الحركة الجمعوية و واقع التنظيمات الشبانية

الحركة الجمعوية و واقع التنظيمات الشبانية

يندرج واقع التظيمات الشبانية تحت خانة الممارسة التي اختارتها لتفعيل نشاطها اليومي المبني على أساس الوجود المستقل كتنظيم له كيان هيكلي منتظم في إطار تقاطع شبكة الأهداف و المصالح و المهام التي تكونت بفعل قناعات الأعضاء و اختياراتهم، من أجل المشاركة أو المعارضة في الساحة الثقافية أو الاجتماعية أو المشايعة السياسية، حسب ما يحقق مصالح التنظيم أو مصالح الجماعة المكونة له. و أحسن وسيلة لمعرفة هذا الواقع هي تتبع الدور الذي تلعبه هذه التنظيمات الشبانية، من خلال حقل الفعل الثقافي و الترفيهي الذي تختص فيه هذه التنظيمات، و ما أكثرها. و من أجل إظهار ذلك تتبعنا مسار صنفين من هذه التنظيمات.

الصنف الأول يعمل ضمن اهتمامات و لائية، و الصنف الثاني ضمن اهتمامات وطنية. و قبل الحديث عن الفعل الثقافي و الترفيهي لهذه التنظيمات، لابد من الاشارة إلى و جود أو عدم و جود هذا المفهوم ضمن أهداف هذه التنظيمات في شكلها العام. و إن وجد، هل يعني أو يؤدي نفس المعنى الذي نعمل على محاولة تعريفه ضمن هذا العمل ؟ و هل مجمل الأنشطة التي تمارسها هذه التنظيمات يمكن تصنيفها في خانة الفعل الاجتماعي الثقافي و الترفيهي الذي نعنيه ؟ هذه التساؤلات و غيرها قد نجد الإجابة عليها في الأهداف و البرامج المسطرة من طرف هذه التنظيمات.

و نتبنى مبدئيا المفهوم التالي: يدخل ضمن مفهوم الفعل الاجتماعي و الثقافي و الترفيهي، كل الأنشطة المتعلقة بتنظيم واستغلال الوقت الحر سواء كان ذلك بغرض تحسين الأداء الثقافي و الفني أو إحياء الموروث الاجتماعي و الثقافي، أو تحديث و ابتكار أساليب ترفيهية جديدة في مختلف التقنيات المعلوماتية، و الإعلامية الاتصالية… الخ.

الإمتداد التاريخي للحركة الشبانية في الجزائر

يعد قانون 1901 بمثابة الإطار القانوني لكافة التنظيمات، سواء في فرنسا أو مستعمراتها، فقد كان هذا النص الإطار الذي بنيت على أركانه مختلف التنظيمات، وبحكم التطورات التي حدثت في مختلف الميادين، و بالأخص ميدان تأطير وتنظيم الشباب، عرفت سنة 1943 نشاطا مكثفا من أجل إيجاد أفكار و مبادئ تقام عليها أسس الحركة الشبانية من أجل تجنيدها و إعدادها لتحمل المهام الجديدة التي استدعتها الحرب العالمية الثانية، و الاستعداد للتحول المرتقب على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي بعد انتهاء الحرب. و بسبب هذه الأوضاع التي كانت تعيشها فرنسا، عقد أول اجتماع لمجلس الشباب الفرنسي في الجزائر المستعمرة، حيث نوقشت فيه شروط الاعتماد و إجراءاته، و من ضمن ما عرض من أفكار هو أن الدولة لا تستطيع أن تتعامل بصفة مباشرة مع مختلف فئات الشباب، إذ لابد من وجود تنظيم يضم كل التنظيمات، و تكون معتمدة من طرف الجهات المخولة حسب الطرق المعمول بها، أو تعتمد حسب أساليب و طرق تتناسب مع الظروف و المهام التي تضعها هذه التنظيمات في مسار نشاطها، و في هذا الاجتماع نوقشت لأول مرة شروط تأسيس و تكوين الحركات الشبانية، و تمخض عن النقاش بروز فكرتين أساسيتين: 

ـ الأولى طرحها "فريدريك كاك لان" و تشير إلى ضرورة الإلتزام بالمؤسسات القائمة المتفتحة، التي تستجيب و تتجاوب مع المطالب الجديدة للتعبئة و التحشيد للحركات الشبانية.

ـ الفكرة الثانية: طرحها "روبير باردو" مستشار الشبيبة و ممثل حركة المقاومة و هذه الفكرة أقرب إلى المدلول السياسي السائد آنذاكbasiste ، و من مجريات النقاش برزت مجموعة من الأفكار أهمها: 

فكرة "كاك لان" التي تقول: إن الحركة الشبانية تتطلب أولا انخراطا حرا والقليل من التنظيم الداخلي، ما يؤدي إلى تراتب تنظيمي في المناصب. والهدف من كل هذا هو هدف تربوي. أما "روبير باردو" فقال: "إن الحركة هي تجمع شباني، يتمتع بمبادرة حقيقية، للتنظيم والتفاعل، حسب أهداف و غايات فكرية، من أجل تكوينهم الإنساني، و توحيد أفكارهم للحصول على المطالب المرغوبة"[1].

و في هذ الاجتماع تم اعتماد رؤية و أفكار "فريدريك كاك لان"، و كانت الحركات الشبانية في هذه الفترة هي التى تشّرع و تنفذ في نفس الوقت. لأن مجال العمل و النضال من أجل الحرية كان لا يزال في المراحل الأولى لظهور و عمل هذه الحركات.

لقد أنشىء لتأطير هذه الحركات مؤسسات خاصة لتكوين المؤطرين و القادة، إلى جانب إقامة مراكز لممارسة مختلف الأنشطة التي تخص التنشيط الاجتماعي و الثقافي و الترفيهي الموجه للشباب، و هذا ابتداءا من سنة 1940. و كانت هذه المدارس تحت وصاية كتابة الدولة للشباب، أما المراكز التي تمارس فيها الأنشطة الاجتماعية و الثقافية و الترفيهية فكانت تابعة لوزارة التربية الوطنية.

 أما مدارس تكوين مؤطري الحركة الشبانية في الجزائر، فأنشئت سنة 1941، و كانت تابعة لوزارة الداخلية. "و هذا حتى تكون تحت أعين أجهزة الأمن".

أما إحداث المراكز التي تتم فيها عملية التنشيط الاجتماعي و الثقافي و الترفيهي للشباب، فقد تأخر إلى غاية 1944، حيث صدر في 22 نوفمبر 1944 منشور وزاري، يعين و يحدد صفة و أهداف هذه المراكز، و من أجل إعطاء الصفة التربوية لنشاطاتها وضعت تحت وصاية المديرية العامة لوزارة التربية.[2]

لقد امتد عمل و نشاط هذه الحركات من فرنسا إلى مستعمراتها، حتى و إن كان هذا النشاط موجها إلى أبناء المعمرين و الموالين لهم من الأهالي، فقد أمتد تأثيره إلى أبناء الأهالي في إطار السياسة الاجتماعية و الثقافية التي اتبعت لتمرير الأفكار التعبوية التي كانت تقدم في شكل برامج ترفيهية و تثقيفية و اجتماعية خاصة على مستوى المراكز الريفية و"البلدات" التي دعمت بمؤطرين اجتماعين و نفسانيين يباركون كل عمل يبادر به الشباب من أبناء الأهالي حتى و لو كان متواضعا. فظهرت حركية شبانية في مختلف المجالات، الترفيهية و الثقافية و الفنية…الخ. و ذلك من أجل معارضة ما كانت تقوم به الحركة الشبانية الوطنية التي انتهجت أسلوب الكتابة و النشاط التعليمي و الثقافي كوسيلة مواجهة و رفض للسياسة الإستعمارية لإحتواء الشباب بدمجهم في التنظيمات المدجّنة. و رغم ذلك فقد لعبت هذه التنظيمات دورا مهما في التجنيد و التحشيد الوطني في الوسط الشباني، إلى جانب التجربة و الخبرة التي إكتسبها من العمل في هذه الحركة.

إنشاء مؤسسات لتكوين و تأطير الحركة

كان الهدف الظاهر من إنشاء و إقامة هذه المراكز هو تنمية الثقافة الشعبية عن طريق تكوين المنشطين لدعم الحركة الشبانية و الجمعيات الثقافية المعتمدة من طرف الجهات المخولة، و بهذه الصفة فتح المجال أمام التنظيمات الشبانية، و أعطيت لها حرية العمل و التنظيم في ظل النظام القائم.

و من أجل توفير عوامل نجاح عمل هذه الحركة، نظمت عدة تربصات و لقاءات للتكفل بمختلف الإهتمامات التي كانت الحركة تراهن عليها لإستخدامها كمنفذ للولوج إلى مختلف الأوساط الشبانية بغية استمالتها و استعمالها في ما يخدم أهداف الحركة البعيدة و الظرفية آنذاك، و جعلت من مختلف الأنشطة التي كانت تعرف آنذاك بأنشطة الشباب، مدخلا و بداية للإتصال بالشباب، و استعانت في ذلك بمؤطرين لهم الخبرة و الدّراية بقضايا الشباب، خاصة مؤطري الحركات الشبانية التي قادت مؤسسات التربية الشعبية في فرنسا، و مهدت لإقامتها في الجزائر، من أجل مد خيوط مبدأ المحافظة على الصفة اللائكية لطبيعة النظام التربوي الفرنسي. و جمعت حولها مجموعة من المثقفين والفنانين و الأدباء الذين كانوا يحملون هدف إعادة تشكيل المجتمع بطريقة تخالف الطرق السابقة التي كانت تنظر إلى الشباب على أنه مجرد قوة عمل رخيصة لتحريك عجلة الاقتصاد الكولونيالي. و من هذا المنظور جمعت حولها ما تيسر لها جمعه من الشباب الذي أظهر نوعا من التميّز من الناحية الثقافية و الفنية و الأدبية و الرياضية، و خصتهم بسلسلة من التدريبات الفنية و التقنية على أساليب القيادة و الإدارة لمختلف التظاهرات و اللقاءات، حتى تضمن الولاء و الارتباط بالمباديء التي تحملها الحركة الشبانية الفرنسية و هكذا بدأت الحركة الشبانية المختلطة في الجزائر بمد خيوطها كتنظيم يعمل على إعادة تشكيل المجتمع من جهة و مجال لرعاية المبدأ اللائكي من جهة ثانية.

 المراكز الأولى التي انطلقت منها الحركة الشبانية في الجزائر

لقد وضع تحت تصرف الحركة الشبانية مجموعة من المراكز نستعرضها كالتي:

ـ مركز سيدي المدني

أنشىء سنة 1945 في نزل كبير في مدخل مضيق الشفة على بعد 15 كلم من مدينة البليدة، و كان يتوفر على كل المستلزمات الضرورية للقيام بالأنشطة و التربصات التي تتطلبها الحركة لتنفيذ البرامج و المشاريع التي تعمل على إدخالها إلى التنظيمات الشبانية العاملة تحت ولائها. 

ـ ملحقة تيكجدة

كانت تابعة تنظيميا إلى مركز سيدي المدني. أسست هذه الملحقة في سنة 1946 على سفوح جبال جرجرة، و من ضمن أهدافها إقامة أنشطة التزلج و تسلق الجبال، كما كان يقدم فيها تكوين إضافي لتعويد الشباب على المغامرة و الحياة الجماعية و قدرة التحمل البدني و الفكري. (و كان هذا المركز مقاما في بناية تابعة للسكك الحديدية وضعت تحت تصرف الحركة). و في فصل الصيف كان المركز يتحول إلى مخيم صيفي كبير، يضم مجموعة من الشباب الوافد من فرنسا و من مختلف عمالات الجزائر من أجل فتح مجال الإتصال أمام شباب الأهالي و الشباب الفرنسي القادم من وراء البحر.

ـ مركز الرياض

يوجد على بعد 12 كلم من الجزائر العاصمة في ملكية تابعة للحركة الشبانية و التربية الشعبية، و كان هذا المركز في السابق مدرسة لتكوين مؤطري الحركة، و أجريت عليه إصلاحات للإستجابة لكل المتطلبات التي تحتاجها الحركة و ظروف التكوين. أما الآن فالمركز حُوّل إلى نزل يدعى: "موفلان دور"، داخل حديقة التسلية أبن عكنون. وانتشرت هذه المراكز فيما بعد في مختلف أنحاء الوطن تستقبل الشباب من الجنسين، تقدم لهم الأنشطة الترفيهية، و تنظم لفائدتهم الرحلات و معسكرات التخييم في الجبال و الشواطىء، كما كانت تقدم للفتيات مبادئ الرعاية الصحية و التربية المنزلية، مع تحضيرهم لتعلم مبادئ الخياطة و الحياكة، إلى جانب تعليم مبادئ القراءة و الكتابة لمن فاتهم التمدرس العادي. و هذه المراكز تحولت بعد الإستقلال إلى وصاية وزارة الشباب و الرياضة منذ اليوم الأول للإستقلال و بقيت تمارس نفس المهمة إلى يومنا هذا. و أسندت مهامها إلى وزارة الشباب و الرياضة، و التي لازالت تشرف على هذا النوع من الأنشطة الشبانية إلى يومنا هذا.

أهم الأنشطة التي بدأت بها الحركة الشبانية في المراكز التربوية مع بداية إنشائها لتأطير التنظيمات الشبانية

جدول 1 : يبين سنوات وعدد التربصات والمتربصين الذين كونتهم الحركة

السنة عدد التربصات عدد المتربصين نوع التربصات
1945 03 98 منشطو المخيمات الصيفية
1946 09 360 " " "
1947 24 760 " " "
 المجموع 36 8 1 12 " " "

المصدر: أنشئ هذا الجدول من:Document Algériens service d’Information du cabinet du gouverneur général de l’Algérie. Série social n° 20- 30 mars 1948

لقد كان نشاط التخييم حكرا على أبناء المعمرين، لذلك فعندما شرعت الحركة في ممارسة أنشطتها كان عليها أن تكون من يقوم بتأطير و تنشيط الشباب المنخرط في تنظيماتها، فإذا علمنا أن المنشط الواحد لا يمكنه أن يؤطر إلا ما بين 10 إلى 15 شابا، أمكننا معرفة لماذا ارتفع عدد المنشطين خلال ثلاث سنوات إلى 1218 منشطا، إلى جانب ذلك تجرى خلال فصل الصيف ثلاث دورات لاستقبال الشباب تستغرق كل دورة من 15 يوما إلى 21 يوما، و هكذا يرتفع العدد إلى عشرات الآلاف.

جدول 2 : يبين عدد التربصات والمتربصي- صنف مديري المخيمات الصيفية

السنة

عدد التربصات

عدد المتربصين

نوع التربصات

1945

03

98

مديري المخيمات

1946

05

169

" " "

1947

09

304

" " "

 المجموع

17

71 5

" " "

 المصدر: أنشئ هذا الجدول من: Document Algériens service d’Information du cabinet du gouverneur général de l’Algérie. Série social n° 20- 30 mars 1948

يتطلب تكوين مديري المخيمات مواصفات و شروط، كالمستوى الدراسي و قدرة التحمل العقلي و البدني، إلى جانب حسن السيرة و السلوك، الذي يؤخذ كقدوة من طرف جموع الشباب الذين يوضعون تحت إشرافه مدة فترة التخييم، لذلك كان يراعى فيه إلى جانب الصفات السابقة، صفة الولاء لمبادئ و أهداف التنظيم الذي حمّله مسؤولية الإشراف الإداري و المالي و البيداغوجي على معسكر التخييم. و بهذه الصفة أسس مشروع اجتماعي ثقافي تربوي، يعنى فيه بتكوين الشباب بطرق تختلف عن الأساليب و الطرق التقليدية المعروفة و المرتبطة بحجرة الدرس، و المراقبة و الطاعة للأوامر، إلى مجال أكثر حرية و نشاطا، حيث يُعوّد الشاب على الحياة الجماعية و الحوار و المبادرة و المغامرة، دون الخروج عن أهداف المشروع المتبنى من طرف الحركة الشبانية الفرنسية.

جدول 3 : يبين عدد التربصات و المتربصين- صنف "أصدقاء فرنسا"[3]

السنة

عدد التربصات

عدد المتربصين

نوع التربصات

1946

01

12

أصدقاء فرنسا" مرافق"

1947

02

54

منشطي المخيمات

المجموع

03

66

" " "

و معنى ذلك أن الحركة لم تكن تثق في المؤطرين و المنشطين الذين كوّنتهم، فكوّنت بجانبهم منشطين و مرافقين يقومون بالدعاية للمبادئ التي تنشدها الحركة، إلى جانب إشعار المؤطرين الآخرين بأن فرنسا حاضرة معهم في كل مكان، و في أغلب الأحيان كانوا يقومون بدور المخبرين وسط تجمعات الشباب. 

تعدد مجالات التدخل: إذا كان نشاط المخيمات مرتبط بفصل الصيف، فقد وسعت الحركة من عملها بعد انقضاء الفصل، وشرعت في تكوين من يقوم بهذه العملية. في الميدان السمعي البصري "السينماطوغرافي" و في الميدان الفني و المسرحي، و الفلكلور أو ما يعرف بالثقافة الشعبية.

 جدول 4 : يبين عدد التربصات والمتربصين في ميدان التنشيط السينيماطوغرافي

السنوات عدد التربصات عدد المتربصين نوع التربص
1946 01 46 سينيماطوغرافيا
1947 01 44 سينيماطوغرافيا
 المجموع 02 90 سينيماطوغرافيا

لم يقتصر ميدان نشاط هذه الحركة على مواسم الإصطياف و الرحلات الذي كان موجها إلى شريحة شبانية صغيرة السن، قد لا تستوعب بسرعة ما كان يقدّم إليها من أفكار من طرف قادة و مؤطري هذه الحركة. لذلك نجدها عمدت إلى أسلوب جديد من التّكوين للتقرب من العامة و الخاصة في نفس الوقت، بإستحداث نوع جديد من النشاط، و اعتماد أسلوب و تقنية اتصال حديثة، ما يعني بدء مرحلة جديدة للتأثير في الشباب و قبول مبادئ الحركة. إن استعمال تقنيات العرض السنيمائي و نشر الثقافة السينماطوغرافية، يعني عملية اختراق لشرائح عريضة من الكبار و الصغار بصورة واسعة، و دون حواجز، بينما يرى البعض أن هذا العمل أدخل هذه التقنية و مكّن الكثير من الشباب من استعمالها في ميدان التوعية و بث الوعي الوطني في أوساط الشباب، و مهما يكن فقد و ظفت في الإتجاهين، و لقد تبنى العديد من الشباب هذه التقنية، و أظهر بها للعالم معاناة المجتمع الجزائري من الممارسات التعسفية من طرف المستوطنين و الجيش الفرنسي. كما وظفتها الحركة لإظهار الوجه الآخر للمجتمع الفرنسي، مجتمع المساواة و العدالة و الحرية "كان يوجد بمركز الرياض كم معتبر من الأشرطة و الأفلام التي كانت تستعملها الحركة، و كذا آلات العرض، لكنها أتلفت عند نقلها من مركز الرياض إلى مدرسة تكوين إطارات الشباب ـ تقصراين". 

جدول 5 : يبين عدد التربصات و المتربصين، لتأطيرالثقافة الشعبية، الفنون المسرحية، الحركة الكشفية النسوية، والمدرسة الريفية، و المجموعة الصوتية

السنة

عدد التربصات

عدد المتربصين

نوع التربصات

1946

01

57

الثقافة الشعبية

 

01

12

الفنون المسرحية

 

01

76

المدرسة الريفية

 

01

دون تحديد

الحركة الكشفية النسوية في الجزائر

1947

01

17

الفنون المسرحية

 

01

15

المجموعة الصوتية

 

09

326

المدرسة الريفية

 

01

دون تحديد

الحركة الكشفية الفرنسية في الجزائر

المجموع

16

503

" "

لقد عملت هذه الحركة التي كانت مدعمة بخبراء عسكريين، و أنثروبولوجيين، و اجتماعيين، و نفسانيين وتربويين، إلى جانب تقنيين في السمعي البصري…الخ على اعتماد أساليب مدروسة لإنتقاء و اختيار الفئات الاجتماعية التي تقوم بتنفيذ المشروع، و طرق و كيفيات التعامل معها، و الوسائل المادية و البشرية الضرورية، إلى جانب اختيار مجالات التدخل. كانت الفئات الاجتماعية الهشة أول المستهدفين، على اعتبار أنها تقيم في المحتشدات التي أقيمت قرب معسكرات الجيش، و على أطراف المدن، في أحياء الصفيح و الأحياء الشعبية. و كونت لهذا الغرض من يقوم بالاستدراك المدرسي و تدريب الفتيات على مبادئ المهن المنزلية و التقليدية كالحياكة و الخياطة و الطهي، و تعرض عليهن أشرطة و أفلام تظهر نشاط و عمل المرأة الفرنسية، أما الذكور فتقدم لهم إلى جانب الاستدراك المدرسي بعض الأنشطة الرياضية و الترفيهية، و إدخالهم في فرق مسرحية و مجموعات صوتية و فلكلورية، هذا بالنسبة لمن لديهم هوايات و ميول إلى هذه الأنشطة. كما دعمت و شجعت بعض الأنشطة الكشفية.

لقد دعم هذا العمل بسلسلة من اللقاءات و الندوات و المحاضرات التي كانت كلها تدعوا إلى إعداد الشباب لمجتمع جديد يتعايش فيه الجميع كل في موقعه الاجتماعي و الاقتصادي مع القبول بمبدأ الوضع القائم. 

لقد رفعت الحركة شعارها محاولة إعادة بناء و تشكيل المجتمع الذي جاء بعد أن فشلت سياسة الإبادة الجماعية للسكان الأصليين و توطين شتات من الأجناس الأوروبيية.

لقد انطلقت هذه السياسة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، و نوقشت من طرف السياسيين المحترفين و على الخصوص اليسار الفرنسي الذي كان يساوم على فكرة الاستقلال بفكرة الإندماج.

إن الترويج لفكرة الأخوة و المساواة و الحرية، و لو شكليا، كانت تردد في مختلف التجمعات الشبانية التي تقيمها الحركة، "ففي سنة 1946 أقامت لقاءا في شهر نوفمبر لمدة ثلاثة أيام حول الحركة الكشفية النسوية في الجزائر. و في سنة 1947 أقامت يوما دراسيا في شهر ماي، موضوعه: الفن الدرامي، و أتبعته بأيام جهوية في نفس الموضوع. و في نفس السنة نظمت أياما جهوية حول الحركة الكشفية الفرنسية في الجزائر، كما نظمت قافلة مخيمات للمراهقين، و تقول الوثيقة رغم قلة الإمكانيات المادية، فإن فائدة هذا النشاط كانت كبيرة". [4]

لقد أفادت هذه السياسة في الكثير من المجالات، حيث تعلم الشباب مباديء التنظيم و العمل، و استغل ما تعلمه في تنظيمات الحركة الشبانية "المؤطرة فرنسيا"، في رفع الوعي الوطني بتوظيف النشاط المسرحي و المجموعات الصوتية، و الفلكلورية في تمرير الرسالة الوطنية إلى مختلف الفئات الاجتماعية و على الأخص الشابة منها و وظفت أسلوب السخرية و التهكم في تناول القضايا السياسية حتى لا تلفت إليها انتباه السلطات الإستعمارية. لكن حركية هذه التنظيمات كحركة شبانية لم يبق منها بعد الاستقلال ما يحرك أو يتحرك، لأن بعضها كان مرؤوسا من فرنسيين، و ما كان مجندا منها لخدمة الهدف الوطني فقد حقق الهدف، و تغيرت آليات العمل.

واقع الحركة الشبانية و تنظيماتها قبل 1989

لقد كانت التنظيمات الشبانية أول أشكال التنظيم الجمعياتي في الظهور، إذا ما استثنينا التنظيمات المهنية والنقابية وتنظيمات الحزب الواحد قبل 1988. حتى و إن كانت هذه التنظيمات من صنع الإدارة في بداية الأمر، بغرض إيجاد شريك اجتماعي يُسهم في ترقية الأنشطة الموجهة للشباب آنذاك، و يأخذ بتوجيهات الإدارة كأهداف و برامج يراهن عليها، و يعمل على تجسيدها بما يقدم له من إمكانيات مادية و بشرية و مالية. 

يقول أحد رؤساء التنظيمات الوطنية "فيديرالية النشاطات العلمية" : "تكونت هذه التنظيمات من طرف مجموعة من الموظفين في القطاع، لتسهيل عملية توزيع الموارد المالية خارج نطاق الإجراءات الإدارية المعروفة و هي المراقبة المالية لعمليات الصرف التي تقوم بها الإدارة عند القيام بالأنشطة المختلفة التي ترتبط بالشباب…الخ". و من هنا جاءت فكرة إنشاء هذه الرابطة على غرار الجمعيات الرياضية. إن هذا الواقع استطاع أن يمهد لتجربة غير مسبوقة في ميدان التنظيم الشباني، إذ أعطت للشباب فرصة لينظم نفسه و يبادر باقتراح الأنشطة التي يراها مناسبة، و هو ما أكسبه خبرة التنظيم و القيادة و التوجيه و التحكم في كيفيات التعامل مع الإدارة و الميدان في آن واحد، و هذه الصفة جعلت مؤطري هذه التنظيمات بعد 1989، و خاصة بعد صدور قانون إنشاء الجمعيات، من أكثر الناس إستشارة من طرف الشباب، لتكوين و تأسيس الجمعيات الخاصة بالشباب و الطفولة في مختلف المجالات. 

لكن مع فتح الباب القانوني لهذه التنظيمات، و اعتبارها مؤسسات حرة لا تبتغي الربح، لم تستطع هذه التنظيمات إيجاد مجال مستقل للعمل، بل بقيت مرتبطة بالإدارة تبحث في نشاطها، تحت مقولة خدمة الصالح العام لنيل المساعدة المالية و التأطيرية، بدلا من البحث في مجال أوسع و أرحب يمكنها من الحركة و المبادرة بالجديد في ميدان التنشيط. لذلك، فالحركة الجمعوية في ميدان الشباب خاصة المرتبطة بمؤسسات الشباب، لم تتمكن من تجاوز جدران هذه المؤسسات، و نعني بذلك ازدواجية النشاط الذي جعل من هذه الجمعيات شبه إدارة موازية، تنفذ برامج و مهام الإدارة، أكثر منها برامج و مهام التنظيم الحر. رغم أن هناك تنظيمات شبانية تنشط في فضاء أوسع معتمدة على تبني بعض الخصوصيات المهنية للشرائح الاجتماعية التي تمثلها أو للمناطق الثقافية التي أسست فيها، متخذة صفة التجميع على أساس المهنة أو الجهة، لتبادر بالأنشطة التي تخدم خصوصيتها في مختلف الظروف و المناسبات.

إن روح التنظيم و المبادرة الحرّة، التي توفرها الجمعيات لمنخرطيها، تعطي فضاءا ملائما لاكتشاف المواهب و القدرات القيادية في أوساط الشباب. فالنشاط، أي نشاط يسهل و يعّود الشباب على الإتصال فيما بينهم، و يشعرهم بأهميتهم في المجتمع، و يزيد من تمتين أواصر المواطنة و حب الوطن، و يرغبهم في العمل الجماعي، و خدمة بعضهم البعض على أساس الانقياد للكفاءات، و ليس للعلاقات الخاصة أو الجهوية المقيتة.

التنظيمات المتعاملة مع قطاع الشباب و نظرتها إلى الفعل الثقافي و الترفيهي

سبقت الإشارة إلى أن مفهوم الفعل الثقافي و الترفيهي يتضمن كل الأنشطة المتعلقة بتنظيم و استغلال الوقت الحر، سواء كان ذلك بغرض تحسين الأداء الفني و الثقافي أو إحياء الموروث الأنطولوجي الاجتماعي و الفلكلوري أو تحديث و ابتكار اساليب ترفيهية جديدة في مختلف التقنيات المعلوماتية و الاتصالية…الخ. وفي ضوء ذلك، أو في هذا المعنى، نقول إن خاصية التنشيط تسير وفق رغبة من يقوم بالنشاط، فقد يكون مجرد وقوف الناس، أو جلوسهم للفرجة على عرض مسرحي، أو سينمائي، أو مشاهدة مباراة رياضية، أنه تنشيط، و هذا دون أن ينال المتفرجون أو المشاهدون أية نصيحة أو توجيه من المنظم أو العارض الذي كان هدفه تجميع الناس فوصل إليه و سمى ذلك تنشيطا في معناه الواسع.

أما إذا أردنا ربط ذلك بمؤسسة مخصوصة أو تنظيم مخصوص فهذا يقودنا إلى الطرح التالي:

1 ـ هل أن التنظيمات المخصوصة و الجمعيات الشبانية التي تنشط على الساحة الوطنية، و تتخذ من مهام قطاع الشباب و الرياضة مجالا لنشاطها، يمكن إعتبار مجمل أعمالها فعلا اجتماعيا و ثقافيا و ترفيهيا، أم لا نعتبره إلا عندما يتعلق الأمر بعقد مبرم بين الطرفين؟

إن هذا الإشكال يقودنا إلى إبعاد بعض التنظيمات التي تؤدي وظائف تنشيطية في غاية الأهمية رغم أنها لم تنل من القطاع أية مساعدة أو دعم. و هذا مؤشر كاف في رأينا لإعادة النظر في طرق و كيفيات الدعم المادي الذي تقدمه الإدارة المكلفة بالشبيبة إلى هذه التنظيات المسماة شبانية.

2 ـ هل إزدواجية النشاط بين مؤسسات الشباب و التنظيمات الشبانية، لايؤثر على مضمون النشاط ؟

إن نشاط المؤسسة الشبانية مرتبط أساسا بهدف تربوي ضمن مهام القطاع، و جندت من أجل تنفيذه أموالا و وسائل مادية و بشرية، تقودها فرقة بيداغوجية متكاملة و مؤهلة لممارسة مختلف الأنشطة الترفيهية، التي ينتظر منها تأدية وظيفة تربوية لاغير. إلى جانب توفر الإمكانيات المادية المتمثلة في الهياكل و التجهيزات، و مختلف الضروريات التي تتطلبها عملية القيام بهذه المهمة، بالأضافة إلى جهاز متابعة و تقويم، مكون من مفتشيين بيداغوجيين و مستشارين تربويين، يتابعون كل صغيرة و كبيرة تبعا لبرنامج مسطر من طرف الوصاية، و كل إنحراف أو تهاون ينجر عنه متابعة تقويمية توجيهية أو تأديبية.

أما التنظيمات الشبانية المتعاملة مع القطاع، فإنها لا تتوفر على هذه الإمكانيات المادية و البشرية، و إن توفرت لها الإمكانيات المالية، و المادية. فالجانب البشري الذي يشرف على التأطير و القيادة في هذه التنظيمات لا يرقى مهما كانت امكانياته إلى مستوى الفرق البيداغوجية المشار إليها.

إن ممارسة الأنشطة الثقافية و الاجتماعية في نفس المكان والموقع و الدخول في نشاط مواز داخل هذه المؤسسات الشبانية من طرف التنظيمات الشبانية قد يحدث إرباكا و تكرارا لنفس النشاط، مع مضاعفة الفاتورة المالية.

إن عمل التنظيمات الشبانية التي وضعت أهدافها من صميم برنامج عمل القطاع، بناءا على عقود برامج مع هذا الأخير، فإن ذلك يحدُّ من حرية النشاط الجمعوي و يغلق آفاق المبادرة أمام هذه التنظيمات. إن الطابع التعاقدي الذي يوفره قانون الجمعيات يعطي حرية المبادرة و المبادأة إلى الأعضاء المتناظمين، و يعطيهم إمكانية التملص من تقويم النشاط الذي يقومون به، إلا من الجانب المالي! فإذا علمنا إمكانيات التأطير و نوعيته لدى هذه التنظيمات، لقلنا أن التنظيمات العاملة في/ أو المتعاملة مع القطاع أنها وسيلة من وسائل التنشيط أو نقل النشاط و تعميمه في المحيط الاجتماعي، لكن ذلك يبقى مرهونا بمدى قدرة تنفيذ البرامج التعاقدية و قدرة الجهات المانحة للمال على متابعة وتقويم نوعية و جدية العمل، و نظرا لصعوبة التقويم و المتابعة من الجهات الإدارية، و عدم قدرة التنظيمات على التنفيذ الحسن لشروط العقود المبرمة، تعمد هذه التنظيمات إلى تركيز أنشطتها على الجوانب الاستعراضية و الإحتفالية ذات الطابع الموسمي. و يمكن اع تبار هذا العمل مكمّلا لنشاط مؤسسات الشباب، إذا أحسن استغلاله و تأطيره، و تقويم أنشطته و تضمينها بأهداف تربوية ملائمة، تسهم في دعم وترقية تطلعات الشباب المستقبلة. 

مقارنة بين مضامين أهداف الجمعيات الوطنية و الولائية

توفر لنا هذه المقارنة إمكانية الوقوف على رؤى المتناظمين على المستوى الوطني و نظرائهم على المستوى الولائي، و كيف يحدد كل منهم أهدافه:

ـ هل تحددت الأهداف ضمن الخصوصية الولائية بالنسبة للجمعيات الولائية؟

ـ هل سطرت الجمعيات الوطنية أهدافها في ضوء أهداف الجمعيات التي يتكون منها تركيبها الوطني؟

ـ و هل هناك أوجه التشابه بينهما؟

و الجدولين التاليين يحددان لنا هذه المقارنة:

1.1. الجدول الأول

يتكون من منظومة الجمعيات الولائية، لولاية إيليزي، و التي يمتد تاريخ انشائها من 1973 إلى 2001. كما أنه لاتوجد أية رابطة تنظيمية بينها و بين التنظيمات الوطنية التي سنتناول بالدراسة و المقارنة مضامين أهدافها المسطرة في برامجها.

أهداف الجمعيات الولائية

التكرار

النسبة

إحياء المناسبات الدينية والوطنية والمشاركة في التظاهرات المختلفة. 

22

9,73

الإدماج والترقية الاجتماعية للشباب عن طريق ـ التكوين، التشغيل، تحسين المحيط الاجتماعي.

18

7,96

 الدفاع عن حقوق المرأة و الطفل.

02

0,88

السياحة التربوية وتبادلات الشباب في الداخل و الخارج.

18

7,96

 المحافظة على الحرف التقليدية بما فها اللباس والأدوات الخاصة بالمنطقة.

15

6,63

 النشاطات النسوية : خياطة، طرز و حياكة تقليدية، خاصة بالمنطقة.

15

6,63

 ترقية النشاط الفلكلوري الخاص بالمنطقة.
 ـ إيقاع ورقص، وعادات.

25

11,06

 ترقية الهوايات والإبداعات المختلفة لشباب المنطقة.

23

10,17

 ترقية وتطوير النشاطات العلمية والثقافية والفنية والترفيهية لشباب المنطقة.

49

21,68

 تنشيط الحركة الجمعوية الطلابية والشبانية، إجراء البحوث وإصدار الوثائق، وإقامة الأيام الدراسية.

31

13,71

 حماية البيئة والمحيط الطبيعي الخاص بالمنطقة.

08

3,53

المجموع

226

100

2.2. الجدول الثاني

يتكون من مجموعة من الجمعيات التي موّلتها وزارة الشباب و الرياضة لإنجاز برامج تعاقدية خلال سنوات 1994 / 1999.

مضمـون الأهـــداف

التكرار

النسبة

 الدفاع عن الحقوق المعنوية و المادية للطفولة و الشباب و المرأة و الفتاة و المعاقين.

16 

 13.1

ترقية و تطوير النشاطات العلمية والفنية، والترفيهية للشباب.

24

 19.7

الإدماج والترقية الاجتماعية للشباب عن طريق التكوين، التشغيل، تحسين المحيط الاجتماعي.

34

 27.9

غرس القيم الاجتماعية و الأخلاقية عن طريق الأعمال التطوعية و الخيرية و المحافظة عليها. 

13

 10.7

التوعية و التأطير و التنظيم و التجنيد الوطني للشباب.

16

 13.1

الوقاية و الحماية من مخاطر الآفات الاجتماعية.

07

 5.7

السياحة التربوية و تبادلات الشباب و حماية الأماكن الأثرية و السياحية.

10

 8.2

حماية البيئة و المحيط الطبيعي.

02

 1.6

 المجموع

122

 100

أهم الملاحظات المستخلصة من الجدولين

أوّل الملاحظات التي يمكن تسجيلها من ناحية التشابه في الأهداف و ترتيبها على قائمة الأهداف هي: 

1ـ ترقية و تطوير الأنشطة العلمية و الثقافية و الفنية و ترفيه الشباب: صنّف هذا الهدف لدى الجمعيات الولائية في المرتبة الأولى بنسبة 21.71 %. بينما لم يرتب في قائمة أهداف الجمعيات الوطنية سوى في المرتبة الثانية، بنسبة 19.7 %. و هذه الحالة تظهر لنا أن الجمعيات الولائية تمارس هذه الأنشطة بشكل عملي مع ما تمليه رغبات الشباب الدراسية و العملية.

2ـ وضعت الجمعيات الوطنية في الصف الأول لأهدافها: الإدماج و الترقية الاجتماعية للشباب، عن طريق التكوين و التشغيل، و تحسين المحيط الاجتماعي و ذلك بنسبة 27.9 %. بينما نجد التنظيمات الولائية لا ترتبها إلا في الموقع السادس بنسبة 7.96 %.

إن الملاحظة الجديرة بالذكر هنا هي أن هذا الهدف لا يدرك في المدى المنظور بل يتطلب العمل المستمر و المواظبة، كما يتطلب الخبرة و الدراية لوضع الخطط و البرامج الضرورية و السهر على تطبيقها الفعلي. و تقويم كل مرحلة من المراحل التي يتم إنجازها، و تؤخذ الملاحظات المستخلصة في المرحلة المقبلة، و تجرى التعديلات الضرورية على البرامج عند اللزوم.

إن إمكانيات الجمعيات المادية و البشرية و الفنية في الوقت الحاضر لاتمكنها من القيام بهذه العملية المعقدة، من محاسبة و ضبط مالي…الخ. و هي تعلم تمام العلم أنها ترفع هذا الهدف كشعار ليس إلا.

3ـ رتبت الجمعيات الولائية في مراتب متتالية مجموعة من الأهداف التي تخص المنطقة التي تنشط في محيطها وهي ترقية النشاط الفكلوري الخاص بالمنطقة إيقاع و رقص و سلوكيات ـ عوائد بنسبة 11.06 %. ترقية الهوايات و الإبداعات المختلفة لشباب المنطقة، نسبة 10.17 %. إحياء المناسبات الدينية و الوطنية و المشاركة في التظاهرات المختلفة، بنسبة 9.73 %، ثم المحافظة على الحرف التقليدية بما فيها اللباس و الأدوات الخاصة بالمنطقة، بنسبة 6.63 %. حماية البيئة و المحيط الطبيعي الخاص بالمنطقة، بنسبة 3.53 %. و هكذا نلاحظ كيف وظّفت الخصوصية الجغرافية التي تسمح بالتطبيق على أرض الواقع، إلى جانب إمكانية مراقبتها و تقييمها ميدانيا. و تمثل نسبة هذه الأنشطة ذات الخصوصية الجغرافية نسبة 40.92 % من مجموع الأهداف الأخرى التي يمكن تطبيق أغلبها ميدانيا مع شباب المنطقة.

4ـ بالإضافة إلى ما سبق ملاحظته على الجمعيات الوطنية فيما يخص صياغة الأهداف: نجد أن أهدافها مصاغة في شكل مرامي و أهداف عامة، و هو ما يعطي لهذه التنظيمات إمكانية وضع أي مشروع لبرنامج تعاقدي لأي نشاط مثل: غرس القيم الاجتماعية و الأخلاقية عن طريق الأعمال التطوعية و الخيرية و المحافظة عليها. ثم التوعية و التأطير و التجنيد الوطني للشباب، الخ. و هذه الصياغة إذا ما وضعت في برنامج تعاقدي، فإنه من غير الممكن للجهات المانحة أن تتمكن من معرفة النتائج، أو توقعها على الأقل بعد إنجاز النشاط أو التصريح بإنجازه، في حصائل التقارير المقدمة، إذ من غير الممكن القيام بعملية تقييمية لمضامين أو مفاهيم إصطلاحية. و حتى الأهداف التي تبدو كأهداف إجرائية: كالسياحة الشبانية، حماية الآثار، حماية البيئة…الخ، فإنها غير محددة بشكل يسمح في نهاية العقد بإجراء تقييم موضوعي. و ما يزيد في صعوبة عملية التقييم (إن وجدت)، تشابه الأهداف التي تجعل البرامج المقدمة للإستفادة من التمويل، عبارة عن برنامج واحد، مكرر!

مجال التقاطع و الاختلاف

1ـ ركزت الجمعيات الولائية على المنطقة، و أبرزت خصوصيتها عن طريق إحياء التراث الثقافي و الفني المرتبط بعادات و تقاليد المجتمع المحلي، و حرص الشباب على نقل هذا التراث إلى الأجيال، من خلال ممارسة مختلف الأنشطة التي تسهم في تعليم المهن و الحرف، كالحياكة و الطرز و الخياطة في شكلها التقليدي و العصري و استعمال كل ذلك كوسيلة من وسائل التنشيط. 

2ـ توظيف شباب المنطقة للتنظيمات الجمعوية كمجال للإتصال بين الشباب في المؤسسات التعليمية، الجامعية و الثانوية و التكوينية و إعطائه فرصة التلاقي و التقارب الفكري من خلال منتوج الوثائق و الأيام الدراسية.

3ـ ترقية و دعم التواصل الحضاري بين الأجيال، من خلال المخزون الأنطولوجي في أشكاله المختلفة و التي من بينها الفلكلور التارقي.

4ـ اتخاذ مجال حماية البيئة و المحيط كمجال للتنشيط و التوعية بمخاطر الإهمال و اللامبالاة و الإتلاف العمدي. 

إن رؤية هذه التنظيمات إلى الشباب تعتبر رؤية موضوعية، فلم ترفع سهم تأشير الهدف إلى مستوى لا يمكن تحقيقه، بإمكانيات بشرية و مادية محدودة، بل ركزت على القدرات الفردية من خلال الإهتمام بالهوايات و الإبداعات التي تولد دافعية المشاركة في النشاط، ليس بغرض الحصول على الماديات، بل لرغبة داخلية وجدت مجالا للتعبير عنها فيما توفره هذه التنظيمات من تأطير و تنظيم، ولكنها تشترك مع التنظيمات الوطنية في الجوانب الاحتفالية التي تطلب لذاتها، و هذا كمجال لقياس مردودية النشاط لسهولة تحقيقها. 

و هكذا، تبدو نظرة هذه التنظيمات إلى التنشيط على أنه وسيلة من وسائل ربط العلاقة مع المحيط، و تقريب الشباب من واقعه، و جعله يشارك مباشرة في عملية التغيير الاجتماعي و الثقافي، بإعمال فكره و تطوير قدراته الفكرية و الإبداعية و اختيار ما يلائم لبناء مستقبله، و توحيد نظرته اتجاه القضايا المصيرية المشتركة. لذلك، فثمن هذه الأنشطة التي تقوم بها هذه التنظيمات، يعد بسيطا بالنظر إلى الهدف المنشود.

5ـ تتمركز التنظيمات الجمعوية الوطنية في الجزائر العاصمة، سواء من حيث المقر، أو من حيث إقامة أعضاء مكتب الجمعية، و هذا الوضع يجعل نشاطها محصورا في محيط العاصمة، لأن الأعضاء الذين يشرفون على تطبيق البرامج التعاقدية لا يمكنهم متابعة هذه البرامج في مواقع تبعد قليلا أو كثيرا، لأنها مكلفة جدا. لذلك توكل إلى بعض المتعاطفين مع التنظيم فلا تحقق المرغوب منها.

إن كثرة التنظيمات المتمركزة في محيط الجزائر العاصمة، يجعل المنافسة بينها كبيرة خاصة إذا كانت الأهداف متشابهة، و الجهات الممولة واحدة، لذلك أهتدت هذه التنظيمات، إلى رفع سقف الأهداف، وجعلها عامة و تدخل ضمن أهداف جهات و قطاعات الدولة المختلفة، و تحولت هذه التنظيمات من شريك اجتماعي يُسهم في إنجاز بعض أجزاء النشاط، إلى إدارة موازية، على اعتبار أن رؤساء أغلب هذه التنظيمات ينتمون إلى الإدارة التي تقدم التمويل.

و ما تشترك فيه هذه التنظيمات الولائية و الوطنية، هو إقامة التظاهرات التي لا تحتاج إلى الخبرة و التدريب، و لكن تحتاج إلى المال فقط. 

أهم المشاريع الممولة لفائدة الجمعيات الوطنية

سنوات 1994/1999 في شكل البرامج التعاقدية : (أصناف الأنشطة التي فازت بالتمويل على المستوى المركزي) 

التكرار

النسبة

14

11.7

44

36.7

04

3.3

06

05

05

4.2

04

3.3

09

7.5

07

5.8

27

22.5

120

100

إن ما أشيع عن الاستعمال غير العقلاني للمال العام من طرف التنظيمات الجمعوية، و كذا عدم تقيدها بالتزامات العقود المبرمة مع الجهات الممولة، و تناول الخطاب السياسي للظاهرة، و تعرض وسائل الإعلام المختلفة للموضوع، أدى بالدولة إلى التجميد المؤقت للدعم، ثم التقليص، مع العمل على سن قانون جديد يأخذ بعين الاعتبار طرق التمويل و شروطه. كل ذلك جعل مختلف الجهات المانحة تتشدد بعض الشيء، و تعطي لنفسها حق اختيار من تراه مناسبا من التنظيمات لتنفيذ مشاريع عقود البرامج الواقعة في حدود اختصاصها.

و لقد كانت مشاريع البرامج الفائزة بالعقود ذات صفة استعراضية ترفيهية، و إلى حد ما ثقافية. و هذا في رأينا يعود لسهولة الإنجاز، و تقدير التكاليف، و عدم وجود معايير محددة لقياس درجة تأثير هذه الأنشطة على المحيط و الفئات الاجتماعية التي استفادت منها. و تمثل نسبة هذه الأنشطة 36,7 %. كما يلاحظ من الجدول أن بعض التنظيمات حلت محل الإدارة و استعملت ما حصلت عليه من أموال في تجهيز بعض المؤسسات ذات الصفة الإدارية، في شكل دعم و تشجيع لما تقوم به، و تبلغ نسبتها 7,5 %.

إن التجربة التي يمكن معاينتها و رصدها هي العودة الاضطرارية إلى الواقع المادي المتمثل في الإمكانيات المالية و البشرية التي تتيح لأي تنظيم أن يمارس عمله و يضمن استمراره، فالحركة الشبانية كمجموعة قيم إنسانية و اجتماعية و ثقافية، يمكن تفعيلها بإشراكها كطرف مبادر و مسهم فيما يقترح على الشباب من أفكار و مواضيع تخص مستقبله، و أن يكشف على طبيعة الواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي بالبحث و التقصي العلمي، و ألا يستحضر كوسيلة تحجج عند الضرورة، ليبارك الأخطاء.



الهوامش

* مقال سبق نشره في أعمال ملتقى "حوصلة المعارف في العلوم الاجتماعية و الإنسانية: 1954-2004" المنعقد بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية، وهران، 31000، الجزائر(CRASC) في 2004 و المنشور سنة 2008 ، بمنشورات CRASC.

[1]Tétard, F. (1996), « Les mouvements de jeunesse, furent-ils des mouvements de jeunes ? », in Bernard Roudet des jeunesses et des Associations, Paris, L’Harmattan, p. 134-135.

[2] Documents Algériens Service d'information du cabinet du gouverneur général de L’Algérie, Série sociale, N° 20 – 30, mars 1948.

[3] كان هؤلاء يوزعون على المخيمات الصيفية و التجمعات الشبانية، للدعوة إلى المبادئ التي قامت من أجلها الحركة الشبانية الفرنسية.

[4] Documents Algeriens, Service d’Information du Cabinet du Gouverneur Général de L’Algerie, série sociale, N° 20 /30 mars, 1948

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact