أحلام المستقبل والمستقبل المأمول عند الشباب : تضارب في القرارات

أحلام المستقبل والمستقبل المأمول عند الشباب : تضارب في القرارات

مقدمة

كيف يبني الشّباب مستقبلهم ؟ كيف يسعون للسيطرة على الظروف الموضوعيّة التي يعيشون ضمنها ويتحكّمون فيها بغية تجسيد بعض المبادرات الضرورية التي تعكس تصوّرهم للمستقبل؟ هما التساؤلان الرئيسان لهذه الورقة البحثية التي تستهدف تحليل خطابات هذه الفئة واستيعاب معنى هذا البناء والطرق والوسائل المستخدمة في تجسيد المشاريع وتشكيلها. علينا القول في البداية، أنّ مفهوم المستقبل عند الشباب لا يزال في طور التشكّل وهذا الطرح قد لا يسهّل عملية التحليل. ومع ذلك، يمكن قراءته على مستويين مختلفين هما: مستوى البناء العقلي (التطلّعات) الذي يغلب عليه "أحلام الشباب"، ومستوى تجسيد المشاريع التي تنمّ عن غايات لها علاقة مع طموحاتهم.

يقترح هذا النص عرضا لجزء من نتائج دراسة استطلاعية أجريت عن طريق مقابلات شبه موجّهة وشملت عشرة من شباب الريف بولاية تيزي وزو. تمّ اختيار الملامح الاجتماعية للمبحوثين على أساس معايير متعلّقة بدرجة التحصيل الدراسي والمكانة ضمن التنظيم الاجتماعي الريفي. لم يتجاوز جميع الشباب الذين تمّ انتقاؤهم لهذا التحقيق مستوى التعليم الثانوي، كما أنّهم لم يتواجدوا فترة إجرائه في حالة تمدرس، وهم غير متزوّجين ولا يفكرون حاليا في هذا المشروع. تتراوح أعمار الفئة المبحوثة ما بين 18 و33 سنة، وكلّهم من الذكور[1]. تمّ اختيار هذه الفئة، وفق مكانتها الرمزية بالقريّة، ونظرا لوضعيتها الهامشيّة في علاقاتها بمؤسسات الدولة.

تمحورت مواضيع المقابلات التي أجريت مع هذه الفئة حول علاقاتها مع العائلة وطبيعة توتّرات معيشها اليومي ونظرتهم له، كما تطرّقت أيضا لأشكال التفاوض مع الوسط العائلي والقروي وحالة الروتين ضمنهما. لقد كانت الغاية من هذه المقابلات معرفة الكيفية التي يقدّم بها الشاب نفسه، إذ نعتبر أنّ تقديم الذات متأثر بشكل كبير بالتمثلات التي يبنيها المبحوث حول واقعه الاجتماعي وفق ما يحيط به في أسرته، وبقريته وبالعالم بشكل أوسع والتي تغذّي بدورها نظراته المستقبليّة.

ازدواجية في القرارات وبناء المشاريع

تبيّن سلوكيات الشباب، موضوع هذه الدراسة، حالة التأرجح بين تطلعاتهم للمستقبل وإكراهات الواقع، فالتدابير الاقتصادية، باعتبارها "نظاما مرتبطا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي وما يتيحه من إمكانيات موضوعية محدّدة لهذا الوضع"[2]، لا تسمح لهم بالقيام بمبادرات فرديّة مستقلة دون الاصطدام بركائز إيديولوجية وثقافية لاقتصاد موجّه ومركزي، كما لا يفسح لهم المجال إلا جزئيا وبشكل محدود ببعض المساحة لتمكينهم من الاستقلالية، فخطاباتهم عن غياب الدولة تبيّن درجة عدم استعدادهم لإنشاء مشاريع فردية تدفعهم للتميّز اليومي وتكشف نظرتهم وتصوّرهم للمستقبل.

 قد تكون المعادلة المطروحة على الشباب مصاغة على النحو التالي: كيف يمكن ربط الاحتياجات ذات الطبيعة الاستعجالية والفورية والآنية - التي تتطلّب وجود طريقة للنظر إلى الأشياء - بنظرة مستقبلية بعيدة المدى نوعا ما تستدعي التنبؤ؟ هذا الربط بين زمن الحاضر الذي يسيّر الواقع اليومي والزمن الذي يكشف آفاق المستقبل لا يتمّ دون إحداث تعارض بيّن. وفي الواقع، فإنّ الربط بين البنى الزمنية يسلّط الضوء على مهمة شاقة يحاول من خلالها الشباب الحصول على موارد اقتصادية لمواجهة الحياة اليوميّة وإنتاج الفائض المالي، بالإضافة إلى تعبئة الموارد الفكرية لبناء فكرة عن المستقبل.

تُظهر الاستراتيجيات المتّبعة من طرف الشباب في تصميم خطة لمعيشهم[3] أنّهم يستندون على ما يدَّخرونه من وصفات تخفي، بطريقة سيئة، التناقض بين مشاريع متواجدة في شكل ورشة غير منتهية. تتجلى هذه الازدواجية في التناقض الحاصل بين الزمن الدوري والزمن الكرونولوجي. وبما أنّ بناء صورة عن المستقبل غير ممكن سوى ضمن آفاق كرونولوجية، فإنّهم يسعون للتملصّ من القيود المفروضة من طرف الزمن الدوري (أعمال الحقول، البناء، الطقوس الجماعية...) من أجل تموضع ضمن مسار يتجه للمستقبل، فيحاولون بذلك قطع العلاقة مع وظائف إعادة انتاج المجتمع نفسه بحثا عن التموضع بصفتهم أفرادا قادرين على اتخاذ مسار نحو مستقبل مخطّط له نوعا ما.

تبدأ الخطوات الأولى لهذا المسار بتدبّر الشاب لشأنه اعتمادا على نفسه في انتظار وجود أفاق جديدة، وما يدفعنا إلى هذا القول هو المشاريع المقترحة للنشاط المهني في السياق المحلي وبنيتها المتعارضة تماما مع مبدأ تكوين مسار مهني على المدى البعيد. فالتعبير "أكن يلا واس يكساتامكزا[4] (أعيش يومي)" يلخّص عدم وجود قدرة على الانخراط في مشاريع طويلة المدى. سياق التصريح التالي الصادر عن م.أ (24 سنة عامل يومي) يعطي لنا صورة عن ذلك أيضا:

"أتدبر أمري، أعيد بيع الهواتف النقالة ولكن تعبنا حقا تعبنا".

يحصر الشباب عدم الاستقرار المزمن (بطالة، وظائف غير مستقرة، ....) في منظومة تعيق كل مشروع مستقبلي وتمنع تشكّل رؤية واضحة حوله، فعدم انتظام الجدول الزمني اليومي لهذه الفئة يشوّه الأطر الزمنية والمكانية، ويعزّز المواقف المتقلّبة والسلوكيات الازدواجية المتناقضة. يصرّح المبحوث السابق قائلا:

"أنا أشعر بالاشمئزاز في الآونة الأخيرة، أنا أعمل في سقل الحجارة أحيانا ثم أتوقف، وأعود للعمل مجدّدا بعد بضعة أسابيع لجمع المال الذي أنفقه في حالة عدم النشاط".

يتناقض التصوّر المبني بطريقة مصمّمة – والمجهّزة بإمكانيات موضوعية لتنفيذ شيء ما - مع الأوهام الحاليّة التي تتطلّع لمستقبل بعيد المنال. وفي الواقع، فإنّ تصميم مشروع متماسك يستوجب على الأقل أدوات للتمكين من رؤية المستقبل والتخطيط له مثل: التأهيل في ميدان معين، التمتّع بموارد مالية ووجود مشروع موثوق بنجاحه، ولكن الفئة الاجتماعية محلّ الدراسة لا تندرج ضمن هذا الوصف. فمثلا بعض الشباب موجودون خارج أي مسار للتكوين، وأخرون يضاعفون ويعدّدون الدورات التكوينية معتقدين أنّ ذلك يضاعف من فرص الحصول على عمل ليجدوا أنفسهم في الأخير بصحبة العديد من شهادات التكوين المهني دون التمكن من استثمار أي واحدة منها. إضافة إلى ذلك، تتعارض فكرة تكوين موارد مالية ضرورية لبناء المشروع: إمّا بحجة مع عدم وجود رأس مال خاص يمكن الاعتماد عليه وإمّا بسبب تحفّظ البنوك أو كليهما معا.

لا يمكن الحكم على موثوقية نجاح المشروع إذا لم يتوفّر على الشرطين الأولين معا. فقد تتعارض الشروط الموضوعية لإتمام المشروع مع الطموحات، ويبقى الشباب منغلقين في بيئتهم القرويّة خوفا من مواجهة العالم الخارجي الذي يوفّر لهم بعض فرص العمل في ورشات بناء المنازل الخاصة، أو من خلال الاستغلال الموسمي لمنتجات الأراضي للعمل ضمنها، أو ضمن تربية المواشي والرعي، وهذه المهن الظرفية تقدّم على الأقل تأمينا ولو كان عابرا. يجب القول أنّ عاملي مرور الوقت والتقدّم في السنّ يبدّدان من وهم هذا التأمين ويقوّيان التناقضات الداخلية لديهم، والتي تتراوح بين الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة وبين التطلّع لحياة سعيدة نحو المستقبل، وبذلك يحاولون بناء مستقبل من خلال ممارسة العديد من الأعمال في العام الواحد.

تمثّل قصة شاب ك.ل. البالغ من العمر 28 سنة مثالا لذلك، فهذا الأخ الأكبر لأخت وأخ، فقد أباه وهو لم يتجاوز الرابعة من العمر وترك المدرسة في سنّ 14 (قسم السابعة أساسي سابقا) و"لم يكن لدينا (أسرته) شيء لنأكله" حسب تصريحه. بعد تربّص قصير في النجارة عند عمه، استلم العديد من الأشغال لإعالة الأسرة. اجتاز ك.ل. في قريته تجارب مريرة وأليمة أثّرت على مساره، فقد كان عليه تأسيس حياته مباشرة بعد مغادرة المدرسة، وكان عليه التشمير عن ساعديه منذ الطفولة: "عمري حاليا 28 سنة ولكن أبدو وكـأني في 60 سنة". تمثل القرية بالنسبة لهذا الشاب مكانا رئيسا للاحتكاك الاجتماعي، ففي طفولته قام بالانضمام إلى فرقة الكشافة الإسلامية تحت إشراف جمعية محليّة، وقد سمحت له هذه التجربة بالتعرّف على وسط آخر غير الأسرة بحثا عمّن بإمكانه أن يحلّ محل الأب، وخفّف جزء من صدمة الغياب المشرفون على تنشيط الجمعية التي سمحت له اكتشاف التفسّح في الهواء الطلق، المسرح، ...

لا يمكن تجاهل معاناة المعيش اليومي أثناء بناء المستقبل، فهذا الشاب الذي نشأ في هذا العالم لا يمتلك الوسائل الضرورية لتأسيس خطّة حياة للمدى البعيد، فبقاء أسرته على قيد الحياة - والذي يستوجب ضرورة تلبية حاجاتها الأساسية - يعرقل تموقعه ضمن سوق العمل، ويجعله مرغما على الاكتفاء بالمهن غير مستقرة والهشّة والمرهونة بتقلب المواسم.

تدعو التجربة الفتيّة للمستجوب المكنى ك.ل. لمجابهة مجموعة من التحديّات منها: بناء مستقبل ضمن ظروف غير مواتية، حماية مصالح عائلته من رغبة عمّه في حرمانهم من الإرث وإيجاد مكانة له بين نظرائه، وكل ذلك ينوي تحقيقه في قريته التي يحرص على حضور اجتماعات مجالسها القروية منذ أن بلغ سنّ العشرين. لقد أوجد ولاؤه لمجلس القرية وانضباطه فيه الرغبة في تأكيد ذاته وتأكيد دوره بصفته خليفة لأبيه يتوجّب عليه إدارة إرث رأس المال الرمزي للبيت، فولوجه لعالم "الرجال" - كما يعلن عن ذلك تواجده في مجلس القرية "التاجمعت" - أعاد تحديد اهتماماته وأوقد لديه سيرورة لتغيير مفهومه للحياة الذي تكوَّن لديه في الوسط الأسري، كما أنّ إلقاءه للكلمة أثناء الاجتماعات الدورية للمجلس أمام من يكبرونه سنّا، ووفق سياق مقيّد بالامتثال لقوانين القرية، هو تأكيد لوضعه بصفته شابا.

ويبدو هذا السعي إلى الاكتفاء - الذي "يحبس" الشباب في قراهم[5] - متّصلا بالتمثّل الذي يكوّنونه عن عالم "ما وراء حدود القرية "، خصوصا وأنّ مؤسسات الدولة عاجزة عن تلبية مطالبهم وتلغي كل أشكال الاستفادة من مشاريع الاستثمار المستقبلية، فالطّلبات الإدارية من أجل الاستفادة من مشاريع لتربية "أسراب النحل أو العجول"، أو الحصول على "القروض المصغّرة"... غير المحقّقة.

يدعّم هذا الرأي التجارب المعاشة من طرف مجتمع البحث، بحيث ينظر الشباب المستجوب للخدمات الإدارية وكأنّها موجودة في برج يصعب الوصول إليه، فتعقيد خطوات تكوين المشروع والمسافات الفاصلة بينه و بين الموظفين من أصحاب القرار على المستوى العلائقي، يفشلان كل محاولة لتكوين مؤسسة خاصة.

تعتبر تصريحات المستجوبين أنّ دار البلدية هي تقريبا الهيكل الوحيد الرسمي الذي يتمّ التردّد عليه من حين لآخر بغرض استخراج وثائق الحالة المدنية، كما أنّه الهيكل الأول الذي تمرّ عليه مشاريعهم لطلب الدعم لإنشاء المؤسسة، لذا نجد أنّ أغلب مشاريعهم تتفادى مساعدات هذه الهياكل المحلية لتعوّضها باستحداث فضاءات مستقلّة أخرى تعتبر شكلا لإنتاج أدوات تحقيق ذاتهم، فالدولة بالنسبة لهم مفهوم بعيد المنال ومجرد من أي شرعية في الميدان، خصوصا عندما يجدون أنفسهم مقصيين من مختلف برامج إدماج الشباب بعد تكرار المحاولات، وهذا الوضع يتطلّب منهم المبادرة بطريقة مستقلّة عن مختلف السياسات العموميّة بحثا عن ظروف ترقيتهم الاجتماعية، فأشجار الزيتون التي يزرعونها والمواشي والأبقار التي يربّونها والحجارة التي يصقلونها هي المشاريع التي ينجزونها بمساعدة عائلاتهم بعيدا عن "البرامج العمومية".

ترتبط الهشاشة الاجتماعية لهؤلاء الشباب بالحياة اليومية، فبدون عمل مستقر لا يتراءى لهذه الفئة أي مستقبل لأنّ حالة العامل اليومي تنافي المستقبل، خصوصا إذا كان مــا بقي من الأشغال المنجزة من طرفهم ذو علاقة برزنامة موسمية تسهم فيه دوريّة الحياة اليوميّة التي تطيل الحاضر ولا تعطي للزمن أي آفاق مستقبلية. كل المشاريع تبقى حبيسة الأدراج ما دام العمل المستقر لم يأت بعد لكسر هذه الحلقة المفرغة التي تزوّد الشباب بوسائل موضوعية تسهّل عليهم الانفصال عن منطق هذه الحياة اليومية. يصرّح أحد المستجوبين (ح.ي. 27 سنة، عامل يومي):

"سأبلغ 30 سنة قريبا وأنا بدون عمل [مستقر] وأتساءل متى سأبني مستقبلي؟ وضعيتي ليست نتيجة عدم المحاولة حيث لا أعرف شابا رفض العمل. في سن معين يتوجب الزواج، العمل والسكن. مشكلة الشباب عدم توفر العمل، ما يفسر اكتئاب وانتحار الشباب".

إيقاعات مرتبطة بالرزنامة العائلية

يعمل بعض الشباب بدون الحصول على أيّ مقابل مادي منتظم يساعدهم على تكوين مشروع مستقل وإنشاء مؤسسة فردية. مثل هذا توصيف ينطبق على الشباب الذين يعملون ضمن الملكية العائلية المسيّرة من طرف الأب من دون الحصول على أجر (العمل في التجارة مثلا).

يشتغل هذا النوع من الممارسات الاقتصادية في المجتمع التقليدي القائم على مبدأ الحيازة المشتركة للملكية غير القابلة للتجزئة (حتى لو كان الأمر متعلقا بالأعمال المرتكزة على الأراضي الفلاحية[6])، بحيث تمثّل مكانا للتعايش بين نشاط حديث وطرق تسيير تقليدية.

تحصر هذه الأنواع من الممارسات الاقتصادية الشباب في عالم يتأرجح بين موقفين متناقضين: فهو خاضع لسلطة نسقها وغير خاضع لها في الوقت نفسه. فبسبب عدم قدرته على إيجاد عمل في مكان آخر وحضور سلطة الأب، يواصل الشاب أداء دور الابن رغم رفضه له بشكل كامل:

"الطريقة التي يسير بها والدي التجارة لا تعجبني وميزانية الأسرة لا تناسبني، بودّي الحصول على راتب شهري هكذا أكون حرا. عندما آخذ بعض المال من الخزينة استهلكه خلال ساعة. هذا ما لا يسمح لي بالتوفير وتحقيق مشروعي، وفي الحالة الراهنة أعود كل يوم إلى نقطة البداية، أي إلى نقطة الصفر" (ب.ك. 29 سنة، يعمل بمتجر والده).

ومع كل ذلك، هناك محاولة لإضفاء شرعية على أسلوب الأب في الإدارة، وهذا ما يجعل من التوازن بين الرغبة في الاستقلالية وواجب الحفاظ على المؤسسة العائلية ضعيفا.

"الأجر؟...، أنا لا أريده. وسيكون حملا على والدي الذي سيدفع أجرين، لي ولأخي، إضافة إلى الإيجار" (المبحوث نفسه ب.ك).

يبدو للعيان أنّ كل شيء متعلّق بقرار الأبّ، فهذا الأخير يمنع ابنه من البدء في تجسيد مشروع خاص به بسبب فشله في أخذ المبادرة بدلا عنه، وهذه اللعبة تتمّ بدهاء وفق قاعدة متقبّلة بين الطرفين، قوامها تحديد مجال نشاط كل فرد حسب منزلته، فالأب هو الذي يضمن وحدة العائلة ويحتل موقعا مركزيا ضمنها، وبالتالي فهو صاحب القدرة على توزيع الأدوار على كل فرد من العائلة.

تمثل العزوبة آخر عتبة في مسار بناء وتجسيد الاستقلالية. وتجنبا للتورّط في مشروع الزواج الذي يزيد في تبعيتهم العائلية، يحاول الشباب الحفاظ على هامش من الحريّة، ولكن في الوقت نفسه يحيل تأخير سنّ الزواج عندهم إلى وجود تصوّر غامض للمستقبل لا يتجاهلون مفهومه وإنّما يخشونه. ويربط الشباب وفق قراءة عقلانية مشروع الزواج بالاستقرار (بمعنى القدرة على التنبؤ وحساب المتغيرات)، ويعني ذلك بالنسبة لهم الحصول على العمل يضمن لهم دخلا قادرا على تلبية احتياجات العائلة، لذا فهم يستبعدون كل مخاطرة من شأنها تهديد الأمان الذي توفّرها لهم حياة العزوبة، بحيث يصبح ارتباط معيش الشباب بالحياة اليومية ملجأ بالنسبة للذين لا يمكنهم خلخلة هذه البنية التي تطلّب منهم التّخلي عن حياة "الولد" في غياب الضمانات التي يوفرها المقابل "الاقتصادي".

ينتظّم هذا المجال وفق منظومة ثنائية: عزوبة/حياة يومية من جهة، والمتزوج/مستقبل مستقر من جهة أخرى. يصرّح أحد المبحوثين (أ.ف.، مزارع):

"أنا لست مستقرا تماما، أي لا يمكنني الاعتماد على إمكانياتي الخاصة، في هذه الحياة لا توجد ثقة، أنا مثلا لا أثق بأبي [مغترب في فرنسا ولم يعد منذ 13 سنة] لأنّني لا أعرفه، أخاف أن أتزوج وأجد نفسي في موقف متفرج، لا لا يمكنني الاعتماد عليه".

يُحدث "الزواج" أيضا حالة من القطيعة مع مفهومه التقليدي خصوصا عندما يتعلّق الأمر بتزويج الأب لابنه، فالاختفاء شبه الكلي لفكرة انقسام العائلة وتفكّكها - لأنّها تمثل وحدة اقتصادية - يعيد تشكيل مفهوم القرابة ويعدّله، لذا يتمّ تأخير مشاريع الزواج في غالب الأحيان. يصرّح المبحوث نفسه (أ.ف.):

"المرأة عبأ لا أستطيع تحمله، أولا لا بد لي من ضمان دخل كاف، في الوقت الحاضر ليس الحال كذلك، لا أستطيع الزواج".

هذا القدر القليل من الاستقلالية مقيّد بمكانة رب العائلة الذي يشغله بعض الشباب في حال غياب الأب، فهؤلاء يستعينون بالأمّ لاتخاذ قراراتهم الشخصية أو المتعلّقة بالعائلة. يمكن القول أنّ المكانة التي تتمتّع بها الأمّ تسمح لهم بممارسة نوعمن السلطة المحجوبة، بحيث ترجع فعالية ذلك للتمثلات التقليدية التي تضع ذلك ضمن المجال الذكوري وتخفيه عندما يتحوّل الأمر للمجال الأنثوي. فعندما يعلن الشباب أنّهم يحتلّون مركز "الأكرو" (رأس العائلة) فهم يخفون من وراء ذلك واقع توزيع الأدوار العائلية، وهذا الإنكار للواقع يعزّز بشكل واسع ميلهم للحريّة والعمل على تطوير أي مشروع فردي.

يفرض غياب الأب وبنية العائلة وضعيات زمنية متعلّقة بجدول توزيع الزمن عندها (أي العائلة)، بحيث تغلق آفاق المستقبل وتضبطه وفق الزمن الحاضر. المستقبل الوحيد بالنسبة لها هو المستقبل المرتبط بباقي أفراد العائلة، ببناء منزل، بالعمل في الأراضي ...إلخ، ويقع هذا بوجه خاص على كاهل الذكر الأكبر سنا، كما هو الحال بالنسبة لهذا المبحوث (ش.م. 25 سنة، عامل يومي) الذي يصرّح قائلا:

"في غياب أبي [مغترب بفرنسا] ومنذ وصلت سنّ البلوغ وأنا المسؤول عن البيت وعن إخوتي (03 إخوة)،فهم يحترمونني كثيرا لأني أكبرهم، ومع ذلك أسمح لهم بالتمتع ببعض الحرية. بناء المنزل، قطف الأعشاب، تحضير التبن... أنا من يهتمّ بالشؤون المنزلية، إخوتي يساعدونني دون أن أجبرهم على ذلك. فيما يخص ميزانية البيت، أتكفل بها أنا وأمي، وعندما كنت طفلا كانت أمي هي التي تسيّر كل شيء، وتواصل التسيير إلى وقتنا الحالي لأني أثق في قدرتها على ذلك".

وفي هذا السياق، يصبح الأخ الأكبر سنا مسؤولا بالتفويض وهكذا دواليك، ولا يستطيع التهرّب من تحمّل مثل هذه المسؤولية لأنّ ذلك يهدّد التوازن العائلي، فبعد رحيل والده يشغل الشاب هذه المكانة بغرض ترميم رأس المال الرمزي للعائلة والمحافظة عليه لأنّ ذلك أساسي لكل مشروع بناء، أو على الأقل لكل لرؤية مستقبلية. لذا يمكن القول، أنّه وفي غياب الاستثمار ضمن مشروع اقتصادي خاص، ينخرط الشاب في بناء مسار ذو قيمة لا يمكن احصاؤه عدديا، أساسه الحفاظ على مكانة عائلته، ومترافق مع المراقبة اليومية لمصالحها ضمن المجال القروي.

يصرّح أحد المبحوثين:

"بصفتي الأكبر سنا في أسرتي فإنّ مسؤولياتي اتجاه أمي أهم من مسؤولياتي اتجاه إخوتي" (ه.م).

من جهة أخرى، يعمل المستجوب (ل.ك.) على بناء صورة عن ذاته تسمح له بالاندماج في هذا المجال خصوصا عندما يصبح المستقبل مرتبطا بالقرية، لذا يشارك في الأعمال الجماعية (تويزة)، كما يحرص على حضور جميع المناسبات التي يدعى إليها بما في ذلك المناسبات الجنائزية. يقوم الشاب المستجوب من خلال هذا الحضور الدائم، وبصفته وريثا والده، بالأدوار التي كان عليه أن يقوم بها أبوه لو كان على قيد الحياة، كما يتشبّث بصيانة صور التربيّة العائليّة الممثلة في "الأمانة"، 'الكرامة' و"التضامن"(خاصة ضمن سياق البؤس)والتي يستثمرها في علاقاته مع الآخرين في مسعاه للبحث عن العمل المأجور.

يدفع الامتثال للقواعد المتعارف عليها والمفروضة على سكان القرية ل.ك. لتتبّع "القواعد الاحتفالية" مثلما يتحدث عنها إرفينغ قوفمان. فهذا الأخير يعتبر أنّها توجّه "التصرّف تجاه الأمور التي نعتبرها قليلة أو عديمة الأهمية ولكن تعتبر رسميا على الأقل ووسيلة تواصل متعارف عليها يعبّر من خلالها الفرد عن شخصيته أو امتنانه للآخرين"[7]. ترافق هذه القواعد سلوك المبحوث بصفته "رجلا" من رجال القرية، فتكبح رغباته الشبابية لغرض تعزيز رأس ماله الرمزي ضمن المجتمع القروي. ووفق هذا السياق، يحافظ الشاب على صورة الذات من خلال مفهوم الجديّة المتوافق مع التعريف الجماعي له عند سكان القرية، ويدفع مِثل هذا الالتزام المبحوث للتصريح بأنّه لم يواجه يوما صعوبات في التوظيف عندما يتوّفر عرض في سوق العمل المحلي، كما يحرص على إرفاق ذلك بطقوس تملّكه للمجال القروي من خلال الحضور في مجلس القرية، والذي بدون الاعتماد عليه لا يمكن لمكانته سوى أن تكون هامشية.

يعتمد المستجوب ل.ك. في تحقيق مشاريعه على الإدارة العائلية للموارد الناتجة عن العائدات المالية للأشغال التي ينجزها بنفسه، ويدعّم ذلك بمساهمات أخيه في ميزانيتها، يضاف إليها بعض العائدات العينية من بيع زيت الزيتون وبعض الأغنام، فهو بمثابة مسيّر الخزينة المنزلية، في حين ترجّح خطاباته أنّ مقترحات الأم مأخوذة بالاعتبار عينه في سياق هذه الإدارة. لقد دفع وفاة الزوج الأمّ لتولي مسؤولية ربّ العائلة، وهذه المسؤولية لا تستطيع تفويضها لأبنها الأكبر دون وجود محتمل لخطر تهديد وحدتها. ومن خلال محادثتنا مع محاورنا، تتبيّن لنا استراتيجية موضوعة بدقة وسلاسة من قبل الأمّ، والتي تهدف إلى اتخاذ وضعية الحكم لتجنّب أي اختلال محتمل للعلاقات بين أفراد عائلة بحيث تصبح (أي الأمّ) مركز الثقل الذي يمرّ عليه كل مشروع، بما في ذلك مستقبل ل.ك. نفسه الذي يقصي أي إمكانية لمشروع زواج عنده قد يبعده عن المنزل العائلي ويضعه بمنأى عن "تمنيارت نيما" (أي الأم). يصرّح المبحوث قائلا: 

"لا أقبل أن أتزوج وابتعد عن أمي، لا يمكن الابتعاد عن الانسانة التي ربّتني وضحّت لأجل أن تراني أكبر".

المبادرة الفردية لدى الشباب، عينة هذه الدراسة، ليست مخنوقة لدرجة منع كل حريّة في المناورة. فلـِــشقّ طريقهم في بناء مشروع معين، يلجأ بعضهم إلى التكوين المهني عقب فشلهم الدراسي بغرض التمرّن لدخول سوق العمل وشغل مهنة ذات راتب مستقر والخروج من دوريّة الحياة اليوميّة والتطلّع نحو المستقبل. لكن قد يكون هذا التكوين غير مجدي إذا لم يتبع بفترة تربص تسمح لهم باستغلال معارف شهاداتهم في النشاط المهني أو لمتابعة تكوين أعلى ورفع من حظوظهم في سوق العمل.

وفي الواقع يمثّل الانخراط في التكوين المهني طقس عبور غايته حفظ ماء الوجه[8]، يمرّ بها الشباب المتسرّبين من المدرسة مرغمين على التسجيل فيه وتلبية لرغبة محيطهم وتحسين مظهرهم. ومع ذلك، تبقى طرق التكوين التقليدية الآيلة للزوال موجودة بشكلها الطقوسي في القرية حتى ولو أنّها بدأت تأخذ ألوانا جديدة. التصريح التالي يعكس مكانة التكوين باعتباره طقس عبور بدون أي غاية مستقبلية، خصوصا عندما يخضعون له ويبقون في قراهم ليواصلوا العمل بصفتهم عمّال مساعدين أو عمّال يوميين:

"حاليا، أقوم بتكوين في السمعي البصري للترفيه فقط، بماذا سينفعني مثل هذا التكوين؟"(ب.ك.).

التواجد ضمن التصنيف المهني الأدنىsous-prolétariat هو ملجأ هذه الفئة التي تنتظر المستقبل بدل أن تتجه نحوه. يصرّح أحدهم قائلا:

"عندما رسبت للمرة الثانية في امتحان البكالوريا تردّدت طويلا في الالتحاق بتكوين في تخصص تقني أشغال كبرى، ولكني لم أبحث عن عمل بعد التخرج. الأرجح أنني سأواصل التكوين للحصول على مستوى تقني سامي ثم سنرى ماذا سأفعل بهذه الشهادة" (ه.م.).

الرحيل: ملجأ الشباب

"المستقبل موجود خارج الوطن" عبارة يستعملها بعض الشباب الباحث عن الاعتراف الاجتماعي وعن هويّة تمكنهم من الاندماج في المجتمع القروي المحلي. فهم يربطون مشاريعهم المستقبلية بالسفر إلى الخارج، وهذه الفكرة تندرج ضمن منطق متعاكس مع الإطار التقليدي للعائلة وموجودة في قطيعة مع ما هو غير معتاد عندها. "الخارج" يمثل ملجأ مبنيا وفق نظرة خيالية تعتبره مجالا بديلا:

"هنا لا يوجد مستقبل، يجب على كل شاب الذهاب لأجل عمل، ربح المال ثم العودة، إنّه المستقبل الوحيد الممكن، لكن يجب العودة بعد سنتين أو ثلاث سنوات لأنّ العيش هناك يعني الشيء نفسه والعمل وإنفاق المال في بلد أجنبي غير مجد"(م.أ.).

التحرّر من سلطة الأب، تحقيق الذات والاستقلالية هي مشاريع صعبة المنال محليا لأنّ القواعد الاجتماعية تمنعهم من الوصول إلى مكانة الفرد، وبما أنّ الحصول على ذلك لا يكون إلا في ظل المجتمعات التي تتجلي فيها الفردانية، يستثمر الشباب وقته في مشاريع مربحة للمال من أجل الوصول لمبتغاهم المتمثل في الاستقرار ببلد آخر. تثير صورة المرويّة عن "الخارج" من طرف المهاجرين والمتقاعدين العائدين لأرض الوطن رغبة في الالتحاق به، فوظيفتها الإنكارية تخفي عن الشباب القدرة على تحقيق ذواتهم ومستقبلهم وأحلامهم في أرض الوطن، فــ"الهجرة وفق نظرتهم المثالية هي مصدر ثراء وفعل حاسم من أجل التحرّر، أمّا الغربة المتعمّد إنكار معانها التقليدي، فتسعى إلى التعريف بحقيقة أخرى تتماثل معانيها مع كلمات الفرح، السعادة، الأمان...."[9].

يقودنا هذا المثال للحديث عن (م.أ.) الذي يعمل بمهنة صقل الحجارة بهدف توفير المال لغاية الهجرة للخارج. يبلغ هذا الشاب 24 سنة، وهو الأكبر ضمن خمسة إخوة وثلاث أخوات. توقف عن الدراسة في سن 12 سنة (الصف السادس ابتدائي)، وتابع دروسا في الفرنسية ليتعلّم "ما لم تلقنه له المدرسة العموميّة". يصرّح م.أ. الذي يشتغل والده بمؤسسة الالكتروميكانيك قائلا:

"تركت المدرسة في الصف السادس، ما أندم عليه هو عدم تعلمي للفرنسية، لكني أحاول استدراك ذلك بمتابعة دروس خصوصية لتعلّم القراءة والكتابة بهذه اللغة، إنّه نوع من التحضير للذهاب للخارج".

يعمل المستجوب (م.أ.) في الحجارة المستخرجة من أراضي عائلته، وهو نشاطه الأساسي على الرغم من صعوبته وطبيعته المؤقتة، ويلجأ في فترات أخرى لاستبدال هذا النشاط الأساسي بأعمال أخرى ينجزها لدى الخواص في قريته وتستدعي منه التحوّل إلى مجرد عامل مساعد manœuvre. بدأ المبحوث باستخراج الحجارة عند بلوغه العشرين من عمره، وحول ذلك يصرّح قائلا:

"كان عندي عشرين سنة عندما بدأت العمل بالحجارة. في البداية كنت أجمع حمولتين ممّا يمكن أن يحمله الجرار من أجل بناء مستقبلي في الخارج". كان المستجوب في هذه السنّ يعمل بدون انقطاع في هذا النشاط لتحضير مستقبله بالخارج، وخلال السنوات التي قضاها في هذا العمل كان يكسر الحجارة التي يبيعها لمحوّليها ويدّخر مداخيلها من أجل توفير رأس المال "للهجرة".

يتأثّر يوم عمل بالنسبة لـ (م.أ) بالتغيّرات الجويّة، بضوء النهار، بسوق الحجارة وباستعداداته النفسية، وينتج يوميا ما معدّله 50 حجارة في حالتها الأولية، يجمعها في موقع الاستخراج بانتظار توجيهها للعرض في الطريق الوطني بواسطة جرار زراعي. تكدّس الحجارة على حافة الطريق إلى غاية بيعها بثمن يتراوح ما بين 60 و80 دج للوحدة. يعود تعلّق الشاب بهذا العمل لأمله في مستقبل خارج الوطن. للتوضيح فقط، يهيمن على الخطابات مع الأقران والنظراء من الشباب موضوع طرق الحصول على "التأشيرة"، وتؤطره الاستفهامات التالية: كيف تتمّ اجراءات تقديم طلب الحصول على التأشيرة؟ عبر أي القنصليات؟ ماهي التدابير المتّبعة؟

يصرّح المبحوث نفسه بأنّه قام بتقديم 60 طلبا للحصول على تأشيرة فرنسا وغيرها من الدول الأوربية:

"التأشيرة موضوع أساسي للحديث بيني وبين أصدقائي. نتبادل المعلومات حول الدّول التي تقدمها بسهولة، وحول القنصليات التي يمكن أن نقدم لها ملفاتنا.....إلخ".

تتخلّل دورة الحياة عند الشباب سلسلة من المحطات الأنوميّة الراجعة للقيود التي تعيقهم في تحقيق مشروعهم الأساسي، فالذهاب للخارج - الذي يمثل بالنسبة له الدخول للمستقبل - هو سبب الضغوطات الداخلية، وعند رفض طلب التأشيرة تبدأ مرحلة من الإحباط تدخل (م.أ.) في دوامة، يتوقّف فيها عن العمل، ويقضي وقته في الذهاب والإياب بين القرية ومدينة عزازقة، إحدى مدن الضاحية البعيدة بمسافة 8 كلم عن مقر سكناه، وتصبح المقاهي المكان الذي "يقتل فيه الشاب وقته" مع من يشاركونه الأحلام نفسها.

يتقاسم الكثير من الشباب، الذين وجدوا أنفسهم في العمل ضمن مهن الحجارة، المسار نفسه لـ (م.أ.)،بحيث يتعلمون في ميدان تقنيات استخراجها، وكيفية التّعامل مع أدوات الانتاج وسبل الترويج للبضاعة. فهؤلاء الشباب ينتمون إلى جيل تلقى حرفة متوارثة عن الأجيال السابقة في القرية، يستعملون معارفهم المجرّبة سابقا ويطوّرونها بهدف تكثيف الإنتاج وإضفاء التحسينات التي تمسّ شكل الحجارة المنحوتة، بحيث تصبح في صورتها النهائية قطعا مستطيلة. لا تتوقف تحسينات على الشكل فقط، بل تمسّ أيضا طرق البيع في شكل تعاونية يتفاوض فيها مع المحوّلين حول أسعار الحجارة المستخرجة.

أخيرا، تأخذ القرية نوعا ما شكل مجال مدمج للإنتاج من خلال الاستثمار في المرحلة الأخيرة من سير العملية الإنتاجية المتمثلة في التحويل. فهؤلاء الشباب يعيدون استثمار ما تحصلوا عليه في التنقيب في وحدات إنتاجية صغيرة الحجم من أجل توفير منتوج كامل في السوق، وهذا النشاط يمثّل المصدر الأساسي للعمل بالنسبة للمستقرين في القرية في انتظار تحقّق ما يحلمون به ويخطّطون له والمتمثل في "الذهاب للخارج".

لا يبدو أنّ فكرة الرحيل تقلّص الشباب إلى مجرد فرد حالم بالهجرة وفق ما ينتجه من صورة ذهنية نمطية عن "بلد العجائب"، بل يقوم هؤلاء بمتابعة مشاريع مقاولاتهم الصغيرة والتي قد تكشف عن توجّه نحو الاستقرار في القرية وبحث عن الرفع من هامش الاستقلالية الفردية بشكل واع أو غير واع.

يعيد مثلا (م.أ.)استثمار إدخاره في وحدة صغيرة لتحويل الحجر بعد أن تخلى لفترة وجيزة عن مشروع الهجرة إلى الخارج، فيشتري آلة لقطع الحجارة ويوظّف شابين في ورشته البدائية دون اللجوء إلى مساعدة أي مؤسسة. يحقّق هذا المبحوث مشروعه بإمكانياته الخاصة دون تدخل عائلته، بحيث يتحوّل إلى مقاول يحاول صعود السلم الاجتماعي بغية تكريس عملية بناء مجال استقلاليته منذ سن العشرين، وهذه الخطوة المدعّمة من قبل الأب، لا تخضع (م.أ.) لالتزامات دفع حصة من عائدات مشاريعه للمصلحة العائلية (المساعدة في بناء المنزل)، ووفق هذه الطريقة يبني الشاب المقاول عالمه الفردي الخاص به، غايته في ذلك تجسيد مشروع الهجرة حتى ولو بدأت أسباب تبنيها كمشروع مستقبلي نحو "الخارج المنشود" في الزوال التدريجي:

"لا زلت أحتفظ بالنقود التي ادخرتها للهجرة".

تتلاشى هذه الطموحات المتوالية - الموجودة في مرحلة التجريب والتي يبحث الشباب فيها عن نفسه ويسعى ليكوّن نفسه - أمام الرقابة الاجتماعية التي تتواجد بالقرية. فبالرغم من وجود مشاريع الهجرة، لا يزال هؤلاء الشباب يحرصون على صون صورة القروي ذو السلوك الحسن ما دام حلم الهجرة لم يتحقق بعد، فعلاقاتهم مع أفراد القرية تظهر لهم إلى أي مدى توفّر لهم الأنظمة التقليدية الإحساس بالأمان في الأوقات الحرجة رغم هوامش الاستقلالية التي يسعون للحفاظ عليها ضمن المحيط القروي. إنّ عدم لعب دور الفاعل الاجتماعي في المجال القروي لا ينفي احترامهم لقرارات الجماعة (تاجمعت) ولا ينفي المشاركة في الأعمال الجماعية ولا ينكر الخضوع للقواعد التي تحكم العلاقات مع كبار السنّ، فالقرية بالنسبة للشباب الراغبين في الهجرة هي بمثابة قاعة انتظار في جو من الطمأنينة.

علينا التذكير بأنّ صعوبات تحقيق مشروع الهجرة تعود إلى الإجراءات الصعبة المفروضة من قبل الدول الأوربية في معالجتها لملف التأشيرة من جهة، وأيضا متعلقة ببنية العائلة وترتيب الأخوة ضمنها. فعلى الأخ الأكبر سنا يقع عبأ الاشتراك في المشروع العائلي، وعليه أيضا يقع عبأ لعب دور الأب في حال غيابه، وهذان العنصران كفيلان بتعطيل وعرقلة مسار التفرّد والاستقلالية ومشروع الهجرة، خصوصا إذا كانت الأيديولوجية (الفكرة) التي تشرّع توزيع الأدوار ضمن العائلة موجودة لتحدّد مصيره بمصير العائلة:

"أنا مشتّت بين الهجرة إلى الخارج وواجب البقاء، عندما أفقد الأمل أحاول الهجرة لكن يشدّني سبب أقوى، ليس لدي الرغبة في ترك أمي وإذا ذهبت لن أعود أبدا" (ب.ك.).

مبحوث آخر يصرّح قائلا:

"لا أستطيع الذهاب إلى الخارج وترك أمي العجوز هنا (في القرية)، أعمل بشكل عاد، أنا قانع بما لدي لا أستطيع الذهاب هناك لأنّه لدي ما يكفي عيشي هنا، لدي مكان أنام فيه، لدي عمل (بل أعمال كثيرة)" (ل.ك.).

ترويض المستقبل. هل ذلك ممكن؟

لا يستعمل الشباب الأعزب مدخرات دخلهم فقط لتلبية حاجات عائلاتهم (الوالدين، الإخوة، الأخوات)، بل يستغلونه أيضا في تحقيق أحلامهم التي تستوجب الاعتماد على الإمكانيات المادية (في غياب التأهيل المهني والشهادات الدراسية) لتحقيق مشاريعهم المستقبلية، مستعينين بما تمّ كسبه من مال خلال ساعات العمل التي تمتّ بشكل متقطع بغية استبداله بوضعية قادرة على توليد الدخل الدائم.

تعتمد محاولة تجسيد الاستقلالية على التنبؤ بما يجب القيام به مستقبلا دون الحاجة للجوء لوصاية عائلية أو سياسية، وعلى الرغم من الأرباح الضئيلة التي تمّ جمعها من خلال بعض النشاطات التي لا تزال في بداياتها إلا أنّ الشباب يحاولون تكديس رأس المال لتوسيع أعمالهم بعيدا عن الأطر المؤسساتية. فبالنسبة لـ (أ.ف.)

"أحب الرعي وأترك حيواناتي، ليس هناك لا الدولة لا أي شخص، ليست لي علاقة بهم ".

فالرعي هو فعل يعتمد على الحساب الاقتصادي ويهدف إلى تنمية رأس المال الأولي المستثمر فيه في الأعمال التجارية، وهذا الحساب ليس نتاج تكوين مدرسي[10] فقط بل هو مرتبط بثقافة عائلية تزوّد الشباب بأدواتها العقلانية القادرة على تنمية مشاريعهم.

وفي الواقع لا تزال أساليب الإدارة الاقتصادية الحديثة أو على الأقل القريبة منها - بما أن مشاريع الشباب ترتكز على مفاهيم مضى عليها الزمن إلى حد ما ولكنها ليست بدائية - لم تلق بعد مجالها في بيئته المألوفة، فباستثناء بعض العائلات التي وصلت إلى المعرفة الجامعية بفضل المسارات الدراسية لبعض أفرادها، لا تزال هذه المجالات، إلى حد كبير، مكانا للاقتصاد التقليدي. وضمن هذا السياق، يستمد الشباب العبر من تجارب نظرائهم أثناء رسم الخطوط العريضة لمستقبلهم دون الإخلال بإيقاعهم الاجتماعي. الوعي بهشاشة التوقعات يبعد كل المجازفات التي ترهن فرص النجاح، فالمستقبل بالنسبة لهذا الشاب يماثل حال الدابّة التي يجب ترويضها، وهذه النظرة تتطلب فترة طويلة للاستثمار فيها، ويبدو أنّ إعادة تحديد مفهوم الزمن لدى الشباب ضروري من أجل تعبئة الإمكانيات التي تفرضها هذه "التضحية ". وفي الواقع، يلجأ الشباب إلى تأخير الإجراءات المدوّنة في "مذكراتهم " أو إلى إلغائها من أجل التركيز على مشاريعهم الحالية وجني عائداتها على المدى الطويل.

يُحدَد المسار الاجتماعي للشاب بمحطات زمنية، كما يتحدّد وفقها على وجه الخصوص مفهوم المستقبل لديه، وإذا جرى استبطان هذا الأخير على أنّه "نجاح" فذلك لا يكون له معنى إلاّ إذا تمّ وضعه في سياق سلسلة الأحداث والتجارب التي عاشها. يُنظر للنجاح، بوصفه تحقيقا لطموح الفرد إلى الترقي لمكانة اجتماعية أعلى ممّا هو عليها، نظرة الرضى خصوصا عندما تكون المكانة الاجتماعية الأولى (في مرحلة ما من سيرته الذاتية) في درجة أدنى من السلّم الاجتماعي، وبالخصوص عندما يجد الشاب نفسه مبكرا في وضع رب أسرة في ظل غياب الأب.

تتواجد الرزنامة البيوغرافية للسيرة الذاتية في وضع متأخر أثناء إعادة تحديد الحاضر والمستقبل، وفي الواقع تبدأ طموحات النجاح الاجتماعي في الظهور مبكرا، وتتوافق مع سنّ مغادرة الشاب مقاعد الدراسة من أجل العمل في المرحلة الابتدائية أو الثانوية، فيعيش مرحلة الشباب بالموازاة مع مرحلة طفولة أقرانه، بحيث ينظمّ إلى عالم ليس عالمه، خصوصا إذا رجعنا إلى عمره البيولوجي. تجربته كشاب تتمدّد وتتواصل عبر الزمن لتقارب مستقبلا يتخذ معنى تغيير المنجز في الظرف الاجتماعي، وباختصار، يمثل التخلّص من البؤس في حد ذاته تحقيقا للمستقبل. يصرّح ل. ك. قائلا:

"أتذكر ذلك مثل تذكري لأحداث اليوم، لا يوجد شاب ترعرع كما ترعرعت (الأب توفي عندما كان سن المبحوث أربعة سنوات)، اشتريت بقرة بنفسي، لدي حساب بنكي، أملك أشياء مثل البقية، كل هذا حققته بساعدي لأننا كبرنا في البؤس".

ويتوافق الحاضر مع المستقبل بشكل عشوائي عندما يتم إثارة حالة العامل اليومي (ه.ي.)، يتيم الأب والبالغ من العمر 27 سنة، فبعدما تجاوز هذا الأخير محنة فقدان الوالد التي أعاقته على توفير ظروف لمجابهة الحياة اليومية، يطمح هذا المبحوث لرؤية مستقبل يبدو كأنّه قصر من رمال ضمن سياق مغامرة تعسى لمواجهة الزمن القادم. يعتمد المبحوث في ذلك على تسيير مداخيله المحصّلة من عمله بصفته عاملا مساعدا، وتسمح له عمليات الادخار بتكوين رأس مال يمكن استثماره في بناء المنزل العائلي (في طور الإنجاز كما هو الوضع بالنسبة لأغلبية محدثينا) أو في شراء بعض الأغنام، أو في العناية بأشجار الزيتون الموروثة عن الأب، ومثل هذه الطرق في التسيير تعطي للمستجوب الفرصة لتسيير الوقت بشكل يتيح له تخصيص جزء منه للاهتمام والعمل بالنشاطات المأجورة على مستوى ورشات القرية، كما تمكّنه من المتابعة الدائمة للمشاريع العائلية.

يسعى المستجوب (هـ.ي.)من خلال هذه الحركية المهنية المبرمجة لكي "يكون مثل الآخرين"، فمجهوداته كلها تصبو نحو البحث عن الترقية الاجتماعية التي تؤهله ليكون في الوضع الاجتماعي الذي يحتلّه أبناء العائلات الميسورة. تمكّن إعادة إنتاج الأفعال المؤطرة للمفهوم الجماعي للنجاح الاجتماعي كما يمارسها المبحوث (العمل الدائم المنتظم حتى وإن كانت الورشات غير ذلك: بناء المنزل، الحرص على تكاثر قطيع الغنم...) من الخروج تدريجيا من مكانته الهامشية للاندماج في العالم القروي، بحيث يؤسس مشاريعه ويحدّد المعالم الخاصة به، فالعمل بالنسبة لـ (هـ.ي.)،سواء كان ماديا أو رمزيا، يعطيه فرصة إعادة التموضع في السلم الاجتماعي القروي في وجود نظرة مستقبلية.

يضع الشباب استراتيجيات بهدف الدخول لسوق العمل وتجنّب الأشغال المؤقتة التي ترمز للهشاشة، وهذا يستوجب عقلنة الاجراءات الضرورية لكل مشروع مستقبلي ممكن. فهم يستعملون معارفهم وشبكاتها من أجل تقديم ترشيحهم لفرص العمل، بحيث تنسج هذه الشبكات اعتمادا على روابط القرابة العائلية أو ضمن أماكن التنشئة الاجتماعية المتمثّلة في الأحزاب السياسية والجمعيات. يصرّح (د. ر.، 33 سنة) قائلا:

"لقد وعدوني بعمل في صونالاك SONILEC (الصناعات الالكترونية عزازقة)". الشخص المعني بهذا القول ينتمي لمكتب جبهة التحرير الوطني. أعلم أنّه بانتظار "التشيبة" (رشوة) التي أحوّلها له بمجرد استلامي للعمل، ليس لدي خيار، إن توجّب عليّ الدفع من أجل عمل سأقوم بذلك".

لا يتقاسم هذا الموقف كل الشباب المستجوب، فبعضهم تتحدّد هشاشتهم الاجتماعية انطلاقا من مقاربة أداتية للعمل خصوصا عندما لا يتيح لهم أفاقا لبناء نظرة للمستقبل (حالة النشاطات المهنية المؤقتة)،في حين يتمثّل الشغل، حتى المؤقت منه لدى الشباب (ل.ك.) الذي لا يملك أيّ مؤهل، في مجموعة من النشاطات التي تعطي فرصة للحصول على دخل، وهذه الأشغال المنجزة خاضعة للتقويم الدوري ومعترف بها، فلكل موسم عمله ونشاطاته. يقسّم المبحوث (ل.ك.) في هذا المقام وقته كما يلي:

"أشغال البناء توافق فصل الربيع والصيف المصادفة لفترة عودة المهاجرين من المهجر وشروعهم في بناء منازلهم. فهذه الفئة تنفق مبالغ معتبرة من أجل البناء في القرية، وتُعرف منازلهم بكبر حجمها وواجهاتها المزخرفة، كما يتخلل وقت العمل في البناء نشاط جمع التبن عندما ينمو العشب. يتواصل وقت العامل اليومي هذا إلى غاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء، بحيث أشتغل في البساتين والحقول وأقوم بتطعيم أشجار بعض ملاّك الأراضي من المتقاعدين، كما أعتني بأشجار الزيتون التي ورثها عن والده (ورث بستان من ثلاثين شجرة قام بمضاعفة عددها خمس مرات)، ويتفرغ لجمع محصول الزيتون وعصره في معصرة القرية".

يمثل العمل المؤقت عائقا بنيويًا في مسار بناء محكم للمستقبل، فتقسيم الزمن يشبه "المسبحة" التي تضفي على المستقبل أكثر ضبابية. يبقى المستقبل بنية لفظية معجمية غير مدركة وصعبة التحكّم، فالمخطّطات التي تنشئ هذا التنازل عن طريق "ترويض" الزمن القادم تنتهي عند عبارات: "ستأكل عندما يقدر الله لك ذلك".

خلاصة

لا يهيمن على ممارسات الشباب، خصوصا عينة بحثنا، مفهوم الحياة القائم على البحث عن المتعة والترفيه، فما يتحصّلون عليه من الدخل الناتج عن العمل في مشاريع مختلفة يعيدون استثماره في محاولة لبناء المستقبل، لكن ذلك لا يتضمّن تجسيدا لمشروع تكوين الأسرة المرتبط في تمثلاتهم الاجتماعية بمخطّط واضح للحياة، فمثل هذا النوع من المشاريع (الزواج) مؤجل، ويحدث اضطرابا في الأطر التقليديّة ويولّد الضغوطات مع كبار السنّ. أخيرا، يبدو أنّ مشروع الهجرة الذي يتغذى من تجربة الشباب وطموحاتهم وأحلامهم يتمّ إعادة بنائه من منظور تحقيق الذات.

بيبليوغرافيا

Boukhobza, M. (1989). Ruptures et transformations sociales en Algérie. 2e vol., Alger : O.P.U.

Bourdieu, P. (1977). Algérie 60. Structures économiques et structures temporelles. Paris : Éd de Minuit.

Bourdieu, P. (1984). La « jeunesse » n’est qu’un mot, Questions de sociologie. Paris : Éd de Minuit.

Bourdieu, P. (2002). Le bal des célibataires. Crise de la société paysanne en Béarn. Paris : Éd du Seuil.

Chamboredon, J.-C. (1971). La délinquance juvénile, essai de construction d’objet. In Revue française de sociologie, XII.

Charest, M. et Tremblay, P. (2009). Immobilité sociale et trajectoires de délinquance. In Revue française de sociologie, Vol. 50, p. 693-718.

Darbus, F. (2008). « L'accompagnement à la création d'entreprise » Auto-emploi et recomposition de la condition salariale. In Revue Actes de la recherche en sciences sociales, n° 175, p. 18-33.

Ebersold, S. (2004). L'insertion ou la délégitimation du chômeur. In Actes de la recherche en sciences sociales, n° 154, p. 92-102.

Galland, O. (1991). Sociologie de la jeunesse. L’entrée dans la vie. Paris : Armand Colin.

Goffman, E. (1993). Les rites d’interaction. Paris : Éd de Minuit.

Haddab, M., Kennouche, T., et Khenniche, I. (1981), (dir.), Les jeunes ruraux et l’école. Mythes et réalités. Alger : CREAD.

Hadibi, M.-A. (2011). Projets en fragments et avenir de jeunes de Kabylie. In Insaniyat, n° 49, juillet.

Lacoste-Dujardin, C. (1976). Un village algérien. Structures et évolution récente. Alger : SNED/CRAPE.

Mauger, G. (1994). (dir.), Jeunesses populaires. Les générations de la crise. Paris : l’Harmattan.

Mauger, G. (1991). (dir.), Enquêter en milieu populaire. In Genèses. Sciences sociales et histoire, vol. 6, n° 1.

Pialoux, M. (1979). Jeunes sans avenir et travail intérimaire. In Actes de la recherche en sciences sociales, Vol. 26-27, mars-avril, p. 19-47.

Rarrbo, K. (1995). L’Algérie et sa jeunesse. Marginalisation sociales et désarroi culturel. Paris : l’Harmattan.

Renahy, N. (2005). Les gars du coin. Enquête sur une jeunesse rurale. Paris : La Découverte.

Sayad, A. (1999). La double absence. Paris : Éd du Seuil.

Thevenot, L. (1979). Une jeunesse difficile. In Actes de la recherche en sciences sociales, Vol. 26-27, mars-avril, p. 3-18.



ترجمة :

الهوامش

*مقال منشور في مجلة إنسانيات باللغة الفرنسية، عدد 55-56 | 2012، ص. 43-61 بعنوان :

" Entre un avenir de rêves et un futur rêvé : l’ambivalence des jeunes dans l’élaboration de leurs projets d’avenir"

[1] تحقيق آخر حول الشباب من جنس الإناث في طور الانجاز ضمن مشروع بحث مندرج من مشاريع مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية يشرف عليه فريق من الباحثين المشاركين. بدأنا الاهتمام أولا بالذكور من الفئة نفسها لأسباب ترتبط بسهولة التواصل معها ومرئيتها، لذا لا نضع تأخير الاهتمام بفئة الإناث ضمن خانة الإهمال بل تمّ تأخير ذلك لمرحلة ثانية تستهدف مشروع بحثيا أكبر حول الشباب.

لقد تمّ نشر نتائج هذين المشروعين بعد نشر هذا المقال في مجلّة إنسانيات (المُترجم). للاطلاع عليهما أنظر:

Mohand Akli Hadibi (coordonné) (2014), Les jeunes filles en Kabylie dans les années 2000. Ces absentes omniprésentes, Oran, Editions CRASC.

Mohand Akli Hadibi (coordonné) (2014), Les jeunes face à la famille et aux institutions de l’État : stratégies et représentations, Oran, Editions DGRSDT/CRASC.

[2] Bourdieu, P. (1977), Algérie 60. Structures économiques et structures temporelles. Paris : Ed de Minuit, p. 115.

[3] Ibid., p. 89.

[4] العبارة باللغة الأمازيغية.

[5] على الأقل فيما يخصّ وسائل تحقيق مشاريعهم المستقبلية، فالقرية لا تمثل مجالا مغلقا يفصل الشباب عن العالم الخارجي كما أنّ الحراك الجغرافي لهذه الفئة تجعل قابليتهم لاستقبال التأثيرات الخارجية ممكنا.

[6] ضمن تحقيق ميداني مسَّ الواجهة البحرية لمنطقة القبائل في بداية سنوات 1970 أجرته كامي لاكوست دو جاردان Camille Lacoste–Dujardin تبيّن الباحثة: "أنّه لم يبق في سنة 1971 أي مستثمرة فلاحية هامة تجمع في مجال واحد للإنتاج والاستهلاك أفرادا من أصول أو فروع متعدّدة يعيشون اعتمادا على موارد مستخرجة حصريا من الزراعة". أنظر:

Camille Lacoste-Dujardin (1976), Un village algérien. Structures et évolution récente, Alger : SNED/CRAPE, P 62.

تبدو هذه الوحدة معتمدة في بقائها على اقتصاد حديث ينفصل عن الأرض على الأقل فيما يخص إنتاج الخيرات الموجهة للاستهلاك والتي تحافظ على شكل من اللاتقسيم في تسير الأمور العائلية (مصاريف عائلية، نشاطات اقتصادية، تسير المنتوجات الرمزية...).

[7] Cf., Goffman, E. (1993). Les rites d’interactions. Paris : Ed Minuit, p. 48-49.

[8] Ibid., p. 21.

[9] Sayad, A. (1975). « El ghorba : le mécanisme de reproduction de l’émigration », in actes de la recherche en sciences sociales, n° 2, mars, p. 65.

[10] للتذكير، فأغلبية الشباب المستجوب لم يكملوا مسارهم الدراسي بعد الطور الابتدائي أو المتوسط، بينما آخرون (الثلث) واصلوا دراستهم الثانويّة دون تمكنهم من الحصول على شهادة البكالوريا.

Text

PDF

Adresse

C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO, Bir El Djir, 31000, Oran Algérie

Phone

+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11

Fax

+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Support

Contact Us