المساحات الخضراء الحضرية العمومية : بين الممارسة والتصميم

المساحات الخضراء الحضرية العمومية : بين الممارسة والتصميم

تقتضي معايير الهندسة المدينية والحضرية ضرورة تجهيز المدينة بمساحات خضراء. تحاول النقاشات الدائرة حول وظائف المدينة إعطاء دلالة موضوعية لمختلف التبريرات النظرية، لدعم القناعات بوجود حاجة إلى المساحات الخضراء، غير أن طبيعة تلك الحاجة من الصعوبة بمكان، تحديدها وحصرها. فشبكة المعايير تصنَفها، على نحو موجز، تحت تعبير "الحاجات الأولية" من أجل تحديدها كمياً ونوعياً بغرض الاستجابة للممارسات التي يفترض أنها تلبيها. وبناء على هذا، فإن مفهوم الحاجة يندرج ضمن زاوية البعد الثقافي في عملية تصميم وإعداد المساحة الخضراء الحضرية العمومية. يتضمن هذا المفهوم، بموازاة الجوانب الكمية لعملية البرمجة والتخطيط، مكونات غير قابلة للتكميم التي تتعلق بمفهوم الفضاء المعاش. فالمستوى الكيفي يعكس صورة توافق متجانس بين الحجم، والنوع واستعمال المساحة الخضراء.

1. حجم المساحات الخضراء الحضرية

إن مفهوم الحجم يثير مسألة معرفة كمية المساحات الخضراء التي تحتاجها مدينة ما؟ وما هو الحجم الذي يجب إعطاؤه لها لكي تصبح وظيفية ؟

للإجابة على هذا السؤال يكفي، بصورة اختزالية، الاطلاع على المعطيات الإحصائية للسكان حسب فئات العمر وتوزيع أصناف المساحات الخضراء عليها التي تتوافق مع الحاجيات التي تمَ تقديرها من قبل شبكة المعايير المعتمدة. تترافق مجمل العمليات المنجزة بقرار التوطين التي تتحدد بناء على سلم مختلف العناصر المكونة للفضاء الحضري (ويقصد بها وحدات الجوار، والحي، والمدينة). إن انجاز هذا العمل الهام، من شأنه أن يسمح باستخلاص صورة نموذجية لحجم المجال الذي يتوافق مع الحاجيات المعبر عنها كمياً على ضوء المعايير المعتمدة. وعندما تتوزع المساحات الخضراء بهذه الصورة يتم تقديم، وفق هذه الطريقة، تركيبة مجاليه نظرية حيث لا يكون مفهوم الحاجة متعلقاً بإطار اجتماعي ثقافي خاص بعينه. هذه الثغرة يمكن إدراكها في الفجوة الحاصلة بين استخدامات الفضاء والامتداد المستقبلي للهندسة المدينية. وتتجلى أهمية هذه الفجوة في أشكال الاختلال بين الوظيفة واستعمال الفضاء تسعى إلى بطلانه أو تبرر زواله واختفاءه. وضمن هذا المنطق، فإن مقياس المردودية يصبح حجة للدافع الاقتصادي لتفسير إنشاء فضاءات فرعية تعمل على تقليص الأبعاد الأولية للمساحات الخضراء الحضرية وتشوه أجواءها، وهنا تطرح مسألة التصور والتخطيط.

إن إعادة النظر في المنهج المعياري المحض تقوم على التساؤل حول الوسائل والعناصر الواجب أخذها بعين الاعتبار من أجل استكمال هذا المنهج. ويستلزم ذلك دراسة المعايير الثقافية طبقاً لسياق ما وإدراج، في سياق التفكير، موضوع الهندسة الحضرية الكولونيالية كما تم تطبيقها في الجزائر. يسمح لنا هذا الحقل من التحليل بتقدير أهمية البعد الثقافي في ممارسات المجال من خلال أنماط إعادة امتلاك الفضاءات الحضرية بعد الاستقلال.

إن مسألة حجم وكمية المساحات الخضراء في الوسط الحضري يجب أن تراعي الرهانات الاقتصادية والإيكولوجية حسب رؤية إجمالية بغية التخفيف من حدة النزاعات التي يمكن أن تظهر. إن تحديد حجم المساحات الخضراء تستلزم مراعاة الأنشطة ومختلف السيولة التي تعمل على هيكلتها، وهيكلة سلوكات الأفراد. فتنمية الأنشطة تتطور حسب عملية قائمة على منطق الاستمرارية التاريخية والقطيعة المبتكرة. ذلك أن الأنشطة هي صورة المجتمع وثقافته، وتنظيمها يفرز إيقاعات تنطبع في الذاكرة الجماعية وتعزز رابطة الانتماء إلى البيئة التي يعيشها فيها الإنسان.

إن السياق المحدد على هذا النحو يفهم في علاقته بالممارسات الاجتماعية التي تتضمن العادات المستبطنة والأعراف الخاصة بمجتمع ما. وقد أشار في هذا السياق كريستيان نوربرغ شولتز (Ch. Norbert Sclulz) ، في أحدى ملاحظاته، إلى ضرورة أن يراعي الذين يتكفلون بالتهيئة العمرانية للفضاء مسألة الوسط والبيئة[1]. وقد أكد هذا الأخير على أهمية الاعتراف بأن المدينة تمتلك الخصائص التي من شأنها وضع علامات تمايز تمنحها هويتها وطابعها الخاص. وحسب هذه الرؤية، فإن تطور الفكر في علم الهندسة المدينية يؤدي إلى تطوير رؤية بيئية في سياق عملية البرمجة والتهيئة العمرانية. إن الاستعانة بالنموذج لا تكفي لتبرير تقسيم الأبعاد بوصفه مجرد تطبيق كمي، فهي تحتاج لاستكمال ذلك اللجوء إلى الأدوات والوسائل التي تسمح للمدينة بأن تصنع لنفسها ذاكرة خاصة بها. يتعلق الأمر هنا بالاستجابة إلى التطلعات الخاصة المرتبطة بالممارسات والتراث. ويعود هذا إلى نظام هيكلة الفضاء الذي يجب أن يكون متوافقاً مع الحاجيات المادية المرتبطة بأنماط الحياة الاجتماعية والثقافية[2] المعاشة، إن تكييف ذلك مع الواقع في سياقاته الذي يأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المهيكلة لمكان يحدده الفضاء والزمن والممارسات، هو ما يشكل المعطيات المتعلقة بالمساحات الخضراء العمومية في عملية التهيئة العمرانية للمجال الحضري. ذلك أنه يستلزم تحديد النموذج بوصفه إنتاجا ثقافيا.

2. النموذج

يقتضي النموذج ضرورة تصنيف العناصر المجالية الذي يتكون منها، وهي فكرة تقوم على مبدأ العقلانية في التنظيم. يستعين المتخصصون في تنظيم المجال العمراني بعملية نمذجة المساحات الخضراء الحضرية التي تحوي في ثناياها تعددا وتنوعًا في الأشكال والأبعاد. فالنمذجة تنطوي على جملة من المعطيات الوظيفية وتتميز بتوزيع قائم على الفصل بين الفضاء العمومي والفضاء الخاص. لقد كان لاستخدامها في التنمية العمرانية الأخيرة، حسب علم الهندسة المدينية الحديثة، موضوع نقد وتعاليق تهدف إلى مراجعة آليات وإجراءات البرمجة والتصميم.

يثير حقل النمذجة التساؤلين التاليين:

  1. ألا يوجد في التصنيف النموذجي نوعاً من الفصل في عملية تكوين المجال؟ أوبتعبير آخر، أليست تقنيات تقاطع الوظائف هي سبب ومصدر التباينات المجالية التي تتجلى في وجود كيانات متجاورة مستقلة؟
  2. ألا يشجع اللجوء إلى النمذجة نوعاً من التقليد الذي يكبح كل مسعى ابتكاري؟

هناك الكثير من الأصناف النموذجية التي يمكن تصميمها وإعدادها على ضوء التحليل المورفولوجي لتوضيح "شروط تصور وإنتاج المجال"[3]. و يسمح إعدادها، فضلاً عن ذلك، ببيان طبيعة وثراء التجربة في عملية الإعادة وتحسين مكونات المجال. يعطي الاجتهاد الفكري لمفهوم النمذجة بعداً تنبئيا واستشرافياً في عملية التخطيط. يقتضي الأمر استبدال التدخل التعاقبي، حيث يأتي فيه العنصر المبني في المرتبة الأولى، بتصور شامل قائم على تركيب عناصر المكان والزمان.

يسمح رصد وملاحظة تطور النموذج بالوقوف على طبيعة التغير الحاصل ومعرفة إلى أي مدى تكون القطيعة مع النموذج سبباً في طرح المشكلة. تقع القطيعة، وموازاة مع الهندسة المعمارية، عند اللحظة التي تكون فيها "نظرية الهندسة المعمارية الحديثة رافضة لكل الأشكال التاريخية للهندسة المعمارية"[4]. يتطابق هذا الرفض مع التغيرات التي حصلت في بداية القرن والتي طالت عالم الفن بمفهومه الواسع. إن الإنجازات الجديدة للمساحات الخضراء الحضرية، وهي تقوم بقطيعة مع أشكال الماضي، إنما تقطع في ذات الوقت مع منظومة القيم التي كانت سائدة في إعادة إنتاج النموذج. وقد حصل هذا، إذن، بصورة لصيقة مع التطور الحضري في مجمل مجاله وهندسته المعمارية، و ضمن هذا الإطار يجب إدراج المساحات الخضراء. إن وجود قطيعة مع النموذج يأتي مسايرة مع الاتجاه العام لانقطاع النسيج العمراني الذي يرتبط بمفهوم "الثقافة الكونية" التي دعت إليها الحركة الحديثة. لقد أنتج هذا التيار الفكري الذي تجسد في الابتكارات الجديدة خارج السياقات المحلية أشكالاً دون قيمة دلالية[5]. إن مفهوم الدلالة يفتح نقاشاً حول عملية الخلق والإبداع. بالإضافة إلى عملية خرق مبادئ التسلسل وتكوين المجال، فإن التساؤل يحيل على تطور العلاقة بين الشكل والدلالة. وتقترح النظرية نوعاً من "عملية إعادة تفسير بدل الإبداع في فراغ ثقافي"[6]. إن تمثل المجال العمومي يكتسي رمزية مرتبطة بمفهوم تحرر المجال. فالفكرة تعطي لكل وظيفة مكان استمراريتها وسيولة تنظيمها. وهي تستلزم الاستعانة بمفهوم العقلانية وتدخل آليات تصنيف العناصر المكونة للمساحات الخضراء الحضرية، غير أن التدخل المبتدع حول المساحات الخضراء لا يمكن أن يصل إلى غايته، إذا لم يكن مندرجاً ضمن مسعى شمولي في تنظيم المجال وفي مختلف المستويات: "لا يمكن أن يكون هناك تعايش في المجالات الخارجية الجماعية القائمة على متعة اللقاءات إذا كان تنظيم السكنات مصدر نزاع بين الجوار"[7]. نجد أفضل مثال على ذلك في وحدة السكن في "الكوربوسيه" le Corbusier[8].

وفي أمكنة أخرى، فإن توسيع دلالات المساحات الخضراء إلى معايير مرتبطة بالوضع القانوني يعطي نماذج من الفضاءات حيث تنفتح أنماط من الاستعمال على تعدد أشكال الممارسات. ويمكن لبعض المساحات الخضراء أن تستخدم في آن معاً للاستراحة والترفيه، وقد تلعب دوراً اقتصاديا[9].

وضمن هذا المنظور، فإن المعنى الممنوح للمساحات الخضراء يطرح بصورة خاصة. ففي ظل هذا السياق من تحولات الظروف التاريخية يتعين تحديد معنى الكلمات والقيم. ماذا تمثل المساحات الخضراء المنجزة في الجزائر وفق النماذج الفرنسية؟ هل يجب اعتبارها شكل من أشكال التطور وبالتالي احتسابها عامل تقدم؟ وهل يجب اعتبارها، على العكس من ذلك، مساحات مفروضة، مثل أشياء غريبة يتعين التكيف معها؟ فيما يتعلق بالمدن الجزائرية التي تم بناؤها وفق الهندسة المعمارية الكولونيالية، فإن مسألة النموذج تطرح إشكالية دلالتها.

3.من التقليد إلى التجديد : موقف يجب الاضطلاع به

يتعلق أمر دراسة الدلالات، منظوراً إليها بوصفها علامات ورموز، بمستويات التحليل الانثروبولوجية، التاريخية والسوسيولوجية[10]، فهي تندرج ضمن منهجية النماذج المقارنة كما تظهر في توصيات البحوث والدراسات[11].

فإذا افترضنا أن الفارق السيميولوجي (الدلالي) هو ذو طبيعة ثقافية، فإنه يمكن أن نسجل أنه يرتبط بالمستوى الاقتصادي لمجتمع ما[12]. إن المعنى الذي يعطيه مستعمل عاطل عن العمل للمساحات الخضراء الحضرية العمومية لا يمكن أن يكون من الناحية الموضوعية هو نفسه لمستعمل ليس له مشاكل في حياته العادية. إن معنى كلمات "ترفيه"، "استراحة"، "تجوال" المرتبطة بوظيفة المساحات الخضراء الحضرية العمومية، لا يمكن أن تتضمن الدلالة نفسها بالنسبة لكل واحد منهما.

نلاحظ في الجزائر، اليوم أن المساحات الخضراء الحضرية العمومية هي عبارة عن كتلة من الدلالات المتعلقة بمختلف الإدارات والمستوطنين أثناء الفترة الاستعمارية، وما بعدها. فالانجازات بعد الاستقلال تقودنا إلى التساؤل حول أصول المصممين وتكوينهم وكذا مراجعهم النظرية.

إن مسألة معنى المساحات الخضراء الحضرية العمومية تحال في إدراكها إلى باب القدرة الإبداعية، فهي تستلزم من أجل فهمها مراعاة قواعد الاقتصاد وعلم البيئة حيث تكون فيها حاجيات الأفراد غير القابلة للتكميم، علامات مميزة ضمن مسعى خلاق. يتعلق الأمر بالبحث عن العوامل التي تشكل بديلاً لمنهج التقليد في إنتاج الفضاء.

إن الفعل المتسم بالتقليد و المحاكاة مسعى يرتبط بعملية انتشار وتبادل القيم الثقافية والعلمية. إن معاينة السياق الدولي تبين أن نفس الاهتمامات المتعلقة بتهيئة المساحات الخضراء طالت أوروبا الغربية في السبعينيات. ويبدو أن تزايد الاهتمام المشترك قد شحن حركة الفكر الوحدوي من أجل أعطاء الفضاء العام صورة متطابقة مع السياسة الحضرية والعمرانية. تبدو مدينة برشلونة في هذا المقام رائدة في مجال إعادة هيكلة الأحياء انطلاقاً من الفضاء العام[13]. أما مدينة لوفان لاناف (louvaine-la neuve) في بلجيكا، فإنها تطرح مشكلة "روح الفضاء العام"، وهذا بعدما تمت معاينة حركة الازدحام التي تشهدها ومتطلبات الحياة الحديثة. نجد الأهداف نفسها عند المهندسين المعماريين الفرنسيين الذين سجلوا تأخراً في مجال التشريعات مقارنة مع جيرانهم "الهولانديين والألمان"[14]. فقد أخذت حدائق (دو لافيلا بورجيز) في مدينة روما، على سبيل المثال، نموذجا لعملية يلتقي فيها الطريق السيار بين مدينة أثينا و ميناءها بيري[15]. إن الهدف من وراء المقارنة مع بلدان أخرى هو الاستفادة من تجاربها[16].

يتجلى العمل المتسم بالتقليد و المحاكاة على مستويات عدة وبأشكال مختلفة إلى استنساخ ما هو موجود، فهو يقع في تعارض مع المنهج الطوباوي ويجد مبرره في نظرية العقلانية الجديدة بوصفها ردة فعل على النزعة التقدمية للهندسة المعمارية الحديثة. وهناك أيضا شكل من الطوباوية يتمثل في ذلك الموقف الذي لا يرتبط بالمخيال ولكن بالنزعة الحنينية (النوستالجية). "إن عملية التكرار بصورة طقوسية للسلوكات القديمة تعبر عن عدم التكيف، والهروب من حاضر لا يمكن تحمله"[17].

تكمن المسألة هنا في معرفة في أي ظرف يمكن أن يكون للتقليد مفعول سلبي في إنتاج الفضاء؟ بمعنى تحت أي شرط تصير عملية المحاكاة عامل رتابة معممة تشوه خصوصية النموذج. إن الفعل المتسم بالتقليد يعيد إنتاج القوالب النموذجية المبتذلة في غياب شروط الخلق والإبداع[18]. يعتبر فهم موضوع المرجع والتحكم فيه من الشروط الضرورية لوجود عملية إعادة إنتاج خلاقة، ذلك أن منهج الإبداع والتجديد يتوقف أساسا على المنهج النقدي. وحتى يكون لعملية التقليد أثر إيجابي يجب افتراض وجود شروط كفيلة لإضفاء "نظام جاهز من القيم"[19]. لا شك أننا نحتاج، ونحن ننظر إلى منظومة القيم الإيكولوجية،إلى التمعن في مختلف توظيفات النماذج، وهذا حسب فرضية تكوين العناصر المتفاعلة مثل الفضاء والزمن واستخداماتهما، فالأمر يتعلق بإضفاء جملة من القيم الرمزية والثقافية التي يمكن معاينتها عبر ممارسات الفضاء.

1. مساهمة البيئة في المشكلات الحضرية

يتضمن تعبير "البيئة الحضرية" جملة من الأفعال التي تندرج ضمنها المقاربة النسقية، الاعتبارات المذهبية والتصور البيئوي للفضاء. كما أن تزايد الاهتمام اليوم بقضايا البيئة حيث أصبح علم البيئة حاضرا في كل المستويات المؤسساتية للهندسة العمرانية والتسيير الحضري.

تظهر البيئة الحضرية في أيامنا هذه في كواليس الأوساط المتخصصة في علم التمدن، وتثير العديد من التساؤلات في البحوث والدراسات. لكن ما هي العناصر الجديدة التي تم إدخالها في علم التمدن من قبل هذه التيار الفكري؟

يتم إدراك علم البيئة، بما هو كذلك، بوصفه عاملا منقذا شبيها بحالة عالم العمران و المدن وهو في بداياته الأولى أثناء الحقبة الصناعية. يتعلق الأمر بتعميق المعرفة في علم البيئة للتأثير على الوسط الحضري. يعتبر المعيار البيئي معطى قابلا للتكميم مثله مثل الديموغرافيا والاقتصاد، فهو يصلح لأن يكون نقطة ارتكاز في تنظيم الفضاء دون أن يؤثر على التصور، ذلك أن هذا الأخير لصيق بحساسية صاحب التصور.

يتضمن ميدان دراسة علم البيئة "تسيير الوسط الحضري" و"أثر الجباية على البيئة".. وكذا معاينة الظواهر ومعرفة آليات التفاعل، وسبل محاربة التلوثات وتدهور المحيط. فانطلاقاً من دراسات المحيط نتمكن من "معرفة البيئة"[20]. وبتعبير آخر، يدخل الرهان البيئي، في حسبانه، مفهوم الأثر والإدراك الجديد لمفهوم "التهيئة العقلانية"[21]، تبين أهدافه وآلياته أن التهيئة العقلانية لا يجب اعتبارها غاية في حد ذاتها، وإنما قياسا للآثار الاقتصادية والاجتماعية للتهيئة باعتبارها عملية نسقية تحدد معنى العقلانية.

تعوض إعادة تفسير العناصر المتفاعلة المسعى التطبيقي للصيغ بالمسعى الذي يمنح للفضاء بعداً ثقافياً[22]. فإعادة التفسير هذه تفتح الحقل النظري لمعنى الممارسات في الفضاء بوصفها عناصر كامنة من الدلالات يمكن إدخالها في عملية التكوين المجالي والحضري.

2. المساحات الخضراء العمومية : سياق وانجاز

يطرح الإطار النظري الذي يأخذ في اعتباره وجود أشكال العلاقات العاطفية والجماعية بين الأفراد والفضاء، مشاكل متعلقة بمفاهيم المكان، فالأمر يتعلق بفضاء معاش ومهيكل بواسطة كل من التشكل المكاني، والممارسات والزمن. إن هذه العناصر المختلفة في مضمونها، تتعلق بمفاهيم الهوية والخصوصية وذاكرة المكان، و هي مكونات ثلاثة تحدد لقياس وفهم درجة أهميتها في عملية تهيئة الفضاء.

تعود نماذج المساحات الخضراء العمومية المنتشرة في مدن الساحل الجزائري إلى فترتين تاريخيتين:

  • الفترة الاستعمارية الفرنسية (1830-1962)، وهي فترة تتزامن مع السياق الأوربي الذي كان يعرف تحولات التي رافقت الحدث الصناعي.

وفي أثناء هذه الفترة قام النظام آنذاك على تكييف الفضاء الحضري حسب حاجياته مستعيناً بخبرته. وقد عرفت هذه الحقبة التاريخية نوعين من الفضاء الحضري. أما النوع الأول فقد كان نتاج تمدن متصل بسابقه، متوافق مع نموذج الفضاء المتكامل في نسيج متجانس مثل حدائق صغيرة، وساحات، وشوارع مزروعة. وأمَا النوع الثاني فقد كان نتاج نظريات حول التمدن الحضري الحديث، يتطابق مع النوع الممتد، و هو مصاحب للفضاءات المبنية مثل حي المجموعات الكبرى.

يعود بناء هذا النوع من التصميم النموذجي المزدوج للمساحات الخضراء إلى المحيط المبني. ومن أجل فهم هذا الانجاز، يتعين ذكر الظروف التاريخية التي ساهمت في بنائها. وبناء على فرضية وجود مخطط للسياسة الحضرية الذي كان ممارساً في المدن الجزائرية الساحلية، تمَت صياغة المعطيات حسب تقسيم مجالي زماني و متزامن، ويمكننا تصنيفه إلى ثلاث فترات:

  • الفترة ما بين 1832- 1844: شهدت هذه الفترة تطبيق نوع من عملية تمدين عسكري ترافقت مع انجاز المساحات الخضراء مثل الحدائق العمومية، والساحات.
  • الفترة ما بين 1844- - 1914: وهي فترة تخطيط الشوارع الكبيرة المغروسة، مقرونة بحدائق صغيرة، وساحات عمومية، قائمة على مبدأ الإحلال محل المعاقل المهدمة.
  • الفترة ما بين 1919- 1962: وقد شهدت هذه الفترة ميلاد وتطبيق التمدن البيروقراطي على غرار القوانين الصادرة في فرنسا سنة 1919 و1924. تعتبر هذه الفترة وسطية بين التمدن القديم والتمدن القائم على مفهوم المنطقة (zoning). وهي فترة تتطابق مع بناء العمارات المعزولة. تعتبر هذه النماذج المقدمة خليطاً من الثقافة والممارسات الحضرية الفرنسية المتأثرة بالأنظمة النظرية الإنجليزية والمكيَفة مع السياق الجغرافي المورفولوجي للموقع الجزائري.
  • فترة ما بعد الحقبة الاستعمارية:: تميزت هذه الفترة بظهور مناطق جديدة للسكن الحضري. لقد أدخل على تصميم المساحات الخضراء مقاييس نظرية للتمدن الحديث، وكان تطبيقها يجري في غياب تحكم حقيقي في البناء.

لقد استهدفت السلطات العمومية بعد الاستقلال سنة 1962 جزأرة تدريجية لهياكل ومؤسسات البلاد. وبداية من سنة 1975 تحددت في ميدان التمدن والبناء الأدوات التحضيرية العملية المعروفة باسم "مناطق السكن الحضري الجديدة" (ZHUN). إن سياق تصميم هذا النوع من المناطق جرى في وقت كانت التجربة والمعرفة فيه ناقصتين في ميدان التمدن الحضري. إن المنهجية القائمة على نموذج "منطقة التمدن ذات الأولوية " في فرنسا، المبنية على إجراءات مندرجة ضمن قانون الإطار الصادر في 7 أوت 1957، هي التي ستحدد المنهجية المعتمدة. يلزم نموذج قانون مناطق السكن الحضري الجديدة ضرورة بناء المساحات الخضراء حسب معدلات متناسبة مع شغل المكان، وفي ذات الوقت، فإن الحاجة لمواجهة مشاكل البناء المكثف أدت إلى بناء السكنات الجاهزة. إن الرؤية الجامدة التي تتجاهل الخصوصيات المحلية، ستعمل على توزيع التنظيم المجالي نفسه للأطراف الحضرية على المستوى الوطني. وفي هذا السياق، ومضافاً إليه صعوبات التطبيق الميداني، فإن الهندسة المعمارية، مثلها مثل عملية التمدن، ستصبح مجرد "مسألة تقنية"[23]. إن تطور الوقائع التي اتسمت بها مورفولوجية الفضاء الحضري لما بعد الفترة الكولونيالية قد بلغت أهميتها بداية من الثمانينيات. و قد أثار الفضاء المتولد عن هذه الفترة ردود أفعال أدت إلى استصدار نصوص تشريعية كان من نتائجها إعداد أدوات جديدة في تصميم عملية التمدن. كما عرف إعداد كل من "المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية" (PDAU) و"مخطط شغل المكان" (POS) وتطبيقاتهما الفعلية بداية من سنة 1991.

كانت الغاية من المساحات الخضراء العمومية هي أن تكون فضاءات للتجمع حيث تكتسي فيها النشاطات طابعاً للاستراحة والمرح، فالأجواء التي تبرز منها تدل على العملية التاريخية التي ساهمت في انجازها.

وفي هذا الإطار فإن ساحة (جوريس) في مرسيليا مثلا تطرح نفسها نموذجا مجسدا لمفهوم المكان. إنها تقدم صورة مساحة خضراء حضرية عمومية تستجيب لتطلعات مستعمليها، وكذا المتخصص في علم التمدن ولمسيري المدينة[24]. إن التشكل المجالي لهذه الساحة وتوزيع النشاطات الذي يحركها هو نتاج مراحل متعاقبة من تطورها، وهذا راجع للاعتبارات التشريعية حول التحضَر والتمدن، حيث تم فيها الاحتفاظ بالممارسات الجوهرية للبنية الأولية مع السماح بتطورها. يعود الفضل في تعدد وتنوع النشاطات التي تتطور ضمن ساحة (جان جوريس) إلى عملية التهيئة التي أخذت بعين الاعتبار إمكانيات السياق، وقد برز اهتمام السكان وانخراطهم في هذا الفضاء، من خلال وجود العديد من الأنشطة التجارية. فهم يضمنون شكلاً من التركز ويعطون للتردد على الساحة معنى فعالاً له انعكاسات اقتصادية ايجابية على المدينة.

و خلافا لساحة (جان جوريس)، فإن ساحة بور سعيد في العاصمة لم تستفد من إجراءات شبيهة. يوجد الموقع الأولي للساحة في المدخل الرئيسي للمدينة. فالمجال مدين في وجوده لشروط ظرفية واعتبارات جغرافية مورفولوجية وسوسيولوجية تؤدي إلى وجود ممارسات تستجيب للحاجيات المادية وغير المادية.

تنتمي ساحة بور سعيد، باعتبارها مساحة خضراء حضرية وعمومية، إلى نوع من الفضاء الذي يمتلك مقومات طبيعية وإمكانيات بنيوية كفيلة بتشجيع التنمية الاقتصادية بما تمثله من شبكة للاتصالات الرئيسية التي تبرر الممارسات الهامة والمترابطة مع نوعية محيط الموقع. إن إجراءات التكوين الحضري التي استكملت الساحة المذكورة لم تأخذ بعين الاعتبار الممارسات والدلالات التي هيكلت الفضاء الأولي. لقد كانت المعطيات التي تمت ملاحظتها موضوع تحولات فككت بنيتها على مر الزمن. لقد مست هذه التحولات الشبكة الرئيسية للاتصال (مثل شارع باب عزون) والعناصر الهامة المتعلقة بممارسات المجال (السوق، أمكنة العبادة واللقاءات...). إن التشكل المجالي الحالي هو نتاج لمشروع موحد قائم على التأكيد على مفهوم ما للساحة ولمركز المدينة الكولونيالية. قامت هذه العملية وفق منطق ومبدأ "نهاية المسار" في علاقته بالإقليم (المحطة) وفرنسا (الميناء). يدل ذلك على وجود انطباع رمزي وثقافي قوي معبر عنه من خلال انجاز مسرح وطارمة (جناح دائري مقبب)، لتعكس ممارسات ذات قيمة مرتبطة بالتقاليد الفرنسية. كان الهدف من هذه التهيئة تلبية جانب كبير من حاجيات الاستراحة والمرح الخاصة بالمجتمع الكولونيالي، وذلك بصورة فاخرة وأنيقة. كان لهذا الإجراء أثر مزدوج يتمثل في تغيير الدور التجاري للفضاء الأولي وإقصاء المجتمع الأصلي حيث لم يعد يجد ما يبرر وجوده ضمن هذا الفضاء. لقد أدت هذه العملية إلى محو الشعور بالانتماء لهذا الفضاء ومن ثم توفير كل ما من شأنه تطوير النظام الاقتصادي للمدينة. لقد أصبح الدور الإيكولوجي لساحة بور سعيد حاليا مختزلاً في وظيفة يخضورية بفضل ما ينطوي عليه من إمكانيات الاخضرار، غير أن طبيعة ومستوى النشاطات الموجودة فيه لا تساهم في دينامكية التنشيط الحضري إلا في حدود ضعيفة. ذلك أنها لا تتوافق مع مفهوم فضاء مركزي هام من شأنه أن يجمع أكبر عدد من الأنشطة التجارية ذات طبيعة متنوعة وذات مستوى رفيع. تبين المعاينة الميدانية أن الأنشطة الموجودة لا تنتظم حسب التصفيف والطبيعة التي يتميز بها المركز من جهة، ولا تتطابق مع الصورة التي حددها هذا المفهوم، من جهة أخرى. يتجلى ضعف الأنشطة المتنوعة ذات الطابع التجاري في ساحة بور سعيد من خلال توزيع المجال وطبيعة الخدمات المقدمة فيه، وعلى الرغم من أن هذه الساحة تعتبر مجالاً هاماً في حضن المدينة، لكنها لا تجمع في مساحتها إلا أنشطة قليلة كماً ونوعاً، وهي بذلك بعيدة عن أن تشكل مركزاً محورياً[25]. وعليه لا نلاحظ فيها إلاَ مستوى واحدا من المطاعم لا يقدم خدماته إلا لذوي الدخل المحدود مثل المقاهي ومحلات الأكل الخفيف، كما أن وجود محلات متخصصة في تجارة الجملة بها له انعكاسات وظيفية لا تتلاءم مع الجو العام لساحة بور سعيد.

3. المساحات الخضراء في وهران

غالبا ما تقدم المدن الجزائرية أشكالاً نموذجية من المساحات، والساحات، والحدائق.. وأحياناً من الفضاءات الأخرى مثل الفناء و"الحلبة". تبدو هذه الأخيرة في شكل متقطع وتطوَق المنطقة المركزية للمدينة. وقد كان بناء هذه النماذج من المساحات متوافقاً مع نظريات التحضَر والتمدن التي ظهرت في نهاية القرن الماضي، والقائمة على مفهوم "الحي-الحديقة" حسب تصور ألبنزر هوارد، Ebenezer Howard)). فالحلبة تشكل وحدة مورفولوجية وليست فضاءا عاماً في كليته. وتحتفظ قبل كل شيء بوظيفة المرفق العسكري حيث يخصص بعض من أجزائها للحدائق العامة.

ورثت وهران عشية الاستقلال تراثاً من "المساحات الخضراء" موزعَا بصورة غير متساوية عبر مدينة وهران. تفسر عملية النمو الحضري منطق التوزيع[26]، وعلى غرار السياسة الاستعمارية التي تجسدت في عملية التهيئة التي قامت على تهديم بعض أمكنة الحياة، مثل المصير "الوادي الأخضر"، الذي كان واحدا من مكونات وظائف الإنتاج والترفيه للمدينة، الذي تسبب في تحطيم الكيان الموجود. إن التشكلات المجالية الجديدة التي صنعتها عملية التمدن الاستعماري كانت تستجيب أساساً لوظيفة الترخيص لبناء مجال نظيف. كان توزيع هذه المجالات المشكلة قائماً على ضرورة وجود مسافة بين مختلف أنواع الأحياء. إن الشارع المحيط بالمدينة الذي تم تصميمه لكي يكون "حلبة" مدينة وهران يجسد هذا التصور الموجه لتلبية حاجات المناورات العسكرية.

و حالياً يولي النقاش أهمية خاصة لنمط تملك المجال من قبل السكان الجزائريين. أما فيما يتعلق بالحالة الخاصة بالمساحات الخضراء الحضرية العمومية، فقد توجَه الاستبيان لمعاينة واقع يتميز بمختلف الاستعمالات الهامة للمساحات الخضراء من النوع نفسه. وبالمثل فإن استعمالات المساحات الخضراء لا تتوافق دائماً مع الغرض المنتظر منها نظرياً. وتطرح هذه الجوانب من المشكلة فرضية مفادها أن مختلف الفوارق التي تمت ملاحظتها مرتبطة بظروف انجاز هذه المساحات الخضراء الحضرية العمومية[27]. كما تتعلق هذه الجوانب بالقدرات المهيكلة للموقع، المرتبطة في الأصل بالاعتبارات و السياقات التي رافقت عملية تشكيل المساحات الخضراء العمومية.

لقد أظهرت الدراسات المتعلقة بالمساحات الخضراء العمومية الحضرية في وهران الموروثة عن الفترة الاستعمارية أن هذه المساحات كانت نتاج عملية مزدوجة:

أولا، عملية تفكيك بنيوي، بحكم أن عملية التشكيل لم تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات الموجودة.

ثانيا، لأنها علمية مهيكلة لبعض الحالات من الفضاءات حيث غياب الأنشطة الاجتماعية خلال فترة التهيئة.

و من أهم الأمثلة عن الحالة الأولى نذكر ساحة الجيش الوطني الشعبي، وساحة أول نوفمبر، وساحة المغرب العربي، والإخوة مولاي، وباحة سيد محمد وشارع جيش التحرير الوطني. لم تراع طرق تهيئة هذه المجالات الحضرية والمعطيات الفيزيقية مثل : الطوبولوجيا (علم مواقع الأشياء) والهندسة، والأبعاد وكذا المعطيات غير الفيزيقية مثل الأنشطة، والطبونيميا (علم أسماء الأماكن) بوصفها معطيات للسياق الأولي الواجب تطويره. لقد كان من نتائج العمليات التي استحدثتها إجراءات التمدن الحضري الكولونيالي، باعتبارها بديل لما كان موجوداً، تقليص الدور المتعدَد الوظائف للمجال الذي كانت نشاطاته مرتبطة بالحاجيات المادية وغير المادية للسكان الأصليين. لقد اتخذت تهيئة المجال فيه قيمة تزويقية، وحدت من تطور المجال، مما أدى حالياً إلى وجود أصناف من الأنشطة التي تتعايش ضمنه تتسم بالتوتر ، ملحقة أضرار بالجو العام وبالوظيفية البيئية للمجال.

وإلى جانب ذلك، يوجد نوع من التدخل طال ساحات عيسات إيدير وساحة السلام، ومنتزه الشيخ ابن باديس وشارع العقيد لطفي. ويسجل هنا أن إنشاء مساحات خضراء حضرية عمومية لم يتطور في الاتجاه المطلوب كما توقعته استشرافات التخطيط العمراني. وهكذا نجد أن النشاطات المتواجدة فيه لا تتوافق مع روح المجال بما هو مكان حيوي للتجمع والتنشيط. ونلاحظ هنا أن ساحات عيسات إيدير أصبحت ملتقى طرق، وساحة السلام تحولت إلى ميدان لكرة القدم، وأمَا متنزه الشيخ بن باديس الذي يمتلك مؤهلات طبيعية استثنائية فقد بقي مجالاً معزولاً، و يبدو أنه كان مرتبطاً في أصله بقصر (روزالكازار) الذي أثرَ تدهوره على الجو العام للحديقة. أمَا شارع العقيد لطفي فقد كان مقرراً لأن يكون أحد مكونات "حلبة وهران" لاحتضان نشاطات الترفيه والتسلية مثل التنزه في الوسط الحضري. تبيَن معاينة عملية نشأته أنه كان منقوصاً في عملية بنائه من الأسس الهامة للممارسات التي من شأنها تحريك النشاطات و تنمية الانسجام مع روح المجال وفق ما تم تخطيطه. أدىَ انجازه في اتجاه مسار "طريق دوارة"، والنشاطات التي يحتضنها[28] باتجاه تجارة الجملة المزدهرة إلى تحطيم رأسماله المبنى على الاخضرار. وبهذا نلاحظ أن الأعمال المنجزة في إطار عملية إنشاء المساحات الخضراء الحضرية العمومية لها علاقة بنوعية استعمالها. فالجانب الكيفي يتوافق مع مراعاة الممارسات الهامة لوجود المجال في أصله، وتتجلى تلك النشاطات بدافع من الحاجيات الفيزيقية و/أو غير الفيزيقية مهيكلة بالتالي لهويته ولطبيعته.

تؤثَر مجموع هذه المؤشرات المتعلقة بالمورفولوجيا، والأنشطة والزمن على تنظيم المجال، باعتباره عاملا جامعاً بفعل القيمة التي ينطوي عليها، لأنه يملك ويقدم بعضاً من الإمكانيات المادية التي تبرر التخطيط واللحظات التي تستثمر فيها الطاقات غير الفيزيقية التي تكشف عن قيمته وتهيكلها. إن ملاحظة هذه الإمكانيات واتجاه الحاجيات التي تميزها للاستفادة منها تقتضي إنشاء فضاء بصورة تسمح بتنمية متفاعلة لهويته وطبيعته. الأمر يتعلق بتنظيم هياكل الاتصالات التي تربط ما بين المستعملين في توافق مع المجال والزمن.



ترجمة :

الهوامش

[1] Nobert-Schulz, Ch..-Génius Loci.-Pierre Mardaga Editeur, 1981.

[2] La dimension culturelle du développement, vers une approche pratique. Editions UNESCO, 1994. Collection Culture et développement.

[3] Colquhoun, A., Recueil d’essais critiques, 1981.

[4] Colquhoun, A., Op.cité.

[5] Gombrich, E.H..- cité par Colquhoun, A

[6] Ibid.

[7] Soulier, L., Edition CRU, 1968.

[8] إن الوحدة السكنية في مرسيليا موجودة على صورة عمارة كبيرة تقوم على موتدة مبنية داخل فضاء أخضر، مسيج بمحيط نباتي غير مغلق. وتسييره ليس من مسؤولية مصالح البلدية ووضعه كفضاء خاص لصالح ساكنيه يضمن لهم بتسيير مستقل مع المحافظة على طابعه المفتوح على الفضاء العام. إن تصميمه بهذا الشكل يهدف إلى منع حدوث النزاعات في استعماله وخصوصاً الضجيج.

[9] حالة حقول أشجار الزنبق في هولندا. الإتقان الجمالي الذي جعل منها مكاناً للراحة والتسلية، ذلك أنها تقدم فرجة فريدة من نوعها للناس، تنظيمها يندرج ضمن السياسة السياحية الرامية إلى الحصول على موارد اقتصادية إضافية. وفي سكاندينافيا نجد أن المساحات الخضراء الخاصة مفتوحة للجمهور شرط المحافظة على مصالح المالك والمستعمل والدولة. إن الدافع الاقتصادي التي عملت السياسة الجبائية على تشجيعه هو الذي جعل هذا النوع من التنظيم أمرا ممكناً. فهذا النموذج من المساحات الخضراء المبني على هذا النحو يتجاوز المعنى المورفولوجي للكلمة. أنه يتوافق مع البعد الثقافي التي تقوم ممارسة الفضاء وتقاليد الشعب السكاندينافي على تنظيمه وهيكلته.

[10] Duchac, M., Actes de Colloque d’Aix-en-Provence. 1972.

[11] Chombart de Lauwe. Ph., CRESM, 1963.

[12] Actes de Colloque, Op. cité.

[13] Guy, Henri, Dix années d’urbanisme. La naissance d’une ville, Barcelone, Editions du Moniteur, 1982.

[14] Tanas, Michel, in Revue Urbanisme, no 200, fev-mars, 1984.

[15] Krier & Culot. Contre-projet. AAM Editions, 1980.

[16] De Vilmorin, C. La politique des espaces verts. CRU, 1976.

[17] Choay, F., Urbanisme. Utopie et réalité. Paris, Seuil, 1963.

[18] Barthes, Roland, cité par Colquhoum, A. op.cité.

[19] Choay, F. op.cité.

[20] Mayer, S. Parti pris pour l’écologie. Messidor/Ed. Sociales, 1990.

[21] Dajoz, R. Précis d’écologie. Gauthiers-Villars, 1978.

[22] شمبار دو لاو يحدد المشاكل الثقافية المتعلقة بالمخططات العامة للتحضير والتمدن المرتبطة بالبيئة بنقطتين:

- "توزيع المعالم الرمزية والإدارية والعلمية والاحتفالية، والمحافظة على الآثار التاريخية أو صيانتها، دراسة تسيير دخول لهذه الفئات من المعالم إلى جميع الطبقات الاجتماعية." .

- يجب مراعاة على مختلف الأصعدة التجهيزات الثقافية الواجب توفرها: على مستوى الحي، مجموعات الأحياء، تجمعات الأحياء". Paris, Essais de Sociologie, 1952-1964, Les éditions Ouvrières.

[23] Vilder, A., cité par Colquhoun, A. op.cité.

[24] Dalgier, J., La place Jean Jaurès, travail personnel de fin d’études. Ecole d’Architecture, Marseille, Luminy, 1993.

[25] Lynch, K..- L’image de la cité.- Paris, Dunod, 1960.

[26] Bekkouche, Ammara, Espaces verts et croissance urbaine, Magister en urbanisme, USTO, 1990.

[27] إمكانيات مهيكلة للموقع: إن المساحات الخضراء الحضرية القائمة على عقارات التي تتجلى فيها الممارسات الاجتماعية يمكن أن تكون مفيدة في استعمالها إذا تمت تهيئتها على نحو سليم. فالممارسات الاجتماعية تعبر عن وجود حاجيات مادية مثل السوق أو حاجيات لا مادية مثل جمال الموقع، المعتقدات، الطقوس، أحداث، احتفالات.

- الاعتبارات المتعلقة بالظروف والسياقات: إن المنهج الإيكولوجي في إجراءاته يعتبر أن بنية السياق مثل الهوية، الطبع، والتاريخ، كإمكانيات. وفي هذه الحالة وجب استغلال العناصر الهامة التي يمكنها أن تعطي للأنشطة أثراً اقتصاديا إيجابياً يعود بالنفع على المدينة.

- إن هوية المساحات الخضراء مرتبطة بالمؤشرات الفيزيقية والمورفولوجية المتعلقة بعملية النمذجة والهندسة والأبعاد.

- إن خاصية المساحات الخضراء مربوطة بمؤشرات غير مادية على صلة بالعناصر الهامة غير القابلة للتكميم مثل الممارسات، والمواقع.

- ذاكرة المكان مرتبطة بإجراءات بتشكل المساحات الخضراء. يتوقف بناؤها على مجمل التغيرات التي أحدثت فروقاً بين الشكل الأولي والشكل المتصور. إن مراعاة معطيات السياق من شأنها أن تسمح لنا بتقدير أهمية وطبيعة التغيرات المسجلة.

[28] هناك الكثير من محطات الوقود تتخلل الشارع: أثنين منها تقعان في الأفق المركزي

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact