الاجتماعي ومرونة أوقات العمل تسمح لهن بتعويض جزئي للاستثمار الملاحظ على المستويات المذكورة أنفا، وفي هذه الحالة يصبح تخفيف ظروف التكفل بالعمل المنزلي ومهام الأمومة أمرا ضروريا. وحده الوعي الحقيقي والتزام أصحاب القرار باستحداث نشاطات داعمة للنساء يمكنها ضمان ظروف نجاح تشغيل النساء مع تنمية مجالات تمنحها القابلية لتجلي نشاطاتها في الفضاء العام، وهذا ما قد تمثله الأعمال ذات المنفعة العامة.

تتضافر آفاق استثمار النساء في مجالات العمل لتشكّل نموذجا من "الواقعية" التي تعبّر عنها كما يلي: "قبول الإدماج في الحياة العملية بدون الدخول في تحد مباشر ومواجهة مع ما يفرضه المجتمع"، وهذه الواقعية ستسمح بالاستفادة النسبية من "أوقات عمل مرنة"، "القيام بما تهواه النساء من النشاطات"، "الاستفادة من مداخيل مالية معتبرة" و"العيش في جو من السلم الاجتماعي داخل الأسرة". تأخذ هذه الواقعية كل معانيها في المجتمع الجزائري (وقد يكون ذلك في كل المجتمعات المغاربية؟) الذي لا يزال لم يدمج كلية عمل النساء ضمن سياق اعتباره عاملا للتغيير الاجتماعي وليس مجرد مصدر دخل إضافي فقط. ومن جهة أخرى، تحثّ دينامية نشاطات النساء في القطاع غير الرسمي - والباحثات عن تحقيق طموحاتهن المتجذّرة - بطريقة جلية نحو تجاوز الحدود المفروضة عن طريق المجتمع إلى البحث عن اعتماد مقاربة للتسوية معه. تجد هذه الواقعية وحالة التسوية تبريراتها في ظل غياب تدابير المرافقة في شكلها الاجتماعي والثقافي، والتي إن وجدت، فإنّها ستدعم وتشجع على تزايد النساء الجزائريات ضمن مجال العمل الرسمي (قلّة في دور الحضانة، غياب المؤسسات المتكفلة بالأشغال المنزلية، ضعف الصناعات الغذائية).

يمكن أيضا لتغيير صورة النساء عبر وسائل الإعلام وتغيير بعض مضامين الكتب المدرسية أن يسمح بظهور سيرورة اقتداء لدى الفتيات الشابات انطلاقا من نواة "الشغل" وليس من خلال الدور التقليدي الذي تمثله الأم أو الزوجة فقط، فاللجوء إلى الصورة والاتصال يجب أن يركز على تثمين عمل النساء خارج المنزل وتثمين الفعالية التي يتمتع بها من يشتغلن بالمنزل، كما أنّ دور السلطات العمومية في تشجيع نشاطهن المهني يمكن أن يترجم أيضا بشكل ملموس من خلال الاستفادة من حماية اجتماعية أفضل.

خلاصة

سمح التحقيقان اللذان قمنا بهما حول الوضعية المختلفة للشباب بملاحظة وعي قوي بالأزمة الاقتصادية. وعي فرضته الحاجة لدخل إضافي لتحقيق مستقبلهم، يترجم بشكل ملموس عندهم من خلال السعي لاستحداثهم فرصًا للشغل الخاص، خصوصا عندما يصبح الزواج عند الفتيات متغيرا احتماليا. لا يعني تواجد الشباب ضمن ظروف الحياة الصعبة قبولهم "القيام بأي عمل"، فالمكانة الهامّة التي تشغلها الفتيات ضمن العائلة تعطي كل معناها إلى العلاقة التي يجب إبرامها بين العمل وبين العمل المنزلي، والتي لا تجد معناها إلا ضمن التفاوض الدائم، فالنساء يحاولن دوما إقناع محيطهن (اتباع نصائح الوالدين) بما يقمن به بعيدا عن أية مواجهة ومعارضة مباشرتين.

إنّ تجربة التعاونيات، التي كانت استجابة من للسلطات العمومية لهدفمحدّد يتمثل في استحداث فرص لتحقيق الإدماج المهني، قد تحوّلت في الواقع وأصبحت تمثل فرصة للحراك الاجتماعي لتحسين وضع اجتماعي مسبق. فتفسير هذا "التحوّل عن غايات الأهداف المسطرة" على أنّه فشل هو الذي دفع بالسلطات العمومية إلى وقف هذه التدابير المرتبطة ببرنامج تشغيل الشباب. علينا التذكير بأنّ السلطات العمومية أعادت صياغة برنامج عمومي آخر مسيّر من طرف الوكالة الوطنية للتنمية من أجل دعم التشغيل ومحاربة البطالة، وقد جاء لمواجهة تبعات تطبيق مخطّط التصحيح الهيكلي (1994)، وكانت غايته استحداث تدابير أخرى لفائدة العاطلين عن العمل وفق معايير سوسيو ديمغرافية تراعي عوامل السن، مستوى التكوين ومكان الإقامة[44]، كما شجّعت التشغيل الذاتي من خلال "الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب" A.N.S.E.J، والصندوق الوطني للتأمين على البطالة C.N.A.C. والوكالة الوطنية لتسيير القروض المصغّرة ANGEM.

يشير التقرير الذي يمثل مقترح "مشروع السياسة الوطنية للشباب والرياضة سنة 2007"[45] إلى أنّ "الآليات والبرامج المقترحة لهذه الفئة تبقى غير فعّالة لأنّ تصميمها تمّ على أساس فئوي في غياب للتنسيق الضروري بين السياسات العامة"، فالتقرير، يرى أنّ الشباب يتواجد في وضعية أزمة"، ويعدّد التدابير والأجهزة والبرامج الموجهة لهذه الفئة غير كافية على أهميتها. وكدليل على هذا التوصيف، يستند التقرير على عدد النصوص القانونية التي تمّ إقرارها منذ الاستقلال: فمن بين 1538 نصًا قانونيًا لفائدة "الشباب"، "التربية"، "التكوين المهني" و"التعليم العالي" المعلن عنها منذ الاستقلال، نسجل وجود 108 نصا خاصا بهذه الفئة المرتبط بالدائرة الوزارية المهتمة بالشباب، وهو ما يعادل 7.02%، يضاف إليها الاتفاقيات القطاعية حول هذه الأهداف الاستراتيجية ضرورية اتجاه هذه الفئة، والتي تشمل 15 وزارة. سبع إدارات يمكنها الاعتناء بفئات الشباب المستهدفة من خلال النشاطات ذات الأولويّة والمتمثلة في: الشباب المدمج ضمن المنظومة المؤسساتية، الشباب غير المدمج ضمن المنظومة المؤسساتية، المنحرفون، الفتيات والأطفال، الشباب في أوقات فراغ، الشباب الذي يواجه خطر مرض السيدا، الشباب والحركة الجمعوية.

أضف إلى ذلك، فماعدا الست صفحات الأولى من هذا التقرير والتي تدعو إلى تغيير النظرة في المستقبل حول قضايا الشباب بالتركيز على مقاربة كيفية، فإنّ بقية ما ورد فيه يعيد استخدام التقليد القائم على عرض تقييم مبني على المعطيات الكمية، كما يحدّد الفئة العمرية للشباب ما بين 6 و29 سنة عوض اللجوء إلى المعايير العالمية والتي تصنف الفئة نفسها ضمن المرحلة العمرية الممتدة ما بين 15 و25 سنة، وهذا الاختيار يضفي غموضا حول الحدود الموجودة ما بين "الشباب" و"الطفولة"، مع دمج آلي بين الشباب والرياضة وإلحاق الوضعية الاجتماعية للفتاة بالطفولة ليجعل منها ضمن وضعية القاصر، كما أنّ التقرير نفسه لا يذكّر بنتائج التحقيق المشار إليه في متن النص الذي أجري حول الشباب في أوت 2007.

تساهم أنماط التنشئة الاجتماعية العائلية والسياسية في سيرورة تكوين هويّات جماعية مبنية انطلاقا من عدد من البرامج التي تعكس الانتظارات المؤسساتية "للدولة، العائلة، المدرسة" و تتجلى في ممارساتهم الخطابية، وهذه الأنماط مبنية على التبعية وعلى مبدأ إبعاد إمكانية اتخاذ القرار، تؤدي إلى تمديد مرحلة الشباب لتشمل أيضا مرحلة البلوغ أو الرشد من حيث التمثلات والممارسات، بحيث يبدو أمر الانتقال إلى مرحلة الرشد متعبا ومؤجلا ومتمايزا. التنظيم الاجتماعي للتبعية يؤدي في كثير من الأحيان نحو الضّرر لأنّه ينمي أكثر فأكثر المطالب الاجتماعية ويزيد فيجعله متشدّدا في الطلب.

بيبليوغرافيا

Abzahd, M. (1991). Activité et chômage des jeunes citadins au Maroc Diagnostic. Communication au 8ème colloque de démographie Maghrébine, Alger, 13,14 et 15 octobre.

Abzahd, M. (1980). Le dispositif d’enquêtes périodiques sur l’emploi urbain : bref aperçu méthodologique et principaux résultats du premier passage 1976. Communication au 47ème colloque de démographie Maghrébine, La main d’œuvre et l’emploi dans les pays du Maghreb-Hammamet (Tunisie) 9-13/06/1980.

Benghabrit-Remaoun, N. (1993). Jeunes en situation scolaire, représentations
et pratiques. Naqd, 5, Alger : avril-août.

Benghabrit-Remaoun, N. (1995). Femmes et développement, Oran : Les ouvrages du CRASC, 358 pages

Benghabrit-Remaoun, N. (1998). L’école Algérienne, transformations et effets sociaux, in l’école en débat. Réflexion, 2, Alger : Casbah Edition.

Benghabrit-Remaoun, N. (1998). Rapport à l’institution scolaire chez les lycéens de terminal, et itinéraires de scolarisation et espaces de socialisation, Insaniyat, 6, septembre-décembre.

Benghabrit-Remaoun, N. et Haddab, M. (2008). (dir.), L’Algérie 50 ans après. État des savoir en sciences sociales et humaines 1954-2004, Oran : Éd. CRASC.

Benghabrit-Remaoun, N. (2002), Les étudiants de première année. Cahiers du CREAD59/60, 1er et 2ème trimestre, formation pédagogique et pratiques d’enseignement dans le supérieur.

Bernard, C. (1991). (dir.), Nouvelles logiques marchandes au Maghreb, Paris, ED.CNRS.

Blanchet, A. (1992). L’entretien dans les sciences sociales. Paris : Dunod.

Boulahbel, B. (1995). Communication sur l’emploi : situation actuelle et perspective – atelier « politique sociale et programme d’ajustement structurel », palais des Nations Alger 10-11 et 12 octobre 1995- atelier organisé par le ministère de travail et de la protection sociale de l’institut national d’étude de stratégie Globale.

Brahim-Errahmani, A. (2010). L’adolescence délinquante entre responsabilité et fatalité. Alger : OPU.

Cellier, H., et Rouag-Djenidi A. (2008). Algérie-France. Jeunesse, ville et marginalité. Alger : Chihab Edition.

Charmes J. (1991). Mesure statistique de la population active et du secteur informel en Algérie. Situation actuelle et orientation méthodologique, décembre 1991, Rapport de mission auprès de l’O.N.S du 13 au 20 décembre 1991 pour le bureau statistique des Nations Unies pour le développement.

Collections statistique n° 27, Travailleurs à domicile en Algérie. Caractéristiques et structures. juin 1998, O.N.S.

Collections statistique n° 31, L’activité féminine en Algérie, collections statistique n° 36, Situation de l’emploi, 1990, O.N.S.

Collections statistique n° 52, Situation de l’emploi, 1991-1992, O.N.S.

De Certeau, M. (1994). L’invention du quotidien. Paris : Gallimard.

Délégation Générale du gouvernement en Algérie. « Résultats générale de recensement de la population du 31 octobre 1954 », vol. III, population active, SSG, Alger.

Guillaume, J.-F. (1998). Histoires de jeunes. Des identités en construction. Paris : L’harmattan, Logiques sociales.

Marouf, N. (1996). (dir.), Le travail en question. Paris : L’Harmattan.

Pitrou, A. (1992). Les solidarités familiales. Toulouse : Ed. Privat.

Recommandations internationales en vigueur sur les statistiques du travail, Bureau Internationale du travail, Genève, 1988.

République Algérienne Démocratique et Populaire, Haut-commissariat au développement de la steppe, cellule de maturation du projet F.I.A., Etude portant sur l’aménagement de 60 unités pastorales. Etude de la Zone Ouest, Rapport n° 6, composante Femmes Pastorales, Étude élaborée sur le bureau National s’études pour le développement Rural. Aout 1993.

Shehr, S. (1999). La vie quotidienne des jeunes chômeurs. Paris : P.U.F, Sociologie d’aujourd’hui.



ترجمة :

الهوامش

* مقال منشور في مجلة إنسانيات باللغة الفرنسية ،عدد 55-56 | 2012، ص. 91-120. بعنوان:

« Jeunes et vécu social en situation de crise : retour sur des recherches menées dans l’Algérie des années 1990 »

[1] ما قيمنيش: تشير إلى نقص في الاحترام والتقدير والاعتبار.

[2] حقرني: وتعني استصغرني أو استهان بي أو نظر إلي بازدراء.

[3] حيطيست (نسبة إلى الحائط أو الجدار) وهو لفظ تداوله الشارع الجزائري (سنوات الثمانيات والتسعينيات) كناية عن حالة البطالة التي عانى منها الشباب.

[4] Boudon, R. (1983). Les jeunes. La grande encyclopédie. Paris : Librairie Larousse, t. XI, p. 679-1610.

[5] Galland, O. (1991). Sociologie de la jeunesse, L’entrée dans la vie. Paris : Armand Colin, collection « U », sociologie, p. 63.

[6] انطلاقا من اعتبار "الشباب بناءً اجتماعيًا"، يبني مسار عبوره إلى سنّ الرشد عن طريق أفعاله و تطلعاته، فقد دفعتنا تحقيقاتنا الميدانية حول الشباب حاملي المشاريع وعناصر التفكير الأولية حول نتائجها إلى توسيع مجال البحث ليشمل "الحيطيست".

[7] مراحل التفكير في المقاولاتية: الدوافع، الاجراءات، العوامل، العجز، الدور، تسيير القنوات الرسمية وغير الرسمية للمعلومات والدّعم. في هذا الاطار، الهيئات التقليدية مثل العائلة والهيئات الحديثة مثل الجمعيات، مراحل تصميم وانجاز التعاونيات، العلاقة مع السلطات، هياكل التمويل، الرقابة الادارية وأشكال العمل بصفة عامة.

[8] C.N.E.S, Forum international sur l’emploi des jeunes, 11-13 mars 1996.

[9] أحداث أكتوبر 1988 وتداعياتها المتعدّدة.

[10] Ibidem., C.N.E.S., données O.N.S.

[11] Ibidem.

 [12]عقد ما قبل التشغيل، عقد تكوين من أجل الادماج، منصب عمل مأجور ضمن مبادرة محلية (1991)، مقاولات للشباب، شغل حر.

 [13]افتقارهم إلى الخبرة المهنية، نقص في التكوين، نقص فرص الادماج ولكن لديهم أفكار ومؤهلات (لخلق نشاطات).

[14] حصيلة عن الشغل من إعداد وزارة العمل والحماية الاجتماعية، سبتمبر 1995.

[15] دراسة قام بها مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في جويلية 1996 حول "ترقية الشغل عند النساء".

[16] Rapport National à la conférence Internationale sur la population et le développement, le Caire, 5-13 septembre 1994.

[17] Revue El-Bahia, n°10, septembre 1993.

[18] حصيلة مديرية لإدماج الشّباب لولاية وهران من سنة 1990-1993.

[19] بمعنى إخفي نفسك.

[20] تمّ منح القرض على أساس نسبة فائدة مقدرة 14% في سنة 1991-1992 ونسبة 18% منذ سنة 1993-1994. يتعلق الأمر 70% من إجمالي القرض الممنوح للمشروع.

[21] التكلفة الاجمالية للمشروع لا يجب أن يتجاوز 3.000.000 دج، حصة الفرد لا تتجاوز 50.000 دج، عدم تمويل بناء محل من طرف البنوك ولكن إمكانية المساعدة على تحديثه في حدود 20%.

  • تكفل الدولة بـ 30% من القرض البنكي غير قابلة للاسترداد من طرف المقاولين.
  • الكفاءة المهنية ضرورية على الأقل لعضو واحد في المشروع.
  • تسوية الوضعية إزاء الخدمة الوطنية ويمكن إعفائها لمسير المشروع.
  • أن يتراوح السّن ما بين 19 سنة وأقل من 37 (38 سنة للرئيس).

[22] 6 شباب لهم أقل من 25 سنة، و10 لديهم 25 سنة وأقل من 30 سنة و7 لهم أكثر من 30 سنة.

[23] المعدل: تسعة ثانويين؛ ثمانية أساسيين؛ خمسة أميين.

[24] ثلاثة عشر مقاول سووا وضعيتهم إزاء الخدمة الوطنية؛ واحد استفاد من الإعفاء؛ اثنين تأجيل؛ اثنين في وضعيات اخرى.

[25] يبادر الشّاب بالإجراءات والمبادرات دون استشارة والديه. "مجموع التصرفات، نماذج السلوكات الثابتة تحت تأثير تكرار الأفعال الفردية وتشكيل السلوك.

[26] البشري. أنظر:

« Lefort introduction à l’œuvre d’Abraham Kardiner ».

[27] يقدم هذا السياسي صورة حيّة عن نموذج الحيطيست قائلا: "متكئ على الجدار أو مكتوف الأيدي على حافة الطريق، ينظر إلى عبور المارة أمامه ومعهم يتابع مرور وقت حياته. ولد الحيطيست في عالم لا مكانة فيها للمبادرة الفردية، فكل شيء يجب أن يأتي "من الأعلى". لم نفكر في تحرير الناس من علاقاتهم القديمة وواصلنا في إيهامهم والقول لهم أنّ الآلة تعرف نوعا من الخلل وبأنّها ستستأنف نشاطها عن قريب. إذا كان الفراغ مرادفا لكلّ العيوب، فـ "نزعة الحيطيست Hitisme" أكثر منه بدرجة لأنّه مرادف للفراغ الكلي للروح ولعدم حركية جينية، وللنظرات المحملة بالتهم للآخرين، لسياراتهم الجميلة وألبستهم. مثل هذا الفرد مستعد للقيام بأي مغامرة لأنّه يعتقد أنّنا حرمناه من نصيبه، فهو يبدي غضبا صامتا ضد الدولة التي لم توظفه ولم تقدم له سكنا، لا يعطّل نشاطات الصالح العام ولا يحفز نفسه للعودة للمجتمع ولكنّه يبحث عن وسائل للابتعاد عنه أو لينتقم منه".

La nouvelle Algérie – programme officiel déclaration au peuple algérien. El Moudjahid, 8-9 septembre 1995, p.14

[28] Addi, L. (1995). L’Algérie et la démocratie. Pouvoir et crise du politique dans L’Algérie contemporaine. Paris : La découverte, coll. « Textes à l’appui », p.218

[29] Carlier, O. (1995). Entre nation et djihad, histoire sociale des radicalismes algériens. préf. De Jean Leca, Paris : Presses de la fondation Nationale des sciences politiques, p.341-342.

[30] حول موضوع الوصم الاجتماعي أنظر:

Becker, H.-S. (1985). Outsider. Études de sociologie de la déviance (1963). Traduit de l’américain par J.-P. Briand et J.-M. Chapoulie, Préf. De J.- M. Chapoulie, Paris : Éditions A.-M. Métailié, coll. « Observation », p.54-59 et 203.

[31] يبدو من هذا التوصيف أنّ عالم "الحيطيست" تسيطر عليه فكرة الحظ (الزْهَر) التي نادرا ما تقف إلى جانبه. كلمات إحدى أغاني الراي، وهو نوع موسيقي شبابي ظهر في الغرب الجزائري، تتحدث عن ذلك قائلة: " لاَ زْهَر لاَ مِيمُونْ "، والتي تعني لا وجود للحظ ولا للأمل، وهما ملعونان (المغنيان الشابة فضيلة والشاب صحراوي، "أغنية نسال فيك"). أيضا كلمات أغنية أخرى تتحدث عن الشيء نفسه: "لاَ زْهَرْ لاَ مِيمُونْ "، والتي تعني "لا حظ، لا سعادة" (الشاب خالد، "أغنية الديدي").

[32]Lardjane, O. (1997). Identité collective et individuelle, in collectif. Elites et questions identitaires. Alger : Casbah Éditions, p. 13-23 (p. 19 sq. notamment). 

[33] حول موضوع ضعف الرابط الجيلي، نبيل فارسي.

À propos de la fragilité du lien générationnel, Nabil Farés parle plutôt d’une « incapacité d’être le fils de son père ». (Esprit, n° 208, janvier 1995). 

[34] Berque, J. (1979). Le Maghreb entre deux guerres, Paris, Ed. Seuil, coll. « Esprit », 3ème édition, p. 380 (Ire édit. :1962).

[35] Ibid., p.382.

[36] Ibidem.

[37] « L’individu doit s’appuyer sur les autres pour réaliser l’image de lui-même ». E. Goffman, cité par Bourdieu, P. (1984). Le sens pratique. Paris : Éd. De Minuit, p.242 (Ire édition: 1980)

[38] Bennani-Chrabi, M. Soumis et rebelles : Les jeunes au Maroc. Préf. De Rémy Leveau, Paris : CNRS Édition, coll. « Méditerranée 1994 », p.283-284.

[39] Rarrbo, K. (1995). L’Algérie et sa jeunesse. Marginalisation sociales et désarroi culture. Paris : l’Harmattan, coll. « histoire et perspectives Méditerranéennes », p. 230.

[40] Daoudi, B., et Miliani, H. (1996). L’aventure et du Rai. Musique et société. Paris : Seuil, coll. « Points, virgule », p. 226.

[41] غلق الحدود، فرض تأشيرة السفر، غلاء تذاكر السفر...إلخ.

[42] المتزوجة من بائع متجوّل لماء جافيل، تسكن عند أمها التي تشغل منصب عاملة نظافة، تحت السقف نفسه مع أخوها الأكبر المتزوج والذي يقدم نفسه "طرابنديست".

[43] Benghabrit- Remaoun, N. (1995). (dir.), Femmes et développement. Oran : CRASC.

[44] Safar-Zitoun, M. et Abbaci. N. (2009). La protection sociale en Algérie, et traitement du chômage en Algérie. L’État face au débordement du social au Maghreb, Catusse. M et Verdier, E (dir.), Aix-en Provence, Paris : Iremam- Karthala.

[45] ملخص الأعمال التي أجريت بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية حول الشباب.

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact