نحو استراتيجية جديدة للتنمية : من الدولة-الوطنية إلى الحكم الراشد الحالة التونسية

نحو استراتيجية جديدة للتنمية : من الدولة-الوطنية إلى الحكم الراشد الحالة التونسية

مقدمة

إن التساؤل حول الدولة-الوطنية في عصر العولمة هي من القضايا الراهنة، فقد تمت دراستها ضمن حقول بحث متعددة. غير أن بعدها السوسيولوجي ظل إلى يومنا هذا غامضاً و ملتبساً. فضمن هذا الإطار يتحدد هذا العمل الذي يحمل على عاتقه بيان التغيرات الناجمة عن إصلاح الدولة في عصر العولمة ونتائجها الاجتماعية والاقتصادية على الدولة و المجتمع.

و من أجل دراسة هذه المسألة، سنقوم بإعطاء لمحة تاريخية عن المراحل التي مرت بها الدولة-الوطنية في تونس. سنسعى إذن إلى البحث عن أصول هذه الدولة و مراحل بنائها، مركزين بصورة جوهرية على تحولها من دولة العناية الإلهية، بل الدولة الاجتماعية إلى دولة تحكيمية، متسمة بالتخلي عن التزاماتها في مجال التنمية والمجالات الاجتماعية بصورة عامة والتي اعتبرت فيما مضى من صلاحياتها.

و في المقام الثاني، سنتطرق لمسألة الترابط بين ما هو محلي وما هو دولي في عصر العولمة و انعكاساتها على الدولة و المجتمعات المحلية. هل يتعلق الأمر باقتسام منصف للمجالات؟ الجواب عن ذلك بـ"لا". إن مجرد ملاحظة الأحداث، سواء كانت على الصعيد الوطني أو الدولي، كفيلة بأن تسمح لنا بالحكم على مصير الدولة التونسية و يتعلق الأمر باختصار، بتهديد جدي يستهدف الدولة التي ابتعدت عن المجالات الأساسية لأنشطتها الاقتصادية و الاجتماعية، الأمر الذي نجم عنه مشاكل عدة لها و للمجتمعات المحلية. و هي مشاكل أضرت بشرعية و حكامة الدولة، ما يستلزم استراتيجية جديدة للتنمية.

تعتبر مجمل هذه التغيرات ذات الطابع الاجتماعي، الاقتصادي و السياسي من صلب تساؤلاتنا حول نوع الدولة التي نحن في حاجة إليها اليوم و كذا الأبعاد الأساسية لسياسة التنمية التي وجب علينا إبرازها.

الأمة التونسية: من الدولنة إلى التنصل من الالتزامات

لقد بينت كل من البحوث التاريخية و السياسية أن الدولة-الوطنية الحديثة كانت من صنيع أوربي. فعلاً، فقد أسس لويس الحادي عشر في منتصف القرن الخامس عشر هذا النظام السياسي الجديد الذي تتمثل مهامه في "تربية السكان و رفع مستوى معيشتهم باسم "الصالح العام للجميع" التي يتولى الملك السهر عليه"[1]. يتعلق الأمر إذا بحكومة تسعى إلى تحقيق الرفاهية المادية و الثقافية للسكان و الصالح العام للوطن، بدلاً من السعي إلى النهب المنظم لفضاء إقليمي.

و هكذا، فقد برز و انتشر تصور جديد للدولة، بداية من القرن السادس عشر في أوروبا الغربية، و هو تصور قائم على فكرة الجمهورية. لقد ارتبط السياق الاجتماعي و السياسي الذي قام عليه هذا التصور بعدد من المفاهيم الجديدة، ممثلة أساساً في التحديث و العلمنة و العقلنة. كان المفهوم الأول يشير في هذا السياق العام إلى جملة التغيرات التي طالت كافة ميادين الحياة، بينما ارتبط المفهوم الثاني بالأول و الذي اعتبر أحد معايير الحداثة. ذلك، أن العلمنة كانت قائمة على الفصل بين الكنيسة والدولة من جهة، وبين الكنيسة و المعرفة من جهة ثانية. "لقد انتهت عملية العلمنة بجعل المعرفة خارج تشريعات الكنيسة، فلم تعد هذه المعرفة تابعة بصورة حصرية لعلماء اللاهوت، فقد أصبحت من اختصاص العلماء أنفسهم"[2]. أما المفهوم الثالث، ممثلاً في العقلنة، فقد ظهر في نفس هذا السياق حيث اعتبر كل من التحديث و العلمنة مؤشرين مترابطين معها.

لقد مكَّنت مبادئ الدولة-الوطنية أوروبا الغربية من تطور اقتصادي واجتماعي وثقافي هائل بداية من القرن السادس عشر. و كان ذلك التطور نتاج عمل متضافر لعدد من السياسيين، و الاقتصاديين و الفلاسفة وعلماء الاجتماع الذين سيكون من الصعب ذكرهم كلهم في هذا العمل.[3] و ما هو الحال، إذن، عن الدولة-الوطنية في تونس؟ من المؤكد، في تونس، أن هذه المبادئ قد تمت إعادة صياغتها من قبل نخب مغاربية في منتصف القرن العشرين، كما هو الحال في جميع بلدان المغرب العربي، و هذا ما يتجلى في الخطب السياسية.

على أية حال، فإذا كانت الدولة-الوطنية الحديثة والمستقلة لم تظهر إلا في سنة 1956، إلا أنه وجب التأكيد أن تونس استفادت من تقاليد طويلة و ثرية من خلال الهياكل الحكومية و السيادة السياسية التي ظهرت منذ تأسيس قرطاج سنة 814 قبل الميلاد. لقد استفاد هذا التنظيم الدولني (نسبة إلى الدولة) أيضاً من مختلف الاحتلالات السياسية التي عاشتها تونس طيلة تاريخها الطويل[4]. و عليه، فرغم الأصول العميقة للتنظيم السياسي، فلا يمكننا الحديث عن هوية-وطن قبل سنة 1956 و التي تشكل تاريخ الاستقلال. فعلاً، لقد عشنا، في فترات عديدة من تاريخنا، تحت سلطات متعددة، حيث كان السكان فيها يدينون لها، تزامناُ، بالولاء. و من جهة أخرى، وجبت الإشارة إلى أن القبائل التي كانت تشكل القاعدة السياسية السائدة في قسم كبير من عموم تونس لم تكن تابعة كلياً للسلطة المركزية. و تمثل ثورة علي بن غداهم سنة 1864 في هذا المجال واحدة من الأمثلة لهذا "الذهاب و الإياب" بين الانتماء إلى الدولة و الانتماء إلى القبيلة.

فبفضل إعادة إحياء و تنشيط المؤسسات التقليدية ذات الطابع القبلي انتشرت الحركة الثورية. لقد كانت هذه الثورة الشهيرة منذ بدايتها ردة فعل ضد الدولة الجابية، ذلك أنها اندلعت عقب مضاعفة الضرائب مرتين و التي كانت تسمى آنذاك بـ"المجبة" التي قام الباي بفرضها، لكنها كانت أيضاً سبباً في مناهضة السلطة المركزية التي عرّضت للخطر السيادة التقليدية للقبائل.

فلهذا السبب، ربما، كانت الحلول المقترحة من قبل ممثلي القبائل، و خصوصاً تلك التي كانت تعبر عن المشاغل السياسية المتجاوزة لمجرد إطار إصلاح بسيط للضرائب، مدركة في عمومها ضمن آفاق تقليدية أي تطبيق قانون "الشرائك/ Charaîque "، إلغاء المحاكم التي أنشأتها الإصلاحات الحديثة و استبدال "القياد" (القيادة الجهوية) ذات الأصول الأجنبية (المماليك)، بأشخاص يختارون ضمن كل قبيلة.

و هكذا، يمكن القول أن استقلال البلاد و تأسيس الدولة-الوطنية في منتصف القرن العشرين لم يكن مُدركاً عند الرأي العام للعديد من الفئات الاجتماعية كأي هوية، بل كان مدركاً بالأحرى، كوسيلة لتحسين ظروف حياة الشعب التونسي[5].

صحيح أن هذه الأطروحة تحتاج إلى مزيد من الأدلة لبيان صدقيتها، لكن الصحيح أيضاً أن دولة الاستقلال قد طرحت نفسها، معلنة، أنها هي الفاعل الوحيد الذي بإمكانه تحسين ظروف حياة كل الجماعات الاجتماعية و ضمان سعادة الشعب التونسي، و هذا التصور لقي إجماع مكونات المجتمع. لقد ركز الخطاب السياسي من جانبه على مبدأ تقسيم الخيرات وفق النزعة التعادلية في جو من العدل والسلام.

لقد استطاعت الدولة-الوطنية، منذ ميلادها، تبني خطاب سياسي اندماجي تمكن من تحييد و عزل كل القوى الاجتماعية و السياسية المختلفة. لقد قام هذا الخطاب الجديد، أساساً، على مفاهيم العدالة و التقدم وخصوصاً على مفهوم "الوطن التونسي" باعتباره المرجعية المشتركة و الجديدة لكافة التونسيين. لقد تأثر هذا الخطاب الجديد بالنموذج السياسي الذي تم إقامته بعد الاستقلال، ممثلاً في دولة العناية الإلهية (الرعاية الاجتماعية).

و بناء على ذلك، قامت الحركة التونسية، غداة الاستقلال، بإطلاق برنامج واسع لإعادة التنظيم و تنمية الاقتصاد الوطني، حيث أضحت الدولة فيه المقاول الرئيسي المكلف بإنجاز الأهداف التي حددتها منذ قيامها[6]. الأمر يتعلق ببرنامج عشري يشرف عليه فريق من التقنوقراط الذي يستهدف إقامة اقتصاد تعاوني ذي اتجاه اشتراكي. غير أن التأطير الإيديولوجي لم يكن ضمن أولوية القادة الجدد. فالأولوية بالأحرى كانت ممنوحة لبناء اقتصاد قوي، حديث و قادر على تلبية حاجيات كل فئات المجتمع التي كانت تشكل الجانب الأكثر أهمية في هذه السياسة، ذلك أن الدولة قد سبق و أن أعلنت، منذ الاستقلال، عن تصميمها و استعدادها للقيام بهذا الدور.

لقد أضحى الهدف، من الآن فصاعداً، تسريع و تيرة النمو الاقتصادي و انجاز المنشآت القاعدية، و هذا عن طريق إنشاء "أقطاب التنمية" الصناعية التي يفترض أن يكون لها مفعول على مجموع فروع الاقتصاد الوطني. و هو نمو يرتكز، نظرياً، على تواجد ثلاثة قطاعات: قطاع الدولة المسؤول عن المشاريع الصناعية الكبرى و المنشآت القاعدية، و القطاع التعاوني المطلوب منه تأطير و تنشيط الزراعة الذي يأمل منه أن يمتد، تدريجياً، إلى فروع أخرى من الاقتصاد الوطني، و أخيراً القطاع الخاص المدعو لأن ينمو ويتطور شريطة أن يراعي، بصورة صارمة، توجيهات المخططين[7]. لقد حققت هذه السياسة الاقتصادية نتائج معتبرة للغاية تجلت في معدل النمو السنوي الذي تجاوز نسبة 5 % [8]. كما سمحت هذه السياسة بإنجاز منشآت قاعدية هامة و بناء مرافق و مؤسسات للدولة الحديثة .

صحيح أن تجربة التعاونيات كانت ضمن المحاولات الأولى للدولة في عملية التحديث و العدالة و التقدم غداة الاستقلال، لكنها كانت أيضاً، و هذا ما هو مهم في هذا العمل، ضمن الممارسات القائمة على النزعة التوجيهية المتسلطة التي حاولت الدولة الفتية أن تؤسسها في تونس، كما كانت واحدة من الآليات التي ظهرت فيها كفاعل واحد و وحيد حائز على السلطة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. غير أن هذه التجربة لم تكن قائمة على استشارة السكان المعنيين، و لا هي أيضاً قائمة على دراسة مسبقة، الأمر الذي أدى بها إلى الفشل، فقد بدأ النظام التعاوني خلال فترة 1969 يترك مكانه لسياسة أخرى، ممثلة في السياسة الليبرالية.

لقد قدمت السياسة الجديدة نفسها كسياسة عقلانية و مستخلصة للعبر و الدروس من الإخفاقات السابقة. بالفعل، فإذا كان التصور القديم قد جعل من الدولة الحائز الوحيد للمجال الاقتصادي الوطني، فإن المقاربة الجديدة فتحت الطريق للرساميل الوطنية و الأجنبية. و في هذا الإطار، يشكل قانونا 1972 و 1974 المقدمات القانونية للاقتصاد الليبرالي. و انطلاقاً من ذلك تبنت تونس استراتيجية اقتصادية كان من أهدافها تشكيل و تطوير فئة من المقاولين الخواص و توفير جو من الحريات الاقتصادية كفيل باستعادة ثقة الحائزين على الرساميل بالدولة[9]. يتعلق الأمر، إذن، بتراجع استراتيجي للدولة و تحميل المجتمع المسؤولية في مجال التنمية.

غير أن النتائج المُتحصل عليها في سنوات السبعينيات كانت متباينة في ميدان الخوصصة. فقد احتفظت الدولة بمكانة و دور متعاظمين في المجال الاقتصادي، سواء تعلق الأمر بالتشريع و المراقبة و المتابعة أو الاستثمار. تجب الإشارة إلى أن مساهمتها في مجموع الاستثمارات قد انتقلت من 36 % خلال فترة النظام التعاوني إلى 42 % خلال هذه الفترة الثانية[10]. و لهذا السبب قررت الدولة زيادة تخليها عن المجال الاقتصادي و الاكتفاء بدور الحكم. لقد عرف المجال الاقتصادي، تدريجيا، خلال فترة الثمانينيات تدخل فاعلين أجانب جدد في ميدان التجارة العالمية.

لقد تسارعت عملية الانفتاح على الخارج بفعل سلسلة من القوانين الرامية إلى اجتذاب الرساميل الأجنبية و تشجيع الاستثمارات المحلية. بالفعل، فقد تم إصدار جملة من القوانين و خلق و تدعيم مراكز ترقية و الإنتاج الاقتصادي (مثل وكالة ترقية الصناعة، وكالة ترقية الاستثمارات الزراعية، مركز ترقية الصادرات...). كما جرى تبني و دعم سياسة مالية لتحرير الاقتصاد في سنوات التسعينيات، عن طريق تخفيض قيمة الدينار التونسي و إعادة هيكلة البورصة (1990)[11].

و رغم ذلك، فإن الدولة لم تتمكن من تسيير متطلبات اقتصاد السوق. بل على العكس من ذلك، فإن سيطرة الدولة ما فتئت تتعاظم و تتفاقم، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي و الاجتماعي أو السياسي. فعلى الصعيد السياسي لم تقبل الدولة بالمرة وجود خطابات مخالفة لخطاباتها حتى و لو كان ذلك من النقابة. و بالفعل، فإن حركات الاحتجاج التي جرت في 26 جانفي 1978 تجسد بصورة واضحة التوتر بين الفئة الاجتماعية و المهنية الجديدة و الدولة المسيّرة. كما يجسد ذلك من جهة أخرى موقف الفئات الجديدة تجاه نزعات السيطرة و التسلط التي اتصفت بها الدولة.

أما في المجال الاقتصادي، فقد احتفظت الدولة بموقعها كرائد و مسير واحد و وحيد للحقل الاقتصادي. لقد شكل تدخلها المباشر في المؤسسات عائقاً في عملها وفق معايير التسيير السليم[12].

أما فيما يتعلق بالمجال الاجتماعي، المرتبط بالمجالين الأوليين، فيجب ملاحظة أنه لم تتمكن لا الدولة و لا المجتمع من تغيير نظرتهما حول بعضهما. بالفعل، فإذا كانت الدولة تعتبر نفسها كفاعل وحيد في الحياة الاجتماعية، و تعتبر المجتمع "غير قادر" على القيام بهذا الدور- و هذا ما لا يتوافق مع مبادئ الليبرالية- فإن الأفراد يعتبرون أنفسهم "كأبناء الدولة" لهم الحق في العمل و التعليم و العلاج و الضمان الاجتماعي إلخ... و يعتبرون الدولة كمسؤول وحيد عن نوعية حياتهم المعيشية. إن "ثورة الخبز" التي اندلعت سنة 1984 عقب مضاعفة أسعار الحبوب، تجسد اتهام السكان للدولة في تقصيرها عن تحمل مسؤوليتها الاجتماعية[13].

لقد كان لهذا الحدث، في نظرنا، آثار حاسمة في التاريخ المعاصر للدولة في تونس. لقد برهن من جهة عن عجز الدولة-الوطنية عن تسيير هذا النوع من الأزمة الاقتصادية، و من جهة ثانية، عبر المجتمع بصورة واضحة عن تمرده و عصيانه تجاه هذه الدولة. لقد فهمت الدولة، على إثر ذلك، أن شرعيتها مطعون فيها، فقررت حينئذ التراجع عن قرارها، محتفظة دائماً بموقعها كدولة اجتماعية.

نهاية الدولة الاجتماعية و مسألة الشرعية : تحديات العولمة

لقد تميّزت سنوات الثمانينيات بأزمة اقتصادية عالمية كانت لها آثار مباشرة على الاقتصاديات الطرفية. إن تونس والتي تحملت طيلة العقود الأولى من الاستقلال سياسة اقتصادية تابعة تجاه الخارج، خصوصاً في مجال تمويل التنمية، كانت في مقدمة الدول المتأثرة بهذه الأزمة. إن المؤشرات الدالة على الدخول في الأزمة عديدة: التدني المحسوس لنمو الناتج الداخلي الخام، تفاقم البطالة، تدني القوة الشرائية للعاملين الأجراء، تراجع الاستثمارات، تراجع إنتاجية العمل، التدهور الملموس و المستمر في مردودية رأس المال، أزمة ميزان المدفوعات الخارجية و ما إلى ذلك[14].

استعانت الدولة التونسية في مواجهة هذه الأزمة بالمقرضين الدوليين و قد فرض هؤلاء سياستهم على البلاد، معتبرين الدولة الاجتماعية عديمة الجدوى الاقتصادية لأنها تعيق الدافعية إلى العمل و الحركية و الادخار، فسياساتها و حمايتها ستكون لها كلفة باهظة على حجم الاستثمارات و من ثم التشغيل. فضلاً عن أن الفوارق بين المداخيل الضعيفة ستحد من تباينات الاستهلاك و بالتالي تقلص الإنتاج القائم على الاستخدام المكثف لليد العاملة[15].

يتعلق الأمر بإجراء تعديل هيكلي، مرتكزاً على التدابير التالية: فتح الحدود، تخفيض قيمة العملة الوطنية، الأولوية المطلقة للصادرات، تقليص تدخل الدولة، خوصصة الجهاز الإنتاجي و قسم من الخدمات، إلغاء المراقبة على الأسعار الداخلية، تقليص كلفة العمل...إلخ[16]. تلخص هذه الإجراءات، حسب تعبير يورغن هابرماس، عملية انتقال من اقتصاد موجه نحو الطلب إلى اقتصاد موجه نحو العرض. وهو انتقال يوضح تحول وتفكك الدولة الاجتماعية "كنتيجة مباشرة لسياسة اقتصادية موجهة نحو العرض، مستهدفة في الآن نفسه تحرير الأسواق، و تقليص الدعم و تحسين شروط الاستثمار، و الميل نحو سياسة مناهضة للتضخم و كذا تخفيض الضرائب المباشرة، و خوصصة المؤسسات العمومية و إجراءات أخرى على هذا النمط"[17].

و بالتالي، فإن تراجع دور الدولة في المجال الاقتصادي وضياع موقعها كفاعل وحيد سيفقدها شرعيتها الاجتماعية و السياسية القائمة على مبادئ تصفية الاستعمار و العدالة و التقدم و رفاهية الجميع. و هي مبادئ عمل المجتمع على استبطانها منذ أكثر من عشريتين، ذلك أن غالبية التونسيين، و هذا حسب رأي عزام محجوب، كانوا يعتبرون الدولة فاعلا مركزيا، مسهما بصورة حاسمة في عملية النمو الاقتصادي، و مخففاً من تقلبات الأزمات الدورية عن طريق السياسات المالية و النقدية، و محافظاً على الاستقرار الاجتماعي و السياسي[18].

إن تراجع دور الدولة على الصعيد الاقتصادي، بفعل إملاءات المقرضين الدوليين، لا يمكنه أن يتم دون حدوث اختلالات خطيرة[19]. فعلاً، فقد كان لتطبيق برنامج التعديل الهيكلي انعكاسات هامة في كل المجالات و على جميع الفئات الاجتماعية. فعلى الصعيد الاجتماعي، يمكننا أن نذكر جملة من التغيرات الضخمة: فضلاً عن الخوصصة المتسارعة للمؤسسات العمومية و ما ترتب عنها من تسريح أعداد كبيرة من العمال، فقد طال تراجع دور الدولة الاجتماعي كل أشكال الدعم المرتبط بقوة العمل. و من جهة أخرى، فقد ارتفعت الأسعار بصورة متسارعة طالت مختلف المواد من ضمنها تلك المواد المدعمة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قبل "الصندوق العام للتعويضات" أو من قبل المؤسسات العمومية (خبز، زيت، ماء شروب، أدوية، كهرباء، نقل...). كما قامت الدولة بتخليها عن التكفل بالخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها من قبل (خصوصاً في مجالي الصحة و التعليم)، و قد تم الإعلان عن ذلك بصورة صريحة منذ المخطط السابع للتنمية (1987-1991)، مسلّمة دورها لرأس المال الخاص[20]. و قد نجم عن هذا التراجع المفاجئ للدولة ظهور أزمة معممة. أولاً، أزمة مشروعية اقتصادية و اجتماعية التي تعيشها الدولة في زمن العولمة. في الأصل، كانت الإجراءات التي اتخذتها الدولة، حتى و إن كانت من إملاءات خارجية، تستهدف بناء علاقة الدولة بالمجتمع. و ثانياً، أزمة مشروعية سياسية طالت معظم البلدان السائرة في طريق النمو نتيجة إخفاق الحكومات الوطنية في إعادة التوازن الاقتصادي وفرض قوانين متوافقة مع خيارات الناخبين. هناك انتخابات متعاقبة و برامج انتخابية متشابهة غير أن قلة من الحكومات كانت تفي بالتزاماتها[21]، و هذا ما يجيز لنا بالتالي الحديث عن أزمة ثقة. فعلاً، لقد فقدت الشعوب الثقة في قدرة الحكام على تجاوز الأزمات المعممة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.

فضلاً عن أزمة المشروعية هذه، فإن الدولة-الوطنية تجد نفسها في مواجهة تهديد مزدوج: تهديد من العولمة و ما تفرضه من تنميط و توحيد معايير الاقتصاد بفعل التفاعل المترابط و المنافسة بين مختلف الفاعلين، و تهديد أيضاً من سوء الحكامة. تقوم العولمة في أساسها على ثورة تقنية في غاية الأهمية، ممثلة في إلغاء المسافات بفعل تقدم الاتصالات[22].

بما أن سلطة الدولة-الوطنية تقوم في جوهرها على مسافة، ذلك أن هذه الأخيرة تعطي معنى لإقليم وطني ذي سيادة، فإن هذه السيادة يخشى أن تفقد تحت ضغط و تأثير متطلبات اقتصاد السوق. كما يُخشى أن تفقد الدولة أيضا موقعها كفاعل على ترابها و إقليمها، ذلك أن العولمة تسمح بظهور عدد كبير من الفاعلين، الذين سيكون لهم فعلهم الخاص على الصعيد الدولي، و إرادتهم السياسية أو سيمارسون على الدولة ضغوطاً لحملها على التدخل في الساحة الدولية[23]. يمكننا الحديث في هذا الإطار عن رأي عام دولي يتأسس و يتطور بصورة افتراضية و الذي يمكن أن ينفلت عن كل رقابة حكومية، مهملاً بصورة متزايدة دور الدولة. الأمر يتعلق بعملية تفكيك كامل للمؤسسات الكلاسيكية للسلطة و المراقبة[24] التي يمكنها أن تقوم بتسيير تنامي الارتباطات المتبادلة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.

إننا نشهد في واقع الأمر نهاية الدولة-الوطنية التي تجد نفسها متجاوزة بفعل الأحداث. تتجسد هذه النهاية في تدمير الحدود و تنميط و توحيد معايير السياسات الاقتصادية و الاجتماعية على الصعيد الدولي الذي يجد نفسه هو أيضاً تحت سيطرة فاعلين جدد. و يصبح السوق هو الذي يقرر كل شيء. تلك هي، بصورة من الصور، إحدى المبادئ الأساسية للعولمة وواحدة من الدلالات الأكثر وضوحاً للمفهوم الجديد "للحكامة الدولية" التي تعني أيضاً الانتقال من مركزية السلطة على المستوى الوطني إلى مركزية السلطة و القرار على الصعيد الدولي. و هذا ما نلاحظه في نشأة المنظمات الدولية مثل "المنظمة الدولية للتجارة"، التي حددت في بداية نشأتها "كتنظيم يشير إلى ميلاد دولة القانون التي يخضع فيها العالم كله لنفس القواعد و القوانين[25]". و لكن أي قواعد و قوانين يتعلق الأمر؟

ليست العولمة شوملة للاقتصاد بالمعنى الذي تمتد لتشمل فوائدها، بصورة متجانسة، أعداداً متزايدة من البلدان و السكان. فهي على العكس من ذلك، عولمة "مقصية"، حيث لا توجد في فضائها حظوظ متساوية[26] بين المؤسسات و السكان و بلدان العالم. الأمر يتعلق هنا، إن جاز التعبير، بقانون الأقوى حيث لا يمكن فيها لا للدولة و لا لمجتمعات بلدان الجنوب أن تلعب أدوارها الكلاسيكية في الحكامة و ضبط و مراقبة إقليمها الذي باتت تخترقه استراتيجية من ظهر هو الأقوى.

أي نوع من الدولة نحن في حاجة إليه اليوم ؟ الاتجاه نحو قواعد جديدة للتبادل بين الدولة و المجتمع

ما فتئت الحكومات في العالم كله، شمالاً و جنوباً، تؤكد، مع نهاية كل سنة، على النمو الاقتصادي المتحقق في بلدانها. غير أننا نلاحظ، في ذات الوقت، في مختلف تقارير المنظمات الأممية، مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية، و المنظمة العالمية للعمل، أو مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية، أن النتائج المتحصل عليها و المتعلقة بالتنمية البشرية لازالت هزيلة جداً. فعلاً، إن الفقر و البطالة و اللامساواة... إلخ التي اعتبرت دوماً من المهام ذات الأولوية في برامج الحكومات ما فتئت تتزايد، سواء في شمال الكوكب أو جنوبه. و هي وضعية باعثة على الغضب و الثورة التي لم تعمل الثروات الإجمالية (بمفهوم الناتج الداخلي الخام) إلا على زيادتها[27].

لقد أصبح النمو الاقتصادي اليوم أكثر ارتفاعاً في معظم بلدان العالم بفعل الزيادة الكبيرة للإنتاج، و التبادل وتداول رأس المال على الصعيد العالمي، غير أن أزمة نموذج التنمية الجديد لازالت انعكاساته محسوسة بشكل متنامي. و إذا قامت كل الجماعات الموجودة اليوم بتأسيس شرعيتها و متطلباتها و آمالها في علاقتها بالعولمة و انعكاساتها[28]، فستجد نفسها أمام النظام الدولي الواجب الانخراط فيه أكثر انغلاقاً، و يستفيد منه الفاعلون الأكثر قوة و الذين يمكّنهم موقعهم هذا من تسيير إزالة الحواجز في وجه السلع و تداول رأس المال على الصعيد الدولي. و بالتالي ستجد معظم الدول نفسها مهمشة بصورة متنامية. و سوف لن يكون بإمكان الفاعلين الكلاسيكيين القيام بأي دور ولا التفاوض على المستوى العالمي كما كانوا يفعلون ذلك ضمن حدود إقليمهم الخاص. و ستجد الدولة نفسها هنا، دون شك، أول الفاعلين المستبعدين.

فإقصاء الدولة و استبعادها لا يمكنه إلا أن يولد تنامي اللامساواة الاجتماعية داخل حدود البلد نفسه و ما بين الدول، كلها مطالبة، في معظم الأحيان، بخوض غمار المنافسة رغم أنفها. و يترتب عن ذلك فقدان فئات اجتماعية-مهنية واسعة لمناصب عملها و مداخيلها و وسائل التحرك. أما الدول، فسيجد الكثير منها نفسه مهمشاً على نحو متزايد و متأثراً بالمنافسة الدولية الشرسة، حيث لا يمكن لهذه الدول أن تحظى بأي مكان فيه. فالخيارات المتاحة للدولة-الوطنية أصبحت متضائلة أكثر. يوجد من بين هذه الخيارات، خياران مقصيان و هما: النزعة الحمائية و العودة إلى سياسة اقتصادية قائمة على الطلب. لا يمكن القيام بوظائف الدولة الاجتماعية إلا إذا جرى نقلها من الدولة-الوطنية إلى وحدات سياسية التي عليها أن ترتفع إلى مكانة تلعب فيه دوراً اقتصاديا بات عابراً للأوطان[29]

و على رغم أن الدولة تخلت عن الدور الاقتصادي و الاجتماعي، فلازالت، مع ذلك، تحتفظ بسلطة واسعة على الفئات الاجتماعية المعوزة. و هكذا، نلاحظ، ما كان بيار بورديو يسميه بازدواجية الدولة: من جهة هناك الدولة التي تقوم بتأمين الضمانات الاجتماعية، لكن للمحظوظين، و من جهة أخرى هناك الدولة القمعية، البوليسية للشعب[30]. إن هذا الطابع "الازدواجي للدولة" يعود، في نظرنا، إلى فقدان مشروعيتها بسبب تخليها عن الميدان الاجتماعي.

صحيح أن تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي ترتبت عنه خيبة أمل شاملة من جانب الفئات الشعبية تجاه الدولة و ريبة و عدم ثقة تجاه النظام في مجمله. و يعني هذا أننا لازلنا في حاجة إلى الدولة و يجب علينا الدفاع عنها و خصوصاً عن دورها الاجتماعي. سنحتاج، من أجل تسيير مجمل التحولات الاجتماعية و السياسية الدولية، إلى علاقة جديدة بين الدولة و المجتمع التي تتأسس لا على الزبائينة التي ميزت لفترة طويلة هذه العلاقة، و إنما على مبادئ الحكم الراشد. يجب على هذه الاستراتيجية أن تقوم على نوع من التوافق و التكامل بين دولة فعالة و مجتمع مدني فاعل و قطاع خاص ديناميكي. و بقدر ما يشغل المجتمع جانباً أكثر اتساعاً و أهمية في فضاء كان في السابق حكراً على الدولة، بقدر ما تتمكن هذه الأخيرة من تنظيم تدخلاتها و تسهر على المحافظة على مصالح كل المجموعات.

و في هذا الإطار، تركزت العلاقات الدولية المتعلقة بالتنمية البشرية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة[31] حول فكرة مفادها أن نجاح التنمية مسألة سياسية بقدر ما هي اقتصادية. فعلاً، فإن هدف التقليص الدائم للفقر يتطلب إعطاء السلطة للفقراء عن طريق تبني أنماط متينة من الحكامة الديمقراطية على جميع المستويات. إن هذا "الوعي الدولي" لأهمية نقل السلطة بين الدولة و المجتمع المدني باسم الحكم الراشد ليس بالأمر الغريب، بل بالعكس من ذلك. فقد أشارت وثيقة صادرة عن "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" و التي ظهرت سنة 1997[32] إلى أهمية التوليف و الربط بين "الكينونة والملكية" و"الحقوق والواجبات" المتعلقة بجماعة المصالح المشتركة و الأفراد أنفسهم في إطار استراتيجيات جديدة للتنمية البشرية.

يمكن عرض أهم ما جاء من مبادئ الحكم الراشد، كما حددتها العديد من وثائق "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" (PNUD)، في ما يلي[33]:

المشاركة

يجب أن يكون لكل الرجال و النساء صوت في مجال اتخاذ القرارات، بصورة مباشرة أو بواسطة المؤسسات الشرعية التي تمثل مصالحهم. تقوم المشاركة الواسعة على حرية التجمع و التعبير، وكما تقوم على القدرات الضرورية للمشاركة بصورة بناءة في اتخاذ القرارات.

أولوية القانون

يجب أن تكون الأطر القانونية عادلة و نصوصها مطبقة بصورة حيادية، خصوصاً القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان.

القدرة على التعديل

يجب أن تكون غاية المؤسسات و الإجراءات هي الاستجابة لحاجيات كل الأطراف المعنية.

توجيه الإجماع

يلعب الحكم الراشد دور الوسيط بين المصالح المختلفة بهدف الوصول إلى إجماع على كل ما من شأنه أن يخدم مصالح الجماعة، و عند الاقتضاء، الإجماع على السياسات و الإجراءات.

الإنصاف

لكل الرجال و النساء إمكانية تحسين شروط حياتهم أو الإبقاء عليها.

المسؤولية

 على صناع القرار على مستوى الحكومة، و القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني واجب تقديم الحساب للجمهور و كذا للأطراف المؤسساتية المعنية.

الرؤية الاستراتيجية

تعني الرؤية الاستراتيجية امتلاك كل من القادة و الجمهور آفاقاً واسعة على المدى البعيد لمفهوم الحكم الراشد و التنمية البشرية. كما تعني فهمهم لجميع المعطيات التاريخية و الثقافية و الاجتماعية في تعقيداتها المندرجة ضمن هذه الآفاق.

يتحدد مفهوم الحكم الراشد، إذن، بفعالية الفاعلين، و إنصافية الجماعة و أولوية القانون. كما يحرص على أن تكون الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قائمة على إجماع واسع على مستوى المجتمع و مختلف الفاعلين. كما يقوم الحكم الراشد على تسهيل وضمان ولوج المجموعات الاجتماعية -التي ظلت و لمدة طويلة مقصاة- إلى الحياة العمومية و مجال اتخاذ القرارات، خصوصاً النساء و الشباب و الفقراء و الأقليات...إلخ.

الخاتمة

و ختاماً، و بعد اطلاعنا على مختلف خصائص عملية التنمية في تونس، يمكن القول أن المبادئ المترابطة للحكم الراشد كانت غائبة في كل سياسات التنمية المتبعة من قبل الدول-الوطنية في البلدان المتخلفة. و ربما، بسبب ذلك، باءت نماذج التنمية التي تعاقبت خلال السنوات الطويلة، و في كل أنحاء العالم، بالفشل[34]. إن هذا النوع من العلاقة بين الدولة و المجتمع هو ما كان يجب علينا، بالأحرى، الدفاع عنه، محلياً و دولياً. و هي علاقة يجد فيها كل فاعل، أيّاً كان، مكانته ويمكنه الإسهام في تنمية الإنسان و العالم كله. فالحاجة إلى دولة فعالة باتت أهميتها ملحّة بصورة متزايدة.

Bibliographie

Delcourt, J. (1992), « Globalisation de l’économie et progrès social ; L’Etat à l’heure de la mondialisation », Revue futuribles, Avril.

Dujardin-Lacoste, C. et Lacoste, Y. (1991), L’Etat du Maghreb, Tunis, Cérès Productions,.

Elmannoubi, K. (1993), Industrialisation et compétitivité en Tunisie, Tunis, Editions l’or du temps .

Elmelki, H. et Santucci, J.C (S/D) (1990), Etat et développement dans le monde arabe, Paris, Editions du CNRS.

Habermas, J. (2000), Après l’Etat-nation. Une nouvelle constellation politique, Traduits de l’allemand par Rainer Rochlitz, Paris, Fayard.

Hermassi, A. (1998), Etat et développement au Maghreb. L’exemple tunisien, Tunis, Cérès Productions, (Texte en arabe).

Horman, D. (2001), Mondialisation excluante, nouvelles solidarités, Paris, L’Harmattan.

Lahmar, M. (1994), Du mouton à l’olivier; Essai sur les mutations de la vie rurale maghrébine, Tunis, Cérès Productions.

Moala, M. (1992), L’Etat tunisien et l’indépendance, Tunis, Cérès Productions.

PNUD: La gouvernance en faveur du développement humain durable: Document de politique générale du PNUD. Consulté sur Internet: www.magnet.undp.org/docs/UN98-21.PDF/Govfre.htm

Roy, J.L. (1995), Mondialisation, développement et culture, Québec, Editions Hurtubise HMH.

Valaskakis, K. (1992), « Mondialisation et gouvernance; le défi de la régulation publique planétaire », Revues futuribles, N°235, Avril.

Zghal, A. (1970), « La participation de la paysannerie maghrébine à la construction nationale », Revue tunisienne des sciences sociales, N°22, 7ème année, Juillet.



ترجمة :

الهوامش

*مقال سبق نشره في مجلة إنسانيات العدد 39، 40 سنة 2008.

[1] Beau, P. (2006), Louis XI, créateur de l’Etat-nation, Consulté sur Internet : www.solidariteetprogres.online.fr (25 avril).

[2] Boudon, R. et Bourricaud, F. (1982), Dictionnaire critique de la sociologie, Paris, PUF, p. 400-401.

[3] لنذكر في هذا الصدد فكرة الفيلسوف مونتيسكيو حول توزيع السلطات (التشريعية، القضائية والتنفيذية) المميزة لنوع معين من التنظيم السياسي الذي يسميه بالـ"الأمة". كما أشار مونتيسكيو أيضاً إلى أن النظام الاجتماعي كلما كان قائماً على وجود نظام سياسي حديث كلما كان البشر متمدنين، ساعيين إلى الاحتكام في علاقاتهم إلى القوانين. ولنذكر أيضاً مثالاً ثانياً الذي يمكنه، دون شك، اثراء تحليلنا، ألا وهو عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، المؤسس لعلم الاجتماع السياسي، الذي ابتكر مفهوم البيروقراطية للإشارة إلى نوع من الإدارة التي تتحكم فيها "سلطة عقلانية قانونية". وهكذا، فحينما نقر أن المركزية تشكل واحدة من الشروط الضرورية للنظام البيروقراطي، وجب علينا أن نعترف أن البيروقراطية ليست إلا شكلاً من الإدارة العمومية في ظل نظام سياسي مركزي هو الدولة.

[4] Moala, M. (1992), L’Etat tunisien et l’indépendance, Tunis, Cérès Productions, p. 17-22.

[5] Zghal, A. (1970), « La participation de la paysannerie maghrébine à la construction nationale », Revue Tunisienne des sciences sociales, Tunis, N°22, 7ème année, Juillet, p. 144-147.

[6] Lahmar, M. (1994), Du mouton à l’olivier ; Essai sur les mutations de la vie rurale maghrébine, Tunis, Cérès Productions, p. 147

[7] Bessis, S. (1990), Banque Mondiale et FMI en Tunisie : une évolution sur trente ans, in Elmelki, Habib et Santucci, J.C (S/D), Etat et développement dans le monde arabe, Paris, Editions du CNRS, p. 137.

[8] Elmannoubi, K. (1993), Industrialisation et compétitivité en Tunisie, Tunis, Editions « l’or du temps », p. 14.

[9] Hermassi, A. (1998), Etat et développement au Maghreb. L’exemple tunisien, Tunis, Cérès Productions, p. 81 (Texte en arabe).

[10] Ibid, p. 87

[11] Toumi, M. (1991), L’économie tunisienne ; une option libérale de longue date, in Lacoste Dujardin, Camille et Lacoste, Yves, L’Etat du Maghreb, Tunis, Cérès Productions, p. 454.

[12] Bessis, S. Banque Mondiale et FMI en Tunisie, op.cit., p. 142.

[13] Voir Benjannet, Z. (2005), « Les stratégies de l’acteur de développement entre exigences locales et contraintes de la mondialisation », (En arabe) Revue algérienne d’anthropologie et des sciences sociales, Insaniyat, N°28, 9ème année, Oran, Avril-juin, p.44.

[14] Ben Romdhane, M., « Fondements et contenu des restructurations face à la crise économique en Tunisie ». Une analyse critique, in Etat et Développement au Maghreb, op.cit., p. 150-151.

[15] Delcourt, J. (1992), « Globalisation de l’économie et progrès social ; L’Etat à l’heure de la mondialisation », Revues futuribles, Avril, p.9.

[16] Bessis, S. Banque Mondiale et FMI en Tunisie, op.cit., p. 146.

[17] Habermas, J. (2000), Après l’Etat-nation. Une nouvelle constellation politique, Traduit de l’allemand par Rainer Rochlitz, Paris, Fayard, p. 29.

[18] Mahjoub, A. « Etat, secteur publique et privatisation en Tunisie », in Etat et développement dans le monde arabe, op.cit., p. 305.

[19] Dimassi, H. « Le désengagement de l’Etat tunisien de la reproduction de la force de travail », in Etat et développement dans le monde arabe, op.cit., p. 338.

[20] Voir Dimassi, H. ibid, p. 336-338.

[21] Valaskakis, K. (1992), « Mondialisation et gouvernance; le défi de la régulation publique planétaire », Revue futuribles, N°235, Avril, p. 19-20.

[22] Badie, B. (2006), (Entretien avec), L’Etat-nation un acteur parmi d’autre. Consulté sur Internet: www.diplomatie.gouv.fr/label_france/FRANCE/DOSSIER/2000/05etat.html (14/04).

[23] Ibid.

[24] Voir Taurin, N. (1999), « Le démantèlement des institutions intermédiaires de la régulation sociale », Sociologie et Société, Volume 31, N°2, Automne.

[25] ذلك هو التعريف الذي قدمه السفير الذي مثّل أوروبا في مفاوضات "الغات" (GATT) ، والمنظمة العالمية للتجارة في سنة 1995.

Voir, Revue Information économique africaine, N°250, Janvier-févriers 1995, p. 28-32.

[26] Horman, D. (2001), Mondialisation excluante, nouvelles solidarités, Paris, L’Harmattan, p. 21.

[27] Ibid, p. 20.

[28] Roy, J. (1995), Mondialisation, développement et culture, Québec, Editions Hurtubise HMH, p. 17.

[29] Jurgen, Après l’Etat-nation… op.cit., p. 31-32.

[30] Bourdieu, P. (1996), Le mythe de la mondialisation et l’Etat social européen. Intervention à la confédération générale des travailleurs grecs, à Athènes, Octobre, Consulté sur Internet :

www.hommemoderne.org/societe/socio/bourdieu/contrefe/mythe.html (17/09/2004).

[31] أنظر، على سبيل المثال، تقرير "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" لسنتي 2002 و2005. الأول بعنوان "تعميق الديمقراطية في عالم مشتت" والثاني بعنوان "التعاون الدولي في مفترق الطرق: المساعدة، والتجارة والأمن في عالم متميّز باللامساواة".

فعلاً، فإذا كان التقرير الأول قد ركز على واقع أن الحكم الراشد قد بات شرطاً ضرورياً للتنمية البشرية، فإن التقرير الثاني قد أشار إلى تنامي اللامساواة على الصعيدين المحلي والدولي، الأمر الذي يستلزم تدخل سياسة دولية جديدة بغية إحداث توازن على النظام الاقتصادي والاجتماعي. يمكن الاطلاع على هذين التقريرين على شبكة الانترنت على الروابط التالية:

hdr.undp.org/reports/global/2002/fr

hdr.undp.org/reports/global/2005/fr

[32] PNUD : La gouvernance en faveur du développement humain durable : Document de politique générale du PNUD. Consulté sur Internet : www://magnet.undp.org/docs/UN98-21.PDF/Govfre.htm.

[33] Patrick, S. (2004), La bonne gouvernance une culture de la paix. Avril. Institut de Documentation et Recherche sur la Paix. Consulté sur Internet : www.institutidrp.org. (26/03/2005).

 [34]هناك أكثر من مليار شخص لا يملك الواحد منهم إلا دولاراً واحداً في اليوم ليعيش ويكافح ضد الأمراض والجوع وتدهور البيئة.

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact