تـقـديـم المحور الأول : الحركة الاجتماعية، الحركة الجمعوية

تـقـديـم المحور الأول : الحركة الاجتماعية، الحركة الجمعوية

يتفق المختصون في نظريات الحركات الاجتماعية على وجود نوعين من الحركات الاجتماعية عرفتها المجتمعات المتطورة الما بعد المصنعة.

النوع الأول : يخص الحركات الاجتماعية الكلاسيكية التي ارتبطت عموما بالعالم العماليو نضالاته داخل الحركات النقابية احتجاجا على التجاوزات المفرطة للرأسمالية الصناعية.

النوع الثاني : و المتمثل في الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتميز بالأفعال الجماعية الاحتجاجية (المنظمة أو الغير المنظمة) و التي تبرز خارج الفضاء الاقتصادي و الإنتاجي. و ينفرد هذا النوع الثاني من الحركات الاجتماعية بنوعية المشاكل الجديدة التي يطرحها، و المجالات أو القطاعات التي يستهدفها و ينشطها، الفئات الاجتماعية التي يجندها و الإستراتيجيات التي يستعملها في منهجيته لمعالجة النزاعات و طريقة التصدي لها و أخيرا إلى الطابع الظرفي و الآني الذي يتصف به عموما[1].

و في هذا المجال، يعتقد عدد من المؤلفين أن بروز و تطور الحركات الاجتماعية الجديدة و الظهور المتجدد للحركة الجمعوية في أوربا على وجه الخصوص مفاده سد الفراغ الذي تركته الحركات النقابية و الازمة الحادة التي يعاني منها العالم العمالي و كذا التمثيل السياسي على حد سواء[2] حتى و أن بَيَّنَ البعض عكس ذلك مثل ت.و.تكسيتي في دراسة له يتنبأ فيها بظهور ديناميكية و نفس جديدين للحياة النقابية في فرنسا نظرا لتوفر العديد من الفرص و التموضع المرموق الذي بدأت تحتله تدريجيا الحركات النقابية داخل ميزان القوى الدائر حاليا في عالم الشغل[3].

من جهة أخرى، شهدت الدول المتخلفة و دول المغرب العربي على وجه التحديد في العشريتين الأخيرتين، انفجارا لا مثيل له للظاهرة الجمعوية.

و يمكن تفسير هذه الظاهرة في بلدان المغرب العربي بعاملين:

1- الهيمنة المطلقة لتسيير النظام الاجتماعي و من ثمة الخلفيات المترددة و النظرة السلبية للحركة الجمعوية. مما أدى إلى إيقاف كل محاولة لاستقلالية الفئات الاجتماعية أو النشاطات الجماعية (المنظمة و الغير المنظمة) القائمة خارج المؤسسات الرسمية للدولة.

2- التغييرات الاجتماعية، السياسية و الاقتصادية التي اجتاحت المعسكر الاشتراكي سابقا و التي اعتنقت كلها النهج الليبرالي في المجال الاقتصادي والسياسي. هذا الوضع الدولي لم يستثن الدول المتخلفة و مجتمعات المغرب العربي.

- إذن، تاريخيا فإن الظاهرة الجمعوية في هذه المجتمعات ظاهرة حديثة العهد و قلما اهتم بدراستها الباحثون. و من جهة أخرى نلمس العديد من أوجه التشابه في هذه المجتمعات (المغرب / الجزائر / تونس) للتجربة الجمعوية مثلا.

و بالفعل، جغرافيا نجد تمركز الظاهرة الجمعوية في المناطق الحضرية التي تجند فئات اجتماعية مختلفة و جديدة، و تشمل قطاعات و فضاءات متنوعة : اجتماعية، ثقافية، دينية، حقوق الإنسان و المرأة و مشاكل الهوية (الأمازيغية)، المهنة و المحيط و البيئة الخ ...

و انطلاقا مما سبق، فإن سلسلة من التساؤلات الأساسية تواجهنا ؛ أهمها :

- هل يمكن اعتبار التواجد الهائل و المكثف للظاهرة الجمعوية مؤخرا في المجتمعات المغاربية ترجمة لعهد جديد و قطيعة تبشر بديناميكية و تغيير ممارسة الدولة إزاء المجتمع المدني في التعامل معه بمنظور و تصور مخالفين للعهود السابقة؟

- بمعنى آخر، هل لنا أن نجزم أن هذه الظاهرة "الجمعوية" هي بمثابة فضاء مميز و إطار منظم لتطوير الثقافة الديمقراطية تمكن "المجتمع المدني"[4] أن يبرز من خلالها تدريجيا كطرف مؤثر قادر على فرض آراءه و مقترحاته على السلطات العمومية في المجالات المختلفة الني تهمه و تعنيه حتى يقوم بدور الوسيط و الفعال بين الحدوثة و المجتمع الذي يمثله.

هل تخضع الظاهرة الجمعوية إلى إستراتيجيات السلطة تديرها حسب اهواءها و مبتغياتها و تحصرها في قفص اللعبة السياسية الرسمية و من ثمة تفرغها من مهمتها الأساسية لتتحول باستمرار إلى جمعيات شكلية هشة قابلة للبقاء أو الفناء.

- تلك هي الاهتمامات الرئيسية التي دفعت بفريقين من الباحثين (الاول بمركز الأبحاث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية بوهران و الثانية بمعهد المغرب العربي / أوربا بجامعة باريس 8) ؛ بمشروع مشترك حول موضوع "الحركة الجمعوية بالجزائر و في المهجر" تحت إشراف السيدين : ر.قاليسو و ع.دراس

- و قد انصبت هذه الدراسات على محاولة إعادة النظر من جديد في شبكة القراءات للحركات الاجتماعية في الجزائر و بخاصة الحركة الجمعوية باعتبارها ظاهرة مميزة، شملت المجتمع المدني بشكل هام هذا من جهة، و الغرض الآخر ينكب على مقاربة مقارنة مع المجتمعات المجاورة (المغرب و تونس) و الحركة الجمعوية للجالية المغاربية بفرنسا من جهة ثانية.

- إن مجمل المساهمات التي يحتويه العدد الثامن من مجلة إنسانيات و المخصص للحركات الاجتماعية و الجمعوية يحاول الإجابة على معظم التساؤلات المذكورة أعلاه، مدركين جيدا أن هناك مجالات و جوانب عديدة لم نتطرق إليها لتكون ابحاثا لاحقة خاصة تلك التي تتعلق بالمواضيع ذات الطابع النظري و المنهجي كموضوع تيبولوجيات الحركات الاجتماعية الجديدة، مشكل تصنيف الجمعيات و المقاييس الموضوعية بين صنف الحركات الاجتماعية الكلاسكية و الصنف الجديد منها في المجتمعات المغاربية[5] و أخيرا الجمعيات الغير الرسمية و الغير المعلنة و التي نجهلها تماما.

و يصنف هذا العدد من المجلة في عدة مجالات : بادئ ذي بدء التساؤلات المنهجية التي يتطرق إليها ر.غاليسو من زاوية تاريخية للعلاقة بين الحركات الاجتماعية و الحركات الجمعوية في إطار التفاعل بين الدولة و المجتمع ليبرز في تحليلاته المعنى و الأشكال المختلفة للحركات الاجتماعية التي ظهرت و ميزت المجتمعات المغاربية و ذلك من خلال ثلاثة مراحل كبرى :

- المرحلة الماقبل استعمارية مع تكوين الجمعيات الدينية و الطائفية عن المرحلة الاستعمارية و التي أفرزت الانتقال من الجمعيات ذات الطابع العرقي و الهوية إلى المجموعات السياسية التي تمثلت في النماذج الوطنية للدولة و أخيرا المرحلة ما بعد الاستقلال و التي تتصف بهيمنة الدولة و الاستراتيجيات التي طبقتها لايقاف المحاولات المتعددة لاستقلالية الفئات الاجتماعية و المجموعات عن الدولة و أجهزتها.

- يخصص المحور الثاني لهذا العدد جزءا كبيرا لدراسة الحالات بدءا بالمثال التونسي مع ن. سريب الذي يقدم لنا تحليلا للجمعيات الثقافية إبان الفترة الكلونيالية بتونس و التي أوكلت لها وظيفة أساسية ألا و هي إنتاج التجمعات السياسية معتمدا بذلك على استعراض المسيرة السياسية لبعض الفاعلين المميزين في ميدان النشاطات الجمعوية.

أما الدراسات المخصصة للجزائر فهي تشتمل على ستة أمثلة الأولى مع م. رمعون التي تقترح علينا تاريخية خصصتها للحركة الجمعوية النسوية و تطور نضالاتها و الاتجاهات و الخطابات التي عرفتها خاصة بعد صدور قانون 31/12/1990.

بعدها يقترح علينا ع.دراس دراسة ميدانية لمائة جمعية نشطة في ولاية وهران ليعطينا تقييما للوضعية الحالية للحياة الجمعوية بهذه الولاية عن طريق دراسة ثلاثة مواضيع متكاملة: الخصائص و الملامح الأساسية للجمعيات و التركبية الاجتماعية لموطربها و ماهي تمثلاتهم و كيف يقيم هؤلاء مصير الحركة الجمعوية في الجزائر حاليا و مستقبلا.

ب.صالحي اختار حالة الجمعيات بالقبائل ليبرز أن المجموعات التي تخوض عملية العصرنة مثل الجمعية أو الحزب السياسي تعود للظهور من جديد معتمدة على أدوات جديدة مع المحافظة في نفس الوقت على الأدوات التنظيمية التقليدية.

د.بلبيار يلفت اهتمامنا حول التفكير في مصداقية العلاقة المتبادلة و الارتباط القائم بين ثلاثة هيئات: كرة القدم، العالم الحضري و الديمقراطية ليستعرض اشكاليته معتمدا على أربعة أفكار قوية.

- ص. بن قادة يقدم لنا منوغرافيا مفصلة لجمعية الجغرافيا و علم الأثار بوهران ما بين 1918/1998 الجمعية العلمية الوحيدة التي استأنفت نشاطاتها بعد الاستقلال مبرزا في ذلك الدور الذي لعبه الفاعلون الجدد في المجال الثقافي لاعادة الاستحواذ على هذا الارث الثقافي و العلمي المتواجد اثناء الفترة الاستعمارية.

أخيرا ب.سنوسي يقدم لنا شهادة لجمعية المحافظة على البيئة و علاقاتها "النفعية" مع السلطات المحلية و المركزية.

* م. رولاند تدعونا للتعرف على الحركة الأمازيغية بالمغرب لتعرض علينا الاستراتيجيات المختلفة التي إعتمدت عليها، و ماهي ردود أفعالها إزاء هيمنة الدولة من خلال دراسة الخطابات التي انتجتها هذه الحركة و مدى تكيفها مع الأوضاع السياسية وفقا لميزان القوى التي طبع كل مرحلة من حياة هذه الحركة.

* يهتم ج. بريفو تطور الحياة الجمعوية للجالية المغاربية بفرنسا معتمدا على فرضية مفادها أن مبدأ النظرية المبنية على دوافع عملية التنظيم الذاتي ليبين لنا أن الحركة الجمعوية المغاربية بفرنسا ماهي إلا ركيزة مؤسساتية للأشكال المختلفة للتنظيم الذاتي باعتبارها ورقة في يد السلطة و أرضية صراع سياسي من خلال جعل هذه الجمعيات وسيلة تستعمل في اللعبة السياسية و الكيفية للاستحواث عليها. و من ثمة ماهي ردود افعال الجمعيات في محاولة التصدي للهيمنة، و محاولات الانفصال عنها.

* و أخيرا نختم هذا العدد الثامن بتقديم حصيلة نقدية لمختلفة التيارات الفكرية لنظريات الحركات الاجتماعية و الأفعال الجماعية للتجنيد الاجتماعي التي عرفتها أوربا و الولايات المتحدة. ليقترح علينا د. لصاوت بعد ذلك تعويض النقائص و محدودية هذه النظريات بالأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي و وزن المحددات الاجتماعية للنشاطات التاكتيكية لكل الأفعال للتجنيد الاحتجاجي.



الهوامش

[1]- أنظر توران، آلان.- إكتشاف الحركات الاجتماعية في الفعل الجماعي و الحركات الاجتماعية.- مطبوعات PUF، 1993.- ص.ص. 17-38 و مقالات ر. غاليسو حول هذا الموضوع خاصة العدد 98/1990/4 من مجلة الإنسان و المجتمع.

[2]- برتليمي، و ايون يؤكدان أن الحياة الجمعوية توصلت إلى فرض وجودها بقوة على انقاد الحركة النقابية نتيجة تحول بعض القطاعات في المجتمع إلى حالة أنيميا.- س. جوان .- الحدث الجمعوي.- مجلة علم إجتماع العمل، العدد 41، 1999.- ص.199.

[3]- ذكر المرجع.-ص.ص 53-60.

[4]- دار نقاش ثري حول مصطلح "المجتمع المدني" بمزيد من المعلومات أنظر غاليسو، ر.- تجاوزات المجتمع المدني.- مجلة الإنسان و المجتمع، العدد 102، 1991/4.

[5]- رولاند، م. تقترح مقاربة في هذا الموضوع إذ تعتمد على تحليل و دراسة تداخل و مزج النوعين من الحركات الاجتماعية عبر الفترات التاريخية المختلفة.- دفتر 1 لمعهد مغرب / أوربا المخصص للحركات الاجتماعية في المغرب العربي، 1997.- ص.8.

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Téléphone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact